رسالة المحرّر

الحرس الثوري الإيراني باقٍ على قائمة الإرهاب

مرح البقاعي

الاستماع للمقال صوتياً

 

رسالة المحرِّر

لا تملك الولايات المتحدة، كما لا يملك العالم، رفاهية الوقت للتعامل مع الملف النووي الإيراني بعد أن وصلت إيران في تخصيب الأورانيوم إلى نسبة لا تحتاجها أبداً في أي مشروع مدني سلمي، وهي نسبة ستستخدمها حصراً لإنتاج سلاحها المنشود، بينما تمارس أقصى درجات من التعتيم وإخفاء المعلومات عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي المعنية بتفتيش منشآتها بشكل متواصل.

تجادل الحكومة المتشددة في إيران أن الولايات المتحدة هي التي انسحبت من الاتفاق النووي الذي أُبرم في العام 2015، وبالتالي عليها أن تقدّم التنازلات إذا أرادت العودة إلى الاتفاق، وأن ترفع العقوبات عن إيران دونما تردّد. فحكومة ابراهيم رئيسي تريد أن توهم شعبها بأنها حققت نصراً دبلوماسياً ورفعت عن اقتصاده ومعاشه اليومي المنهار كاهل العقوبات، كما تريد عهداً من واشنطن أنها لن تتراجع مرة ثانية عن الاتفاق إذا ما تم التوقيع عليه كما فعل الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب حين غادر الاتفاق في العام 2018، بل وأن تحوّل الاتفاق إلى معاهدة مبرمة بينها والعالم.

في محاضرة  قدّمها مؤخراً جون ماكلوغلن، النائب السابق لرئيس وكالة الاستخبارات الأميركية (CIA) والخبير الحالي في شؤون الأمن الأميركي والدولي حملت عنوان “تحديات أميركا الأمنية في العقد القادم” ونظمتها  جامعة جون هوبكينز، تحدّث ماكلوغلن عن التحدي الأمني لأميركا وللاستقرار العالمي الذي تشكله إيران  قائلاً: “إيران تخبرنا أنها قامت بتخصيب 180 كيلوغراماً من اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة. تقنياً، حين تبلغ عملية تخصيب اليورانيوم هذا المستوى وهي الأصعب في المراحل الأولى من التخصيب، فبالإمكان الانتقال بسهولة إلى نسب تصل إلى 90 بالمائة وهو تماماً مستوى التخصيب الذي ستحتاجه للوقود المستخدم في صنع الأسلحة النووية حيث لاغرض مدني حقيقي يمكن تصوره في السعي لتخصيب المعدن إلى هذا المستوى، وعندها ستكون قادرة على تصنيع سلاحها النووي دونما عوائق تقنية تذكر”.

ويتابع ماكلوغلن بالقول:” إيران التي تقف اليوم في موقع المتحكّم بما يدور في منشآتها النووية، لن تكون متساهلة في المفاوضات، بل ستضع شروطاً مقابلة للشروط الأميركية. إلا أن ما يخيفني ليس عدم التوصّل إلى اتفاق معها، بل الأمر المقلق على الأمن العالمي والأميركي في آن هو أن تبقى إيران في موضع وسطي دون مسمّى واضح لحال برنامجها النووي، بحيث لا يمكن تصنيفها بأنها دولة نووية وتمتلك سلاحاً نووياً، بينما ستكون في الوقت عينه قادرة وجاهزة للانتقال بسرعة إلى تصنيع سلاحها النووي في أي وقت تقرره مناسباً لها لأنها ببساطة قد أنجزت القسم الأكثر تعقيداً في هذا المشروع، وهنا تكمن معضلة العالم الحقيقية”.

