حوار خاص

طارق حجي: لا توجد دولة مدنية في المنطقة العربية وتجربة تونس من الصعوبة تكرارها

الاستماع للمقال صوتياً

“عدم وجود تيار عنيف بين مسيحيي مصر منعها من الانزلاق لحرب أهلية”

“لهذه الأسباب بريطانيا توفر ملاذا آمنا للإسلاميين”

حوار خاص

 محمــد ماهـر

قال الكاتب والمفكر الدكتور طارق حجي في حوار خاص أجراه عضو هيئة التحرير محمد ماهر “إنه لا توجد دولة مدنية حقيقية في المنطقة العربية”، مستبعدا في الوقت ذاته تكرار التجربة التونسية في شراكة الحكم بين المدنيين والإسلاميين في باقي دول المنطقة، بسبب ضعف الطبقة الوسطى سواء اقتصاديا أو تعليميا.

ورجح الكاتب الكبير، في حوار تليفوني خاص لـ “وايتهاوس ان أرابيك”، من العاصمة البريطانية لندن، أن تمنح لندن ملاذا آمنا بديلا للإسلاميين، بعد التقارب المتزايد بين القاهرة وأنقرة.

وشدد حجي، الذي يحاضر في عددٍ من الجامعات ومراكز البحوث الأمريكية والدولية مثل جامعة Oxford وجامعة لندن وجامعة Princeton وجامعة Columbia وجامعة California Berkeley وكبرى المراكز البحثية حول الشرق الأوسط في العالم، على أن “كل المسارات في الشرق الأوسط تؤدي في النهاية أن تكون إيران دولة نووية سواء عبر المفاوضات أو غيرها”.

المنطقة العربية المضطربة

واعرب حجي، عن اعتقاده ان أوضاع المجتمعات الناطقة بالعربية تسير من سيء إلى اسوا فيما يتعلق بالتنوير، مضيفا أنه في الوقت الذي تحول فيه الدين لشأن شخصي في الدول المتقدمة، أصبح النزوع الديني هو العامل المسيطر في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وحتى بين أبناء الدين الواحد بسبب اختلاف الطائفة، كما في اليمن حسبما أفاد.

وأشار حجي، إلى أنه “من حسن حظ مصر أن لا يوجد تيار عنيف بين مسيحيي مصر، في مقابل التيارات العنيفة الجهادية، وهذا ما منع مصر من الانزلاق لحرب أهلية حتى الآن”، موضحا أن فهم المسيحيين للدين يقبل الإساءة بشكل أو بآخر، وظهر هذا بعد انهيار نظام الإخوان في مصر حيث تم حرق عشرات الكنائس حول مصر لمعاقبة المسيحيين على تأييدهم للرئيس السيسي، دون رد عنيف من جانب أقباط مصر.

وأشار إلى أن “الدول المحافظة بطبيعتها مثل السعودية والإمارات الوضع بها افضل قليلا من باقي المجتمعات في المنطقة العربية، وهناك تحول إيجابي تشهده تلك الدولتان بسبب وضوح رؤية القيادة في الرياض، وأبوظبي”.

وأفاد الكاتب والمفكر الكبير، أن المشكلة في منطقتنا العربية تكمن في غياب الدولة المدنية بمفهومها الشامل، حيث تتداخل الأديان في كل أمور الحياة تقريبا، مدلّلا بأن دار الإفتاء في مصر تصدر عشرات بل ومئات الفتاوى يوميا، بسبب أسئلة عامة الناس.

وشدد حجي، الذي صدر له نحو 14 كتاب باللغة العربية وعدد من الكتب بالإنجليزية والفرنسية تقوم على قراءة أكاديمية رصينة عن مصر والعالم العربي، على أنه “لا توجد دولة مدنية حقيقية في أية دولة عربية، لافتا إلى أنه بالرغم من الصعوبات التي تواجه تونس في تجربة التحول الديمقراطي وشراكة الحُكم بين المدنيين والإسلاميين، بيد أن التجربة التونسية تظل فريدة من نوعها ومن الصعب تكرارها في باقي الدول العربية”. وعزا السبب إلى دور الطبقة المتوسطة والمتعلمة القوية في تونس، الأمر الغير موجود تقريبا في أية دولة أخرى في عالمنا العربي، بالإضافة إلى عدد آخر من الأمور، أهمها أن الجيش في تونس ليس بالقوة الكافية لكي يلعب دورا في الحياة السياسية، فضلا عن القوة الكبيرة التي تتمتع بها الحركة النسائية في تونس.

