آخر التحديثاتأبرز العناوينإيرانرسالة المحرّرمقال الرأي

هل تنفرد إسرائيل بإنهاء أخطار إيران

الاستماع للمقال صوتياً

مقال رأي 
بقلم مرح البقاعي

في وقت سابق من نهايات العام 2022، أقرّ الرئيس جو بايدن بأن المحادثات النووية مع إيران التي تم استئنافها في أبريل 2021، أضحت في حالة موت سريري. أما وزير خارجيته، أنتوني بلينكين، فكان أقرب إلى اللهجة الدبلوماسية في توصيفه الحالة الراهنة للملف النووي، وأقرّ في تصريح له مؤخراً أن “خطة العمل الشاملة المشتركة لم تعد على جدول الأعمال للحكومة الأميركية”.

بالطبع، لم تتخلى الولايات المتحدة في عهد الرئيس بايدن عن محاولاتها المستمرة في الدفع باتجاه مواصلة المحادثات والخلوص إلى اتفاق متكامل وملزم للطرف الإيراني بتنفيذ بنوده، إلا أن من يضع العقدة في المنشار، وبصورة متواصلة، هي حكومة طهران.

لا يبدو الإيرانيون قلقون من دخول المفاوضات في غيبوبة قد تطول، وهم بالطبع يلعبون على حبال الوقت بمهارة لأن هكذا فراغ زمني في المحادثات ستستغله طهران في استكمال برنامجها النووي إلى أقصى حدوده.

وبينما يواصل الاقتصاد الإيراني معاناته مع انتشار البطالة ولاسيما في صفوف الشباب، وكذا حالة التضخم الهائل الذي ينهك عموم طبقات الشعب الإيراني، استعادت الحكومة الإيرانية بعض مبيعات النفط الخام التي خسرتها بسبب إعادة فرض العقوبات الأميركية في العام 2018. وأفاد صندوق النقد الدولي أن صادرات النفط الإيراني قد زادت بأكثر من الضعف منذ ذلك الحين.

وإذا تساءلنا أين يتجه النفط الإيراني، ومن المشتري الأعظم له، فالجواب يأتي سريعاً: الصين، الدولة الخصم للولايات المتحدة والتي تحاول سد أي فراغ تتركه واشنطن سياسياً ودبلوماسياً، أوحتى تجارياً على شكل اختراقات غير قانونية للعقوبات الأميركية والدولية المفروضة على دول مارقة مثل إيران.

أما النشاط النووي الإيراني فمستمر على قدم وساق. وقد قدّر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إجمالي مخزون طهران الحالي من اليورانيوم المخصب ما يعادل 12 ضعف مما تسمح به خطة العمل الشاملة المشتركة، كما يقوم الإيرانيون بالتخصيب في حده الأقصى بنسبة 60 في المائة في منشأة فوردو المدفونة في أرض نائية أسفل جبل، هذا في الوقت الذي أمسى وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى شبكة المصانع الإيرانية ومواقع التخصيب ومنشآت تصنيع أجهزة الطرد المركزي محدوداً منذ أن أزال الإيرانيون العديد من كاميرات الرقابة في رد فعل على قرار المتابعة والمراقبة الذي أصدرته الوكالة.

فما هي خيارات الولايات المتحدة اليوم بعد أن تعثرت الدبلوماسية في محادثات فيينا؟ وهل تقف وإسرائيل مكتوفتي الأيدي أمام التعنت والصلف الإيراني، بل تهديدها المتصل لأمن واستقرار المنطقة والعالم؟ وكيف ستتحرك إدارة بايدن وشريكها التاريخي في تل أبيب في ضوء القرار القاطع المُتّخذ بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي؟ وهل المناورات الأميركية – الإسرائيلية مؤخراً هي في طور التمهيد لخيار عسكري وضعه الطرفان على الطاولة؟ ولماذا غابت دول الخليج – ولاسيما من لها علاقات مع إسرائيل – عن المشاركة في المناورات، بينما صرّح مسؤول أميركي في القيادة المركزية إنه سيتم إبلاغ الخليجيين في وقت لاحق؟

قد يكون من الصعب الإجابة على كل هذه الأسئلة الدقيقة دون قياس لحجم التحديات التي يمكن أن يتمخض عنها أي قرار عسكري ضد إيران.

من نافل القول أن الولايات المتحدة وإسرائيل قادرتان -عسكرياً- على تدمير أهداف نووية استراتيجية في إيران، لكن هل سينهي هذا السيناريو طموح إيران في إعادة بناء ما يمكن أن يتمّ تدميره، بل أليس هكذا تصعيد بإمكانه أن يعلي من صوت المتشددين في طهران ويعزّز رؤيتهم ويحقق لهم دعماً شعبياً واسعاً لإعادة بناء ما خسروه؟

قد يأتي الجواب على هذا السؤال محمولاً على مشهد الصدام القديم-الجديد بين القوة الصلبة ونقيضتها المعتدلة في إيران. فالمعتدلون في طهران يدركون مخاطر النزوع نحو امتلاك سلاح نووي، ما سيجر المنطقة إلى سباق تسلّح غير مسبوق. والمعتدلون عينهم يعرفون تماماً أن جيرانهم العرب، وهم أكثر من يعاني من التطرّف العقائدي والسياسي الذي يحكم إيران، هم أكثر المتضررين من جموحها النووي ولن يقفوا مكتوفي الأيدي.

فصل المقال يكمن في قدرة الولايات المتحدة على تحقيق التوازن المطلوب بين الدفع الدبلوماسي وإعادة إحيائه من جهة، وبين مصالحها القومية العليا التي تتلاقى مع مصالح إسرائيل وجيرانها من الدول العربية التي تحيطها المخاطر الإيرانية من أخرى.

وفي حال رجاحة قرار اللجوء إلى الحل العسكري، فهل سيحدث بيد إسرائيل منفردة بعد أن ابتعدت معظم الإدارات الأميركية المتعاقبة عن اللجوء إلى الردع العسكري لإيران بتقدير أن سلبياته وردود أفعاله قد تتفوّق على منافع الفعل نفسه؟

نتساءل…

زر الذهاب إلى الأعلى