آخر التحديثاتأبرز العناوينبوّابة سوريا

العراق.. هل فوّت مقتدى الصدر فرصة التغيير الجذري؟

الاستماع للمقال صوتياً

ريهام الحكيم.. عمر الشمري

وايتهاوس إن أرابيك- مكتب العراق

دخلت أزمة تأليف الحكومة العراقية، في نفق آخر، بعد إعلان الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر، رغبته بإعادة بحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، وهو مسار يضفي على المشهد العراقي، المزيد من التعقيد، في ظل غياب الحكومة الأصيلة، وعدم انتخاب رئيس الجمهورية.

فمنذ الانتخابات التي أجراها العراق العام الماضي، أراد الصدر، تغيير آليات الحكم، والمجيء بمعادلة جديدة، بصبغة وطنية، عبر تشكيل تحالف “إنقاذ الوطن” بمشاركة الأكراد والسنة، (الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة)، إذ كان يهدف لتأليف حكومة أسماها “أغلبية وطنية” تقصي منافسيه الشيعة، وتضيّق مساحة المحاصصة الطائفية، في توزيع المسؤوليات.

لكن الصدر، واجه مقاومة شرسة من خصمه التقليدي نوري المالكي، الذي استعان بجملة أدوات، مثل تشكيله تحالف “الإطار التنسيقي”، وهو تجمع للقوى الشيعية، الموالية لإيران، كما أنه استعان بالقضاء، لاستصدار بعض القرارات التي حالت دون إمكانية أن ترى حكومة مقتدى الصدر النور.

بعد سلسلة محاولات لتأليف “حكومة الأغلبية” اقتنع الصدر، بعدم إمكانية ذلك، ليتخذ قرارا مفاجئا، وهو الانسحاب من مشاورات تشكيل الحكومة، والإيعاز إلى نوابه الـ(73) بالاستقالة، والبدء بمسار آخر، وهو تحريك الشارع، خاصة عقب ترشيح قوى “الإطار التنسيقي” القيادي في حزب الدعوة الإسلامية، محمد شياع السوداني، لترؤس الحكومة.

هنا، رمى الصدر، بأكبر أوراقه، عندما أوعز إلى أنصاره، باقتحام المنطقة الخضراء، والسيطرة على مبنى البرلمان، وإعلان رغبته بتغيير النظام السياسي، وتعديل الدستور، والحديث عن “ثورة”، وهو ما رفع منسوب التفاؤل لدى أنصار الصدر أولاً، ولدى فئات مستقلة ووطنية، ثانياً، بحصول تغييرات جوهرية في العملية السياسية، بغض النظر عن الجهة الفاعلة، وأهدافها.

لكن بعد أيام، فاجأ الصدر الجميع، بإعلانه رغبته بحل البرلمان العراقي، وإجراء انتخابات مبكرة. هذا الخيار، كان للصدر إمكانية اتخاذه، بسرعة مدهشة، عندما كان في البرلمان، لكنه الآن بعد انسحاب نوابه، أصبح دون أداة سياسية، تمثل الضغط المطلوب.

كما أن الصدر، فوّت جملة فرص، لإجراء تغييرات جذرية في المشهد السياسي، وتعديل آلية إدارة الدولة. فتحالف “إنقاذ الوطن” المتشكل من الأكراد والسنة، كان مطيعاً للصدر، بشكل تام، ما يمكن الصدر، من المضي بتعديل الدستور، وإجراء تغييرات جذرية في القضاء عبر سن القوانين المطلوبة، وفرض المزيد من الضغوط على حلفاء إيران، لتعديل سلوكهم السياسي، لكنه فوّت تلك الفرصة، بل منح خصومه “الإطار التنسيقي” قوة إضافية، بانسحاب نوّابه، الذين شغل مكانهم نواب من القوى الحليفة لإيران.

يُنظر إلى الصدر، وقراراته دوماً على أنها “مزاجية” ولا تخضع لتقييم سياسي حقيقي، كما أنه لا يشارك المقربين منه طبيعة تلك القرارات وانعكاسها على الوضع في البلاد بشكل عام، كما أنه يوصف دائماً بـ”الارتجالي” الذي يتخذ أعقد القرارات وهو “غاضب”، وهذا ينبع من طبيعة تكوينه والبيئة المحيطة.

لا يكن تفسير قرار الصدر، بالطلب من قوى “الإطار التنسيقي” حل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، على رغم أنه كان قادراً على ذلك، إلا بـ عدم تقدير الموقف، والضبابية السياسية.

