آخر التحديثاتأبرز العناوينبوّابة سوريا

العراق.. مؤشر الصراع يرتفع بعد استقالة نواب الصدر

الاستماع للمقال صوتياً

تقرير ريهام الحكيم

يحظى الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، نجل المرجع محمد صادق الصدر الذي أُغتيل عام 1999 على يد قوات النظام البعثي آنذاك، بشعبية كبيرة في العراق.

ومنذ عام 2003 ، اتخذ الصدرموقفاً متأرجحاً ضد إيران، وبرز في أكتوبر/تشرين الماضي كفائز أكبر في الانتخابات البرلمانية التي هددت بتهميش الكتل الشيعية المتحالفة مع إيران والتي هيمنت منذ فترة طويلة على سياسات الدولة الغنية بالنفط.

لكن الأوضاع السياسة منذ ذلك الحين في طريق مسدود، حيث أدت المشاحنات والاتهامات بالفساد إلى تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية، وعرقلة تشكيل حكومة جديدة لمدة ثمانية أشهر.

أمر الصدر، الذي يسيطر على أكبر كتلة في البرلمان، الأحد الماضي، العشرات من نواب الكتلة الصدرية (عددهم 73 نائباً) بالإستقالة من البرلمان. وهو بتلك الخطوة قد رمى الكرة في ملعب “الإطار التنسيقي” وهو التكتل الذي يضم مجموعة من الأحزاب والفصائل المسلحة الموالية لإيران، بالإضافة لأحزاب شيعية أخرى مختلفة التوجهات.

لم يتوقع كثيرون أن ينسحب الصدر من البرلمان بهذه السرعة، ولكن الصدر أراد أن يضع المسار السياسي على مبدء الأغلبية الفائزة وليس المحاصصة والتوافقية، وهو ما قوبل بالرفض الشديد من قبل أعضاء تحالف “الإطارالتنسيقي”.

ولعل عملية الإنسحاب من البرلمان لم تكن صدفة، فهي تزامنت مع إصدار قانون الأمن الغذائي، والذي اُعتبر تأمينا لحكومة تسيير الأعمال الحالية بقيادة مصطفى الكاظمي، حليف الصدر، لتأمين متطلبات الغذاء والإنفاق لحين انتهاء الأزمة السياسية وتشكيل حكومة جديدة وإقرار الموازنة.

إصلاح النظام السياسي بعد 2003

تصدرت قضية الإصلاح السياسي لمنظومة 2003 القائمة خطابات الزعيم الصدري مقتدى الصدر، فالنظام السياسي منذ 2003 تصدره الشيعة وشكلوا بنيانه وقواعده الأساسية، بمشاركة كردية وسنية مكملة للمشهد وغير مؤثرة فعلياً.

وبعد ثمانية عشر عام فَشل هذا النظام في البناء والتنمية . وتصدر العراق قوائم الفساد والفشل في التقارير الدولية. وجاءت إنتفاضة أكتوبر/ تشرين 2019، لتظهر سخط شعبي كبيرعلى المنظومة السياسية خرج من بغداد ومحافظات وسط وجنوب البلاد ذات الكثافة الشيعية.

مقتدى الصدر، وبالرغم من وجود ميول إصلاحية واضحة في خطابه، واجه إشكاليات في فكرة تبنيه لخطاب الإصلاح بشكل عام. وذلك بسبب إشتراكه في الحكومات السابقة وعدم قدرته على إدارة الوزرات.

فالصدر شريك رئيسي في الحكومات المتتالية التي أُتهمت بالفساد وخراب البلاد، بالإضافة لإتهامات بالمشاركة في قمع المحتجين في تظاهرات أكتوبر/تشرين 2019.