كما لم يستبعد حجي الوصول إلى توافق سياسي في تونس بين حركة النهضة من جهة والرئيس التونسي من جهة أخرى، بحيث يتم إحالة الغنوشي إلى التقاعد واعتزاله الحياة السياسية، وفتح الباب أمام القيادات الشبابية في حركة النهضة الإسلامية للتوافق مع باقي التيارات والقوى السياسية.

إشكالية الديمقراطية وحكم الإسلاميين

ردا على سؤال حول إشكالية الديمقراطية في عالمنا العربي، وإمكانية فتح الباب أمام التيارات المتطرفة للحُكم، شدد حجي، على أن “الأطر الديمقراطية في عالمنا العربي- بمفهومها الغربي – ستؤدي في النهاية إلى حُكم الإسلاميين، لافتا إلى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تبنت مفهوم تطبيق الديمقراطية حتى لو أدى في النهاية إلى حُكم الإسلاميين، وقد أثبتت التجربة التاريخية قصٌر نظر هذا المفهوم”.

ونبّه حجي، إلى أن الديمقراطية في الحقيقة نشأت في أوروبا عبر سلسلة من التفاعلات التاريخية بين الأجيال على مر التاريخ. وقد تعرضت الديمقراطية لمحنة عقب وصول هتلر إلى الحُكم في ألمانيا عن طريق الانتخابات 1932، ولذلك تجرّم أوروبا حاليا تأسيس الأحزاب على أساس نازي بسبب التجربة التاريخية للأحزاب النازية، مضيفا “مثلما حدث في أوروبا يمكن الاستناد إلى التجربة التاريخية في عالمنا العربي لمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني حفاظا على الدولة المدنية”.

لندن والإسلاميين

وأشار حجي، إلى أن رؤية اغلب الدول الغربية، بما فيها بريطانيا، مازالت تنبني على أنه من حق الإسلاميين الوصول الي الحكم عن طريق الانتخابات. وكشف لنا أنه شارك في عدة جلسات استماع في البرلمان الإنجليزي، اقتربت من نحو 10 جلسات خلال العقد الأخير، شرح فيها كيف أن صيغة الديمقراطية الغربية لا تتناسب مع المجتمعات العربية، مضيفا أنه “على الرغم من أن الرؤية الغربية تفصل ما بين تيارات الإسلام السياسي كتيارات سياسية، والتيارات المتطرفة كتيارات عنيفة، بيد أن كلاهما يعمل على احياء دولة الخلافة وتطبيق الشريعة فقط”.

وحول التقارب (المصري – السعودي – الإماراتي) من جهة، مع تركيا من جهة أخرى، وإمكانية توفير لندن ملاذا آمنا للإسلاميين بديلا عن أنقرة وإسطنبول، رجح حجي أن توفّر لندن ملجا للقيادات الإخوانية بعد التضييق على نشاطهم في تركيا، مشيرا إلى أن “هناك وجهة نظر بريطانية تجد صدى لدى صناع القرار في لندن، بخوض الحروب بالوكالة بدلا من ارسال الجنود للتورط في حرب خارجية لا طائل منها، ولذلك من غير المستبعد أن يكون هذا هو السبب وراء استضافة قيادات الإخوان في لندن لكي يتم استخدام مثل تلك التيارات في حروب بالوكالة ضد بلادهم الأصلية”.

الاتفاق النووي

وعن الملف النووي الإيراني، لا يرى حجي [مكانية في التوصل إلى اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، بسبب المطالب الإيرانية برفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية، مشيرا إلى أن “الحرس الثوري في إيران بمثابة العمود الفقري للنظام الإيراني ومن المستبعد التوصل إلى تفاهمات حول هذه النقطة”.

ونبّه حجي في النهاية، إلى أن “إشكالية المسألة النووية الإيرانية تكمن في أن كل المسارات الحالية تودي في النهاية إلى أن تصبح إيران دولة نووية”.

زر الذهاب إلى الأعلى