بناء السلامديمقراطيات

ليبيا.. وداعاً أيها السلاح

هل تصنع التنمية البشرية السلام حيث فشلت السياسات؟

الاستماع للمقال صوتياً

وايتهاوس ان أرايبك/ العرب اللندنية

في العام 2011 احتاجت واشنطن وشركائها في الحلف الأطلسي (NATO) إلى قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة من أجل قيادة عملية عسكرية في ليبيا استهدفت إسقاط حكم معمر القذافي والإجهاز على نظامه، وكان لها ذلك؛ ففي تاريخ 19 مارس/آذار باشر التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 1973 الهادف إلى “وقف فوري لإطلاق النار في ليبيا وإنهاء الهجمات ضد المدنيين وفرض حظر على جميع الرحلات الجوية ضمن المجال الجوي للبلاد باستثناء رحلات الإمداد الإنسانية وتشديد العقوبات على نظام القذافي”، كما ورد في نص القرار الأممي في حينها. 

أطلقت واشنطن على عملياتها القتالية اسم “فجر أوديسا “Operation Odyssey Dawn، في حين امتنعت إيطاليا عن المشاركة ووضعت شرطاً لالتحاقها بعمليات الحلف الأطلسي بألا تقتصر قيادة المهمة على دولة بعينها، وأن تقوم  دول الحلف مجتمعة بإدارة العمليات. 

استمرت عمليات الحلف لبضعة أشهر نفّذ خلالها ما يزيد على 26 ألف طلعة جوية منذ توليه المهمة حتى مقتل القذافي  في 20 تشرين الأول /أوكتوبر، وهنا تدخّلت الأمم المتحدة من جديد ليصوت مجلس الأمن على إنهاء التفويض الذي منحه للحلف الأطلسي في 31 تشرين الأول/ أوكتوبر للعام 2011. 

واشنطن التي دفعت ثمناً باهظاً لتدخلها في ليبيا إثر الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له بعثتها الدبلوماسية في مدينة بنغازي الليبية العام 2012 ومقتل سفيرها كريس ستيفنز في الاعتداء، تخطط اليوم لإعادة فتح سفارتها إثر مرور سبعة أعوام على إغلاقها. 

تدرك إدارة بايدن أن هذا الأمر يحتاج إلى ضمانات أمنية وتنسيق عالٍ بين الوكالات والمنظمات لتأمين موظفي البعثة وحمايتهم؛ وقد تكون الحكومة الانتقالية التي تأسست إثر إعلان الأمم المتحدة سريان وقف إطلاق الكامل في أرجاء البلاد في شهر تشرين الأول/أوكتوبر من العام الفائت 2020، وكذا الانتخابات العامة المجدولة في شهر كانون الأول/ديسمبر من هذا العام برعاية أممية، عوامل مؤثرة في إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد وفتح الباب أمام عودة سلسة للبعثات الدبلوماسية. 

لكن، ماهو دور الأمم المتحدة في إحلال السلام إثر سنوات الاقتتال الطويلة وما هي خططها لإعادة الحياة العامة في ليبيا إلى نصابها الطبيعي من أمن عام واستقرار معاشي ينبني على دعم بشري وتوعية شعبية لإحلال المصالحات وتمكين سيادة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية؟ وهل تأمين الغذاء والدواء وفرص العمل للمواطنين في أرجاء ليبيا وتوزيعها بالعدل والمساواة يمكن أن تشكل أرضية للسلم الأهلي حين عجزت السياسات والسياسيون؟ أوليست أزمة الحياة المعاشية عنصراً مهيّجاً للشرور والكراهية والفتن، وبالمقابل يمكّن الأمن الغذائي والدوائي والتعليمي للمواطن من حالة الاستقرار المنتج وصولاً إلى الاكتفاء ثم الازدهار؟ 

وصفت لجنة نوبل التي منحت جائزتها للسلام في العام 2020 لبرنامج الأغذية العالمي WFP))، الرابط بين الجوع والنزاع المسلّح على أنه “حلقة مفرغة يمكن أن تؤدي فيها الحرب إلى انعدام الأمن الغذائي والجوع، تماماً كما يمكن أن يتسبب الجوع وانعدام الأمن الغذائي في اندلاع النزاعات ويدفعان إلى استخدام العنف”.

