آخر التحديثاتأبرز العناوينأوراق استراتيجية

جيش العراق والعوائق السياسية في وجه تطويره

الاستماع للمقال صوتياً

بقلم ريهام الحكيم 

خاص WHIA

في حديث صحافي لرئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، أجرته معه صحيفة وول ستريت جورنال، أكد فيه السوداني حاجة العراق لاستمرار بقاء القوات الأمريكية في صورة مستشارين، وهو ما أعتبر خروجا عن المسار الذي حُدد لحكومته والسياق الذي تنتهجه الدولة.

السوداني قال أنه يؤيد بقاء القوات الأمريكية والأجنبية في العراق، مؤكدا أن البلاد لا تزال بحاجة إلى تلك القوات بصفتها “الاستشارية”، رابطا تلك الحاجة باستمرار تهديد الخلايا النائمة لبقايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عبر تسلل خلاياه عن طريق الحدود السورية، والتي مازالت تحتاج لمزيد من الوقت والجهد للقضاء عليها.

قرار السودني يأخذ الشكل “التقني” ولكنه يحمل “دوافع سياسية” من حيث تتطلع إيران والفصائل التابعة لها داخل العراق، لخروج جميع القوات الأجنبية سواء كانت استشارية أو قتالية بكل صنوفها.

وعلى الرغم من أن حكومة السوداني الائتلافية تشكلت بالأساس من تحالف “الإطار التنسيقي” المدعوم إيرانيا والذي يحمل أعلى الأصوات الداعية لإخراج القوات الأمريكية من العراق، ولكن “الإطار” نفسه لا يملك موقفا موحدا من قضية التواجد الأمريكي.

الانسحاب الأمريكي غير المكتمل

يبلغ عدد القوات الأمريكية في العراق حوالي 2500 عسكري موزعين على قواعد عسكرية متفرقة، ولا يمارس الجيش الأمريكي حاليا في العراق مهمات قتالية، بل استخبارية واستشارية.

وقّع العراق اتفاقية “الإطار الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة في عام 2008، وصادق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية في نفس العام، ودخلت حيذ التنفيذ في عام 2009.

تضمنت الاتفاقية التي حملت اسم “اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق”، في بندها الثاني، التعاون في مجال الأمن والدفاع. لم تشمل الاتفاقية أي التزام أميركي بالدفاع عن العراق ضد أي تهديد أمني داخلي أو غزو خارجي، بل فقط مساهمة في ترتيبات أمنية ودفاعية من دون التجاوز على السيادة العراقية، أى تحسين قدرة القوات الأمنية في صد التهديدات التي تمس السيادة والأمن ووحدة أراضي الدولة.

وفي يوليو/ تموز عام 2021، وتحديدا في الجولة الرابعة من “الحوار الاسترايجي” بين البلدين، وقّع رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، اتفاقا مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإنهاء مهام القوات القتالية في العراق في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام. الإتفاق وقع بعد ضغوط على الحكومة العراقية من فصائل مسلحة شيعية، قريبة من إيران، بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في غارة شنتها الولايات المتحدة بطائرة مسيرة استهدفت موكبهم قرب مطار بغداد يناير/كانون الثاني 2020.

ساد الغضب في حينها في الأوساط السياسية، والذي اعتبر اغتيال قائد إيراني انتهاك للسيادة العراقية. وصوت البرلمان العراقي على طرد جميع القوات الأجنبية وبخاصة الأمريكية من العراق، وتدخلت الفصائل المسلحة “الولائية” التابعة لإيران لإجبار الولايات المتحدة على إخلاء القواعد العسكرية داخل العراق، وذلك عن طريق استهداف وقصف الوحدات العسكرية التي تستضيف قوات أمريكية والمناطق القريبة من السفارة الأمريكية في بغداد.

استخدمت طائرات مسيرة وصواريخ كاتيوشا تم إطلاقها على القواعد العسكرية التي تستضيف الجنود الأمريكيين، ما تسببت في سقوط جنود عراقيين قتلى وجرحى.
وتحول العراق في عامي 2020 و2021 مسرحا للعداء المستمر والمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.

أما الانسحاب الأمريكي من العراق، فلم يكن أبدا انسحابا كاملا على غرار السيناريو الأمريكي في أفغانستان، بينما أخذ شكلا من إعادة ترتيب القوات الأمريكية وتحديد دورها وتخفيض عددها من 5200 إلى 2500 جندي.

