
الثُقْبُ الأسود
|
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – رسالة المحرر
مرح البقاعي
تَظهر الولاياتُ المتحدة الأميركية، وبخاصة إثر أحداث السويداء المفجعة، وكأنها تتّخذ خطوة إلى الوراء فيما يساعدها على إعادة تقييم المشهد السوري بين التفاؤل بزوال نظام الأسد من جهة، والحذر من النوايا المبطّنة لحكومة دمشق من جهة أخرى؛ حذراً بلغ عند بعض التيارات السياسية في واشنطن – ومنها من هم في عين الجمهوريين وصدر دارهم – إلى التشكك بقدرة حكومة أحمد الشرع في السيطرة على الموقف الميداني بل وفي قدرتها على حماية المواطنين كافة وفي مقدمتهم المدنيين العزل في بلداتهم وقراهم. هنا يبدو المشهد السوري من واشنطن ضبابياً ومضرّجاً بالدماء في غياب مؤشرات جدية وملموسة على النيّة في تحقيق إصلاحات في قوام البيت الداخلي، والتخلي عن سياسة الإدارة بلون واحد.
اليوم، يتراءى تركيز الولايات المتحدة بلغة المبعوث الرسمي الرئاسي للرئيس ترامب إلى سوريا، السفير توماس بارّاك، منصبّاً على ضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهابَين المتمثلين بإمكانية عودة خلايا حزب الله إلى سوريا الذي اتضحت مراميه إثر تصريحات متداولة من مسؤولين في الحزب بأنهم لن يتخلوا عن السلاح في شمال الليطاني طالما هناك تهديد “تكفيري” يتربص بهم من سوريا، وكذا المضي في منع عودة إرهابيي داعش التي سجلت أعمالها الإجرامية المروعة كاميراتُ أفراد التنظيم عينهم (وكانوا يرتدون ملابس تابعة للأمن الداخلي حسب الرواية الرسمية)، سجلت اعتداءاتها على الآمنين من المدنيين العزل في محافظة السويداء.
في ضوء العناية الأميركية الفائقة بهذين الملفين، هل نعاين تردداً (غير معلن) في دعم حكومة دمشق في ظل ظرف حدودي وداخلي معقد، تجرأت فيه إسرائيل ولأول مرة في التاريخ السوري الحديث، بتوجيه ضربات جوية قاسية إلى موقعين سياديين في العاصمة دمشق هما وزارة الدفاع السورية ومحيط القصر الرئاسي؟ أم أن الدبلوماسية الأميركية مدعومة بالموقف الإقليمي الذي يصطف بلا تردد أو مراجعات خلف الحكومة الانتقالية العتيدة، ستستمر في تدوير الزوايا الحادة في المشهد السوري المضطرب حتى يصل مشروع السفير بّاراك العابر لحدود سايكس وبيكو إلى خواتمه، وعلى المذهب السياسي الأميركي، بعيداً عن هيمنة الأوروبيين وتاريخهم في الشرق الأوسط؟
من نافلة القول أن الرئيس ترامب حين التقى بالرئيس الشرع في المملكة العربية السعودية بمساعٍ ودعم وحضور قوي لولي العهد السعودي، بادر على رأس محادثته خلال اللقاء بطرح قضية السلام السوري مع إسرائيل وإمكانية تحقيقه من خلال الالتحاق باتفاقات إبراهام المبرمة في عهد ترامب الأول في البيت الأبيض. ولأن ترامب يريد تتويج عهده الثاني والأخير في الرئاسة بضم أغلب الدول العربية إلى مشروع السلام هذا، فلا بد من القول بأن الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب لن ترفع يدها من “الطبخة” السورية والإقليمية التي تنضج على نار ليست هادئة البتة!
وفي حين لا تزال الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الإنسانية لسوريا إذ قدمت أكثر من 18 مليار دولار منذ عام 2011، بما في ذلك 1.2 مليار دولار في العام 2024، إلا أن تخفيضات التمويل الأخيرة شكلت مخاوفاُ مشروعة بشأن تفاقم الأزمة الإنسانية حيث يحتاج 16.7 مليون سوري إلى المساعدة والدعم.
الموقف الأميركي الحالي الذي تُرجم حرفياً في الكونغرس بتمرير قانون يمدّد عقوبات قيصر وبتصويت جمهوري، بدأ يتأرجح بين الاحتواء الحذر للمشهد السوري سياسياً ودبلوماسياً، أو الانخراط المباشر والقوي الذي يبدو مستبعداً بشكل كبير نظراً لحضور أميركا العسكري المحدود في شرق الفرات بما يقدر ب 900 جندي فقط رغم الحفاظ على دعمها لقوات سوريا الديمقراطية بما يعقّد علاقتها مع أنقرة، ويخلط الأوراق للقوى الإقليمية المتداخلة، الأوراق التي يتحّكم في مساراتها السفير بارّاك المتنقل بين تركيا وسوريا في مهمة تحمل في طياتها ثقباً أسود قليلون هم الناجون من جاذبيته والقادرون على النفاذ سالمين من طرفه الآخر “الأبيض” كما يَفترض مبدأ النجاة في المفهومُ العلمي للأكوان!
هذا الكلام مهم جداً ويفترض وقفة ذاتية ضرورية جداً لمن يدير المشهد السياسي والأمني في دمشق اليوم، خصوصاً أنه يركز على الديناميكة التي تتميز بها السياسة الأميركية، وأن لا ثوابت فيها، سوى المصالح الأميركية، وهي متغيرة دوماً.
لماذا لا يتم أخذ مجازر الساحل السوري في 7 مارش بعين الاعتبار