
مستقبل إيران وتوجهاتها بعد الحرب
|
الاستماع للمقال صوتياً
|
المغرب – تقدير موقف
الكاتب أيوب نصر*
توطئة
انتهت حرب الإثنى عشر يوما بين إيران وإسرائيل، كما سماها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد كانت هذه الحرب منعطفا صعبا في تاريخ المنطقة، وأكيد لن تمر تداعياتها مرور الكرام، بل ستجعل الجميع يعيد حساباته وينظر في مآلاته، وستتعز بعدها تحالفات وتنهار أخرى وتظهر تحالفات جديدة.
وإيران جزء أصيل ومكون من مكونات هذه المنطقة وليس فقط طرف في الصراع، والأكيد أن هذه الحرب ستغير شيئا في إيران وستجعل القائمين على البلد يعيد حساباته وينظر في مستقبله نظرة أخرى.
توجهات إيران قبل الحرب
قبل الخوض في الحديث عن مستقبل إيران وتوجهاتها بعد الحرب، فإنه يقتضي علينا أولا الحديث عن توجهات إيران ونوازعها قبل الحرب، بل ومنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، وبيان الأدوار التي لعبتها وطبيعة العلاقات التي ربطتها بدول الإقليم والعالم.
تعد حرب الخليج الأولى أول مواجهة عسكرية تعرض للجمهورية الإسلامية، وكان الحميع ينتظرون أن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية الجانب العراقي، خاصة في وجود رهائن أمريكيين كانت تحتجزهم إيران، لكن الذي كان يدور في خيال الاستراتيجيين الأمريكيين ويجوب أذهانهم، هو غلى النقيض مما تصوره الناس، من محللين ومتابعين، وذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية نظرت إلى إيران على أساس أنه حليف إقليمي مستقبلي، وفي هذا قال غاري سيك، مساعد مستشار الأمن القومي لشؤون الخليج زبينغو بريحينسكي في فترة الرئيس كارتر، بعد نفيه لتقديم الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات للعراق في حرب الخليج: “الواقع، إذا كنا قد فعلنا شيئا فهو العكس، لأننا كنا في تلك الأيام نحاول أن نفتح علاقة مع الحكومة الجديدة، الحكومة الثورية، وفعلا قمنا بإرسال مبعوثين إليهم لإبلاغهم عن حقيقة أن صدام كان يحشد قواته”1.
حتى أن إيران رفضت أن يدعمهم السوفيات عسكريا وتوريد الأسلحة إليهم، حيث قال رئيس رابطة الديبلوماسيين الروس والسفير السابق للإتحاد السوفياتي في الكويت، بافل أكوبوف: ” قد عرض ( أي الإتحاد السوفياتي) على القيادة الإيرانية عبر سفيره فيها آنذاك، فلاديمير فينوغرادوف، تزويدهم بالدعم العسكري وتوريدات الأسلحة، لكن القيادة الإيرانية رفضت هذا الإقتراح معلنة أنها لا تستطيع القبول بهذه المساعدة لان الإتحاد السوفياتي يدعم العراق ولأن الإتخاد السوفياتي قام بغزو أفغانستان”2.
وهذا تبرير واه لا يستقيم ولا يقبله عقل سليم، لأنه لا توجد دولة ترفض مساعدة قوة عظمى وهي في حرب قد تكون وجودية، كما أن السوفيات ساعتها كانوا قد أوقفوا دعمهم للعراق، ولم يعودوا إلى ذلك إلا بعد عام 1982، لكن الذي حمل القيادة الإيرانية على رفض الدعم العسكري السوفياتي هو وحود الدعم العسكري والإستخباراتي الأمريكي.
وقبل أن نكمل ما بدأناه فإنه حقيق بنا أن نربط أحداث الماضي البعيد بما جرى في الأمس القريب، وهو حين وقعت الإتفاقية الأستراتيجية ( وهي لحد الآن لا تزيد عن كونها تقارب مرحلي تفرضه الضرورة المحوجة) بين روسيا وإيران، رفض الإيرانيون أن تتضمن الإتفاقية بندل خاصا بالدفاع المشترك على غرار ما يوجد بين روسيا ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي، أو روسيا وكوريا الشمالية.
