آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

سوريا: الاستبداد عرفياً ومشرعناً!

الاستماع للمقال صوتياً

المحامي ادوار حشوة

مشكلتنا مع المجتمع الدولي أنهم يعتقدون أن الثورة في سوريا وما تلاها من تطورات وتدخلات كانت بسبب الخلاف على دستور أو نصوص فيه.

مشكلتنا في سوريا لا علاقة لها بالدستور ولا بنوعه ولا على صلاحيات ولا على حقوق فيه.

كان في سوريا دستور 1950 أعدته جمعية تأسيسية وصار مدار النزاهة والشرعية وقامت به ديمقراطية وحريات.

هذا الدستور تم اغتياله في انقلاب عسكري قاده أديب  الشيشكلي وألغاه، وأّعد دستورا على مقاسه افتقد الشرعية، وطبعا أعلن الأحكام العرفية بحجة الدفاع عن النظام الجمهوري.

عندما أسقط مصطفى حمدون حكم الشيشكلي كان أول عسكري أعاد دستور 1950  الشرعي، وأعاد رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، وأعاد رئيس مجلس الوزراء معروف الدواليبي، وعاد إلى ثكنته ضابطا عاديا بلا سلطات.
.
عام 1958  قاد عشرة من ضباط الجيش انقلابا تستر بالوحدة وذهبوا إلى مصر وسلموا سوريا إلى عبد الناصر .

عبد الناصر ألغى دستور 1950 وأعلن دستورا للجمهورية العربية المتحدة على مقاس ديكتاتوريته وتستر بالدفاع عن الوحدة!

الحدث المدمر أن عبد الناصر أعلن الأحكام العرفية في سوريا دفاعا عن الوحدة، في حين كان المد الوحدوي كاسحا ولا خطر عليه.

كل ما ورد في دستور الوحدة من حريات وحقوق وديمقراطية تم إلغاؤها بالأحكام العرفية التي عمليا ألغت الدستور وحكمت سوريا عن طريق المخابرات، وطارت الحرية، وطار الدستور .

عام  1961 قاد ضباط سوريون انقلاب الانفصال واعادوا العمل بدستور 1950، وألغوا الأحكام العرفية فاعيدت الحرية والديمقراطية والنشاط الحزبي، وانتخب مجلس نواب.

عام 1963  قاد تحالف ناصري وبعثي مدعوما من بعث العراق ومصر انقلاب 8-3-1963، الذي فورا أعاد الأحكام العرفية وألغى دستور 1950.

من عام 1963 حتى الآن سوريا محكومة بالأحكام العرفية والدساتير من دستور 1973 إلى دستور 2012 على الرف!

هذا الوضع يمكن تفصيله كما يلي :
تعلن الأحكام العرفية بموجب قانون الطوارئ في سوريا كما في كل بلاد العالم خلال الحرب الفعلية أو الأهلية.

في سوريا لم يكن هناك حرب أهلية، والحرب مع اسرائيل  عام 1967دامت لمدة خمسة أيام، وعام 1973  مدة 11 يوما، ومع ذلك استمرت الأحكام العرفية الدائمة مدة 68 عاما حتى الآن من أصل عمر استقلالنا من عام 1946.

بذلك تكون فترة الحكم الديمقراطي:

1949-1946 حوالي 3 سنوات
1952-1950 حوالي سنتين
1963-1961حوالي سنتين
فتكون مجموعة الفترة الديمقراطية والدستورية في سوريا هي 7 سنوات من أصل 75 سنة من عمر استقلالنا، حكمتنا بالأحكام العرفية التي ألغت الدساتير – الديكور.

لا أعتقد أنه يوجد في العالم دولة تحكمها الأحكام العرفية وأحكام الطوارئ كما حدث في سوريا.

من هذا السرد التاريخي الدستوري نستنتج ما يلي:

مشكلتنا لم تنشأ بسبب الخلاف على دستور بل على الحكم العرفي العسكري الذي ألغى الدساتير.
قمة الخطر في الحكم العسكري الذي كان يعتمد على انصار من الأحزاب، فصار يعتمد على جذر أسروي طائفي، ما تسبب في النهاية بحرب أهلية.

دستور وحكم عرفي دائم معناه أن الاستبداد هو الدستور،  والاتفاق على أي دستور مع استمرار الأحكام العرفية هو سباحة في الفراغ واستمرار بالحرب.

المحامي أدوار حشوة

محامي وسياسي ومفكّر سوري أميركي له ما يزيد على 30 مؤلّف في السياسة والأدب والقانون
زر الذهاب إلى الأعلى