ولكن الصدر في أكتوبر/تشرين الأول 2021 تبنى تجربة جديدة، واقترح إنتاج حكومة أغلبية سياسية عابرة للمكونات، تتحمل المسؤوليات عن الفشل وتتبع أخطاء الماضي وتفكك سلاح الميليشيات الذي يعمل خارج قانون الدولة، ولكن المشروع الإصلاحي قوبل بالرفض من السياسيين الشيعة والذين جمعوا انفسهم في تحالف غير متجانس أسموه “الإطار التنسيقي” فقط لمواجهة مشروع الصدر وإفشاله.

مأزق الإطار وتبني الخيارات الصعبة

بإستقالات أعضاء الكتلة الصدرية، سيتم تصعيد المرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات في الدوائر التي خلت بعد إستقالة النواب. وهو ما يشير إلى إرتفاع عدد نواب الإطار بنحو 15 – 20 نائباً، بالإضافة إلى عدد من المستقلين.

سيواجه “الإطار التنسيقي” معضلة تشكيل الحكومة بدون الصدريين وقد تحمس بالفعل لهذا المسار، وسط قلق من أن يكون فخاً ينصبه الزعيم الصدري، الذي قد يحرك أنصاره المنظمين للنزول إلى الشوارع بعد سنة أو 100 يوم.

أما “الإطار التنسيقي”، ففي داخله غير متناسق وغير مترابط، فهم بالأساس مجموعة من القوى السياسية الموالية لإيران والمتورطة بأعمال عنف وإتهامات فساد، ومنذ تشكيله، تبنى الإطار خطاباً شعبوياً قائم على التزييف والتعطيل والتشكك وإدعاء الإقصاء المتعمد من أطراف مشروع الأغلبية الوطنية.

وبُني تماسك الإطار طوال الأشهر الماضية فقط على حماية هؤلاء الساسة من المُساءلة عن اتهامات الفساد والتورط في العنف المحمي بسلاح الميليشيات.

الإختلافات بين أعضاء الإطار كبيرة، فمن يتهم حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق عام 2014، بأنه بريطاني الجنسية والولاء، وآخر يتهم نوري المالكي، رئيس وزراء أسبق عام 2006، بانه إيراني التوجه.

والإطار الآن، وبعد إنسحاب الصدر من تشكيل الحكومة، لا يمتلك خيارات سوى التحالف مع شركاء الصدر، الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) وزعيمه مسعود البارزاني، والذي أتهموه في السابق بالعمل السري مع إسرائيل وحزب “تقدم” بقيادة محمد الحلبوسي والذي أتهمه زعماء الإطار ايضاً بتنفيذ أجندة إمارتية خليجية.

والأخطر في هذا السيناريو هو عودة الصدريين إلى الشارع، ولكن ليس بتحالف مع شباب الحراك السياسي المسمى بـ”التشرينيين”، فشباب تشرين يعتبرون التيار الصدري شريك رئيسي في قمع الإحتجاجات ضدهم، ويرفضوا التحالف معه.

على رغم أن “الإطار التنسيقي” تحرك بشكل رسمي نحو تأليف الوزارة، لكن الخوف يسيطر على أعضائه من المجهول، في ظل امتلاك الصدر سجلاً حافلاً بالقدرة على التحشيد الشعبي.

في العام 2016، حرّك الصدر أنصاره، وكاد يطيح بحكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، عندما اقتحم آلاف من أنصاره المنطقة الخضراء، ودخلوا إلى مبنى البرلمان والحكومة، قبل أن يأمر بانسحابهم، في حادثة ما زالت ماثلة أمام القوى السياسية، واعتُبرت دليلا على قدرة الصدر في تحشيد أنصاره بشكل سريع.

كما أن الاحتجاجات الشعبية، التي شهدها العراق، نهاية العام 2019، وراح ضحيتها آلاف الجرحى والقتلى، كانت بدعم وتأييد من الصدر، وفي أجزاء منها، كانت بتنظيم من أنصاره، حيث لا يتفاعل الصدر مع أية احتجاجات لم ينظمها أو يشارك فيها، ويرى أحيانا أن الشارع جزء من تكتيكاته.

زر الذهاب إلى الأعلى