كانت حرب الخليج الأولى بداية العلاقات الأمريكية الإيرانية، وبعدها تحولت إيران الى قوة اقليمية استعملتها الولايات المتحدة، باعتبارها القوة الدولية المسيطرة على المنطقة، لضبط التوازن والضغط على الدول العربية لدفعهم نحو إسرائيل، شمعون بيريز في كتابه ” الشرق الأوسط الجديد”، والذي يرى فيه وجوب التبعية العربية على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية لإسرائيل، وذلك بعد القضاء على الخطر الداهم المتمثل في إيران، حيث قال في معرض تحذيره للدول العربية من إيران “لقد إزداد التهديد الأصولي الآن بامتلاك إيران للقدرة النووية”3، وتسائل في الصفحة أخرى : “والسؤال هو هل يمكن للمتطرفين الذين يعتقدون أنهم يحملون مفاتيح السماء أن يتصرفوا بتعقل إذا امتلكوا السلاح النووي؟”4. فهكذا استغلت إيران في المنطقة، وهكذا أفسدت علاقتها مع الدول العربية، بل كانت هي الدافع الأول لهم للذهاب نحو التطبيع مع إسرائيل، طلبا للحماية الأمريكية، بل إن إيران كانت لجاما تحكم به أمريكا تحركات اسرائيل أحيانا كثيرة، وهكذا ساهمت في بسط النفوذ والسيطرة الأمريكية في المنطقة العربية.
إيران بعد الحرب
هناك سيناريوهات محتملة حول توجه إيران الجديد وتحالفاتها المستقبلية، يصعب في الوقت الحالي ترجيح أحدها، خاصة وأن هناك تغيرات إقليمية ودولية، لكن سنضعها بين أيديكم.
السيناريو الأول: أن تبقى إيران على الدور نفسه الذي كانت عليه قبل الحرب، بإعتبارها اداة ردع وتوازن في المنطقة، خاصة بعد الموقف الأمريكي إتجاهها، وعدم تدخل أمريكا إلا لحفظ ماء وجه إسرائيل بالإدعاء أنها دمرت مشروع إيران النووي بعد قصفها لمنشآت أصفهان نطنز وفوردو.
السيناريو الثاني: أن تميل نحو الشرق، وخاصة مع روسيا والصين، مستغلة التقارب الحالي معهما، بعد قبولها الصين وسيطا بينهما وبين المملكة العربية السعودية، والإتفاقية الاستراتيجية التي تجمعها مع روسيا والمصالح المشتركة بينهما في جنوب القوقاز.
كما يمكنها أن تستغل حالة الصفاء التي حدثت بينها وبين مجموعة من الدول العربية مثل المملكة السعودية وجمهورية مصر العربية.
السيناريو الثالث: تعمل على إصلاح علاقاتها مع الدول العربية، مع عدم الميول كل الميل إتجاه روسيا والصين، والعمل على إحداث توازن في علاقاتها مع أمريكا والغرب من جهة ومع روسيا والصين من جهة أخرى، مع الإبتعاد عنكل ت٢رف عدائي.
الخاتمة
إيران موقعها الجغرافي باعتبارها أحد الأحزمة الأوراسية ومنذ لحاملات النفط الخليجي، ولها عمق عربي، يجعلها دولة مهمة، ويمكنها من لعب أدوار كبير في مستقبل الأيام، والآن هي من يمكن أن تحدد طبيعة مستقبلها والسبل التي ستسلكها.
*مختص في العقائد والمدارس الفكرية والاستشراق، ومهتم بالشأن الأوراسي والفكر الجيوسياسي
********
(1) ماذا حدث؟”: اسرار الحرب العراقية الإيرانية بلسان شهودها
https://www.bbc.com/arabic/middleeast/2010/09/100922_iraq_iran_war_film_tc2
(2) نفس المصدر السابق
(3) شمعون بيريز/ الشرق الأوسط الجديد ص36
(4)شمعون بيريز/ الشرق الأوسط الجديد ص: 36 و37