ما يهم العراقيون الآن، هو تحقيق مكاسب على مستوى إدارة الدولة، من تلك الأزمة، وتنضيج أفكار مهمة، تساهم في تعزيز سلطة القانون، وتضعف الفصائل المسلحة، وتزيل الغشاوة عن الكثير من المواد الدستورية، بما يسهل آلية تشكيل الحكومة، ويعزل القضاء عن التدخل، وكان للصدر إمكانية فعل ذلك، عبر تشريع القوانين تحت قبة البرلمان، بمشاركة حلفائه من السنة والأكراد، لكنه لم يفعل.

الآن.. على رغم مطالبة الصدر الخجولة، ولمرة واحد، بتغيير جذري في النظام، وتعديل الدستور، وتطبيق القوانين بشكل سليم، لم يتم وضع الآليات المناسبة لإجراء تلك التعديلات، ولم تُشكل أية لجان خاصة بذلك، كما أن بيانه الأخير الحاسم، لم يأتِ على تلك المطالب.

يريد الصدر الآن، إعادة الانتخابات لدخول البرلمان مجدداً، وربما التفكير بالحصول على مقاعد أكبر إضافية، تمكنه من تشكيل الحكومة المقبلة، على رغم، أن ما حققه في انتخابات 2021، من مقاعد نيابية كانت هي الأعلى منذ عام 2005.

قد يكون إصرار الصدر، مفيداً لو عمل من خلال تحالفه، (نحو 180 نائباً) على إجراء التعديلات الدستورية، وتغيير شكل النظام السياسي، ومنح المستقلين المزيد من المكاسب، وتشريع القوانين، الكابحة للطائفية، وإعادة تكوين فصائل الحشد الشعبي، واشتراط تنفيذ القوانين المهملة، مثل قانون الأحزاب السياسية. لكن الآن فإن تلك التعديلات ستكون مرهونة بقوى “الإطار التنسيقي” وستخضع إلى رؤيتها، في حال لو حصلت.

هنا، يرى الباحث في الشأن السياسي، والأكاديمي، عقيل عباس، أن الصدر يحاول استبدال الإسلام السياسي الشيعي القديم الذي فسد وانقطع عن الجمهور (باعتبارهؤلاء هم منافسيه الحقيقيون) سواء كان “حزب الدعوة” أو “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية” أو “تيار الحكمة” –بشكل جديد من الإسلام السياسي الشيعي ويكون ممثله مقتدى الصدر نفسه، ليكون مرتبطا بالمجتمع، واقل طائفيه، ومذهبية، واكثر وطنية، وبعيداً إلى حد ما عن الفساد.

يرغب الصدر أيضاً – بحسب عباس – بإزاحة الأحزاب المنافسه له تاريخياً، ولكنه يريد أن يزيحها عبر أدوات إنتخابية وهو ما كان واضحاً خلال العامين السابقين.

لكن تلك الأحزاب حصلت على مقاعد وازنة في الانتخابات النيابية الماضية، فمثلاً حصل ائتلاف دولة القانون، برئاسة نوري المالكي، وهو سياسي عتيد مقرب من إيران، على نحو 40 مقعداً، خاصة بعد انسحاب نواب التيار الصدري، كما أن تحالف الفتح برئاسة هادي العامري (يجمع منظمة بدر، وعصائب أهل الحق) حصل على نحو 38 مقعداً، فضلاً عن الأحزاب الصغيرة الموالية.

آليات حل الأزمة

يرى الأكاديمي العراقي أن “الصدر يريد بعد حل البرلمان، وإجراء الانتخابات المبكرة، إعادة هيكلة القضاء، لأن الأخيرهو الأساس الذي أطاح بنصرالصدر الإنتخابي الكبير”.

وأضاف عباس في حوار مع “وايت هاوس إن أرابيك” أن “الصدام الحقيقي بين الصدر والقوى الإسلامية التقليدية سيكون حول قانون الإنتخابات الحالي، ويعتقد الصدر أنه يستطيع أن يهزم خطومه انتخابياً في الجولة المقبلة، أكثر من الجولة الماضية، خاصة بعد أن نجح في إعادة الكثير من الصدريين الذين كانوا قد أصيبوا بخيبة أمل من التيار، ولم يصوتوا له في الإنتخابات الأخيرة، لكنه الآن أعاد الكثير منهم بعد خطواته، ومشروع (الأغلبية الوطنية) العابر للمكونات وعدم تمسكه بالسلطة وتمسكه بالإصلاح”.

ويتابع الباحث العراقي، أن “الأزمة الحالية بالإمكان احتواؤها على المستوى السياسي وذلك يحتاج لتضحيات من بعض القوى، ويميل الإتجاه الآن للتضييق على المالكي وإضعافه كثيراً، وهو مطلب صدري بالأساس والقوى السياسية تحاول استمرار النظام السياسى ولكن هذا لا يعني قدرتها على إصلاحه”.

زر الذهاب إلى الأعلى