من أجل تسليط الضوء على مآلات وخطط هذه المنظمة الأممية التي حازت على ثقة لجنة نوبل لمساهماتها في صناعة السلام العالمي، التقت “العرب” مبعوثة برنامج الأغذية العالمي ومديرة مكتبه في ليبيا، السيدة رَود الحلبي، وسألتها في حوار خاص عن رؤيتها لفرص تحقيق السلام من خلال الخطط والمشاريع التي تصممها المنظمة بما يناسب الحالة الليبية فقالت: “يعمل برنامج الأغذية العالمي في ليبيا بشكل حثيث، وعلى مختلف الأصعدة والمجالات، لتحقيق التنمية المستدامة عن طريق تنفيذه لبرامج تستهدف فئات معينه بناء على دراسات تقييمية لوضع المدن التي نعمل عليها والاحتياجات التي نلمسها. فلدينا برامج التدريب مقابل الغذاء الذي يستفيد منه حوالي 10 آلاف مواطن ليبي كل شهرين يتم تخريجهم بمهن تناسب متطلبات السوق. كما نعمل على برامج الغذاء مقابل الأصول حيث يعمل البرنامج بالتنسيق الوثيق مع قسم التميز والإبداع التابع ومركزه في ميونيخ على تدريب المزارعين على الزراعة المائية التي تناسب الجنوب الليبي. تحقق هذه المشاريع نتائج جيدة ونقوم على تكرارها في أقاليم مختلفة من ليبيا ونعمل على إعادة بناء أسواق تم تهميشها بسبب النزاع ستهيّ حيزاً مناسباً لتبادل السلع. كما يفخر البرنامج بقدرته على تنفيذ برامج تغذيه مدرسية وريادته في هذا المجال. لقد استهدفنا في وقت سابق 20 ألف طفل بوجبات غذائية متكاملة، وسنستهدف 40 ألف آخرين ببرامج رائده تندرج تحت مظلة برامج التغذية المدرسية، هذا بالإضافة إلى المدارس الذكية ومشاريع مشتركه مع منظمة الطفولة  في ظل مبادرة “التعليم لايمكن أن يؤّجل”.  

وحين سألت السيدة حلبي عن دور التنمية البشرية والأمن الغذائي والحياتي للمواطنين في صناعة سلام مستدام إثر حروب طويلة وكيف يتحول هذا الدور إلى واقع ملموس وليس مجرد قرارات ومساع أممية، أفادت: “تم وضع أھداف واضحة للتنمیة المستدامة بهدف التخفيف من الاحتیاجات الطارئه والمخاطر المرتبطة بها في إطار محاولة لتحقیق رؤیة مشتركة لمستقبل واعد يشمل جميع فئات المجتمع”. وعن آليات العمل داخل المجموعة الخاصة بليبيا أضافت: “بدأت مناقشات رابطة العمل الإنساني والتنمیة والسلام الخاصة بلیبیا في العام 2019 داخل فریق عمل الأمم المتحدة القطري. ومنذ ذلك الحين تطورت أعمال الرابطة لتقوم بتيسير البرامج التنموية بین الجھات المختلفة وإشراك عدد أكبر من الأطراف المعنية بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غیر الحكومیة الدولیة والمؤسسات البحثیة والجھات المانحة، في حین یستمر برنامج الأغذیة العالمي في العمل كمنسق لھذه الرابطة”.

وعن دور الولايات المتحدة في دعم المساعي الأممية وخطط مكتب برنامج الغذاء العالمي من أجل تحقيق مهمته ولاسيما أنها عضو مؤسس في الأمم المتحدة ومن أكبر الممولين لمنظماتها، سألت الحلبي عن تقييمها لهذا الدور وعن قراءتها للعلاقة بين الاستقرار والتنمية ‏البشرية التي يسعى مكتبها لتحقيقهما بمساعدة الحكومة الانتقالية الليبية وبدعم من منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية، وبين عودة العلاقات الخارجية لليبيا مع العالم الى وضعها الطبيعي وإعادة افتتاح السفارات الأجنبية فقالت: “قدّمت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) لمكتبنا منحة مالية مقدارها 600 ألف دولار موجهة لدعم تسيير طيران الأمم المتحدة للخدمات الإنسانية في العامين 2020 و2021؛ خدمة الطيران تلك كانت شريان التزويد لليبيا طيلة فترة النزاع وكذلك خلال جائحة كوفيد 19”. وتابعت: “واستناداً إلى دراسات رابطة العمل الإنساني والتنمیة تمّ تحدید مدينة سبھا في الجنوب الليبي كنقطة انطلاق للعمل الميداني نظراً لأن المدينة تتمتع بنسیج اجتماعي شديد التنوع، إضافة إلى كونھا المركز الاقتصادي والصناعي لمنطقة فزان ونقطة عبور رئیسة للھجرة والتھریب والاتجار بالبشر. لذا من الممكن ان يساهم التنسیق المحكم وتوفير الخدمات والحمایة في إزالة مسببات الصراع من المنطقة ويشكّل حافزاً لعودة النازحین إلى أمكنتهم الأصلية”.

فصل المقال يكمن في خطة التنمية لعام 2030 التي وضعتها الأمم المتحدة تحت شعار: لا تنمیة مستدامة بدون سلام ولا سلام بدون تنمیة مستدامة”. فهل ستصلح الأمم المتحدة ما أفسده السياسيون وأمراء الحرب والفصائل المتناحرة والميليشيات الدخيلة التي استجلبت إلى أرض ليبيا؟ 

كلنا أمل!

مرح البقاعي

مستشارة في السياسات الدولية، صحافية معتمدة في البيت الأبيض، ورئيسة تحرير منصة .’البيت الأبيض بالعربية’ في واشنطن
زر الذهاب إلى الأعلى