ويخلص ماكلوغلن إلى طبيعة المرحلة القادمة التي تتعلق بالحراك البيني بين دول الشرق الأوسط بما فيها اسرائيل ويفيد: “علينا ان ننتبه أن السياسات في الشرق الأوسط  آخذة في التغيّر بسرعة لافتة وبمقاربات جديدة على النهج السياسي التقليدي المنطقة. فالمملكة العربية السعودية الأكثر تضرراً من أداء إيران، تقوم ببعض المقاربات مع الإمارات العربية المتحدة لإيجاد سبل للحوار مع طهران بشكل مباشر أو بوساطات عربية غير مباشرة، وبذلك تعمد إلى النأي بنفسها عن الدوران الدائم في الفلك الأميركي لحل مشاكل الشرق الأوسط. كما من الملاحظ أنه في غياب حضور بارز لأميركا في التدخّل المباشر في هذه القضية التي تقض مضجع دول الخليج وكذا اسرائيل، فإن ديناميكية الحوار بين الدول المعنية ترتفع بتناسب عكسي مع تراجع الدور الأميركي. ويتابع: “هذا الأمر قد يكون له انعكاسات جيدة إذا كان الحوار مفيداً وأدى إلى نتائج  غدت مطلوبة من إيران إقليمياً ودولياً. أما في حال فشل الحوار، فعند المملكة العربية السعودية خيار امتلاك سلاح نووي بالتعاون مع باكستان، وعندها سندخل في نفق جديد من سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط لن تستطيع  الولايات المتحدة منعه البتة”.

تهدف الولايات المتحدة من مفاوضات فيينا النووية إلى الخلوص لاتفاق عادل يضمن سلامة الأمن العالمي من الطموح العسكري لدولة يقودها المتشددون، ويرعى حرسها الثوري رسمياً ميليشيات عابرة للحدود أصبح لها قواعد عسكرية ونفوذ سياسي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكانت عاملاً أساساً في التحريض على الحروب الأهلية والطائفية، بل وتقوم بالاعتداء المباشر من خلال وكلائها على المدنيين والمنشآت الحيوية لدولة كبرى إقليمياً مثل المملكة العربية السعودية.

إلا أن ماكلوغلن يصل في محاضرته إلى نظرية مهمة تتعلق بدور الدولتين النوويتين العظميين، الولايات المتحدة وروسيا، وكيف أخفق كلاهما في تقديم نموذج يقتدي به العالم في مجال الحد من سباق التسلح النووي، ويقول: “غياب اتفاق حقيقي بين موسكو وواشنطن في هذا الشأن -ودائماً حسب ماكلوغلن – سيترك المجال مفتوحاً لتأويل واجتهاد دول مثل كوريا الشمالية وإيران، لتقول أنها دول مستقلة ومن حقها أن تسعى لامتلاك السلاح التي تراه مناسباً لحماية أرضها وشعبها بما فيه السلاح النووي، وذلك في غياب ضوابط واضحة تحددها معاً روسيا وأميركا لتشكل ناظماً لدول العالم في ردع سباق التسلّح”.

فصل المقال يكمن في الموقف الذي ستتخذه إدارة بايدن وهل تستمر في موقفها المعلن مراراً من طرف المسؤول الأميركي عن الملف، روبرت مالي، بعدم إزالة الحرس الثوري الإيراني عن قائمة الإرهاب ما لم تتراجع طهران بصورة كاملة عن دعم ميليشياته العابرة للحدود، بل هل ستلتزم بالإبقاء على العقوبات التي هي الورقة الوحيدة القوية بيد واشنطن لردع طهران عن المضي في مشروعها النووي غير المدني أم أنها ستقوم برفع بعضها، ما يفتح الباب موارباً لمضي طهران نحو المزيد من التلاعب بأمن العالم واستقراره دونما عائق ولا نذير!

مرح البقاعي

مستشارة في السياسات الدولية، صحافية معتمدة في البيت الأبيض، ورئيسة تحرير منصة .’البيت الأبيض بالعربية’ في واشنطن
زر الذهاب إلى الأعلى