’الحزام الإسلامي الأخضر’ ومصير أربع عواصم عربية
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – رسالة المحرِّر
مرح البقاعي
يستند موقف “الديمقراطيون” الأميركيون، وفي مقدمتهم يقف الرئيس الأسبق باراك أوباما، في التعاطي بيسر ملحوظ مع الملف النووي الإيراني الواقع تحت السلطة المباشرة لمجلس ملالي طهران، يستند إلى خط سياسي طويل الأمد والتأثير، نظمَ فصولَه ومحطاتِه الرئيسة قرارٌ مفصليّ اتخذته إدارة الرئيس الديمقراطي الأسبق جيمي كارتر خلال فترة حكمه، لجهة دعم ثورة الإمام الخميني حين اندلاعها في العام 1979. أما المرجعية الإيديولوجية لهذا القرار، الذي رسم مسار العلاقات الأميركية الإيرانية لعقود متوالية، فانبنت على قاعدة نظرية الحزام الأخضر الإسلامي ((Islamic Green Belt التي صاغ تصوّرها واستراتيجياتها آنذاك مستشار الأمن الوطني في إدارة كارتر، زييغنيو بريجنسكي، الديمقراطي أيضاً.
مفاد النظرية: أن نشوء أنظمة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، مدعومة أميركياً، سيكون بإمكانها بما لديها من دعم جماهيري قاعدته الإسلام أن تشكل بدائل حقيقية للنظم الاستبدادية القائمة في الشرق الأوسط، من جهة، وأن تكبح جماح حركات اليسار المناصرة للاتحاد السوفييتي ــ قبل انحلال عقده ــ من أخرى. ومن أجل إشهار دعمه لنظام الملالي الوليد في إيران قام الرئيس الأسبق كارتر برفع الحظر عن بيع الأسلحة والبضائع لإيران الذي كان سارياً منذ العام 1978. وللتأكيد على ميوله لنصرة أصحاب العمائم، رفض كارتر منح شاه إيران (الحليف المقرّب لأميركا) تأشيرةَ دخول إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج في نيويورك قبيل وفاته متأثراً بمرضه العضال.
موقف كارتر ذاك لم يمنع من تعاظم تجييش طهران الشعبي والرسمي ضد “الشيطان الأكبر” والذي انتهى إلى واقعة الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني للعام 1979 في السفارة الأميركية بطهران واتخاذ الدبلوماسيين الأميركيين في حينها رهائن لمدة 444 يوماً. تلك الواقعة أرست حجر الأساس لدراما محاربة “النصارى” في الغرب الأميركي، وذلك في شريط من العنف الموصول اندلع مترافقاً مع اضطرام الثورة الخمينيّة منذ نيف وثلاثين عاما، ماراً بتفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت في العام 1983، بالغاً ذروته العنفيّة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الانتحارية في العام 2001، وهذه المرة في العقر من الدار الأميركية.
من نافلة القول أن العلاقة الملتبسة بين واشنطن وطهران ما لبثت تثير إشارات الاستفهام، والتعجب أيضاً، على غير صعيد. فحركة المد والجزر بين البلدين “العدويّن” إنما تخضع لبوصلة المصالح الاستراتيجية التي تتفاوت بين تقارب وتباعد في غير منطقة من العالم. فأولوياتهما المشتركة كانت قد جمعتهما خلال الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 حين سقط نظام طالبان الأصولي هناك، وشعرت إيران بالبراء من وجع التشنّج السلفي في خاصرتها اليمنى؛ بينما استأصل الأميركيون نظام صدام حسين الشوفيني عن خاصرتها اليسرى، فكانت العافية السياسية الإيرانية في بدر اكتمالها.
تلك العافية غدت في حينها قاعدة صلبة لطهران بهدف التمدد في غير بلد عربي والتواجد الميلشياوي والعسكري فيه كما حدث ويحدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ولم يأتِ تطاول مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرّب من المرشد الإيراني علي خامنئي، لم يأتِ من فراغ حين قال: “إن أربع عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة لإيران عقب سقوط صنعاء والتحاقها بالثورة الإيرانية”!