وتنظر الولايات المتحدة إلى الجيش العراقي (الذي تتشارك معه التدريب والتسليح) بإعتباره يمتلك فصائل تعتبرها واشنطن “طائفية” وولاؤها لإيران.

وبشكل عام، يعتبر تسليح الجيش العراقي غير متطور نسبيا، في ظلّ فساد شاب صفقات السلاح التي أبرمتها الحكومات السابقة بعد عام 2003، خصوصا تلك المبرمة زمن حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

الجيش العراقي الجديد بعد 2003

تأسس الجيش العراقي الجديد عام 2003، حيث عملت الولايات المتحدة على تفكيك الجيش النظامي بعد سقوط نظام صدام حسين، بدلا من تتبع طريقة التهجين والسعي إلى الجمع بين عنصري القوات المسلحة الحديثة والعناصر التقليدية  المألوفة لدى القوات العراقية. كانت رؤية الولايات المتحدة أن يتم تأسيس جيش جديد يحمل سمات غربية من حيث المعدات والعقيدة والسلوك.

وعملت القوات الأمريكية على تدريب وتسليح الجيش الجديد حتى عام 2011. وبخروج القوات الأمريكية من العراق، توقفت جميع أنشطة إشراف الأمريكيين وتدريبهم للوحدات العراقية.

 عمدت حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006- 2014) على استبعاد أي دعم لشراكة استراتيجية فعالة مع واشنطن، وحوّلت سياسات المالكي الجيش النظامي إلى قوة عسكرية طائفية تحقق أهداف الحكومة ذات الأغلبية الشيعية.

سعى المالكي إلى تمكين المقربين منه من المناصب القيادية الهامة. ومع رحيل الأمريكيين عام 2011، انتشرت تلك الظاهرة، وباتت المناصب القيادية عرضة لقرارات حكومية تتخذ على أساس طائفي أو عائلي.

يعد الجيش العراقي من الجيوش الكبيرة، إذ يبلغ قوامه حوالي 190 ألف جندي بالإضافة إلى 500 ألف من قوات الشرطة والقوات شبه العسكرية بأنواعها المختلفة.

حدثت هزيمة الجيش العراقي – وهو الجيش الذي تلقى تدريبا أمريكيا – عام 2014 أمام الهجوم الذي شنه مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وحلفاؤهم، ونجحوا في السيطرة على مناطق واسعة من شمال العراق بما فيها معظم نقاط الحدود مع سوريا.

ويمكن إرجاع هذا الانهيار إلى عدة عوامل، كالمعدات العسكرية وعوامل ذات صلة بالتنظيم نفسه. ولكن، تعتبر الأسباب الأساسية في هزيمة الجيش العراقي أمام “داعش” سياسية بالمطلق.

وكان المتوقع من بعض وحدات القوات المسلحة العراقية بعد الانسحاب الأول للقوات الأمريكية في عام 2011، أن تبلي بلاء حسنا في القتال، وحيث تعد قوات “داعش” أقل بكثير مناعداد القوات العراقية.

ولكن الصدمة كانت في استسلام قوات الجيش النظامي، و إلقاء السلاح، وخلع الزي العسكري، والفرار من المواجهة.

عادت القوات الأمريكية مرة أخرى للعراق، عام 2014، وأرسل الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما 3100 عسكري أمريكي للمساعدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، تحت اسم “التحالف الدولي” والذي ضم 40 دولة  بينها دول عربية مثل السعودية والإمارات والبحرين والأردن بقيادة الجنرال جيمس تيري. وشن التحالف غارات جوية ضد مواقع التنظيم في العراق وسوريا بداية من أغسطس/آب 2014.

ومنذ انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي في العراق نهاية العام الماضي 2021، قرر عدد من القادة في الجيش العراقي عن التوجه نحو تطوير الترسانة العراقية العسكرية والسعي للحصول على طائرات مسيرة ومنظومات دفاع جوية لتأمين الأجواء.

إلا أن ملف التسليح من الملفات التي مازال يثار الجدل بشأنها بقوة، والعائق مازال قائما مع الرفض المستمر لأطراف سياسية حليفة لإيران إبرام صفقات عسكرية مع الولايات المتحدة.

زر الذهاب إلى الأعلى