آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

تفعيل منظمة التعاون الإسلامي بشراكة واشنطن والديناميكيات الدولية الجديدة

الاستماع للمقال صوتياً

كاليفورنيا – مقال الرأي

الدكتور عبيد الله برهاني

منذ انطلاقتها، جسّدت منظمة التعاون الإسلامي مظلة جامعة للدول العربية والإسلامية، تعمل على حماية مصالح الأمة وتعزيز أواصر التضامن بين أعضائها. وقد أسهمت المنظمة، عبر حضورها المتواصل، في إيصال صوت العالم الإسلامي إلى الساحة الدولية، وأطلقت العديد من المبادرات التي تعكس حرصها على خدمة القضايا المشتركة.

ومع تعاظم التحديات التي يشهدها العالم الإسلامي، بات من المهم مواصلة تطوير أداء المنظمة، بما يعزز قدرتها على التفاعل مع المتغيرات الإقليمية والدولية. وتبرز الحاجة إلى تفعيل الآليات التنفيذية وتعزيز التنسيق السياسي بين الدول الأعضاء، بما يتيح للمنظمة دورًا أكثر ديناميكية وتأثيرًا في القضايا المفصلية، وفي مقدمتها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقضايا السلم والأمن، والتنمية المستدامة. إن الاستثمار في هذا المسار كفيل بمنح المنظمة حضورًا نوعيًا يواكب تطلعات شعوبها ويخدم مصالح أمتها.

تتجلّى محدودية دور المنظمة OIC في اعتمادها على توافقات الدول الأعضاء، التي غالبًا ما تعكس تفاوتًا في المصالح واختلافًا في الأولويات، مما أضعف قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة. وفي السياق الدولي، اقتصر حضور ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية في فعاليات المنظمة على الطابع البروتوكولي والشكلي، بينما شهد الحضور الروسي تناميًا ملحوظًا، وإن لم يبلغ بعد مستوى التأثير المباشر في آليات صنع القرار. إن استشراف مستقبل منظمة التعاون الإسلامي يقتضي مراجعة جادة لبنية عملها وآلياتها التنفيذية، وتطوير منظومة القرار فيها بما يعزز فاعليتها، ويعيد إليها مكانتها كمنبر مؤثر ومبادر في القضايا العربية والإسلامية والإقليمية، ضمن مشهد دولي يتسم بتعقيد التحديات وتسارع التحولات.

في ظل المتغيرات الدولية وتصاعد الاستقطابات الجيوسياسية وتنامي الصراعات الإقليمية، بات من الضروري إعادة النظر في هيكلية منظمة التعاون الإسلامي، واعتماد آليات فاعلة تضمن تحركها وفق رؤية موحدة. يتطلب ذلك إشراك القوى الخليجية والعربية التي حققت استقرارًا اقتصاديًا وتحالفات وازنة، إلى جانب قوى إقليمية أخرى فاعلة في العالم الإسلامي. كما يستدعي الأمر تعزيز دور الولايات المتحدة من عضو مراقب إلى شريك فاعل عبر هيئة متخصصة تُعنى بشؤون المنطقة وإدارة الأزمات بالتعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة. وفي السياق ذاته، تبقى قوى إقليمية مثل تركيا عنصرًا محوريًا لا يمكن تجاوزه في أي مشروع مستقبلي للتعاون الإسلامي، نظرًا لحضورها السياسي والميداني المؤثر في عدد من الملفات الحيوية. وعليه، فإن رسم مسارات مستقبلية للعالم الإسلامي يقتضي إشراك جميع القوى المؤثرة ضمن رؤية شاملة ومتوازنة تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة.
التعاون الإسلامي في مواجهة التحولات: آليات ومسارات للتأثير:
١-مراجعة نظامها الأساسي وتطوير آليات اتخاذ القرار، بما يمنحها صلاحيات أوسع في الوساطة وفض النزاعات
٢-تشكيل ترويكا قيادية موسعة تضم دول الخليج الفاعلة، أمريكا، روسيا، وتركيا، تضع خارطة طريق للأزمات الكبرى في العالم الإسلامي.
٣-تعزيز الشراكة مع القوى الإقليمية الأخرى، بما يضمن توازن القرار وفاعلية التحرك
٤-إيجاد أذرع اقتصادية واستثمارية فاعلة تسهم في تنمية الدول الأعضاء
٥- إنشاء مجلس للأزمات داخل المنظمة يتولى إدارة النزاعات والتنسيق مع القوى الدولية بعيدًا عن التعقيدات البيروقراطية، مع تكثيف جهود اللجان المتخصصة في فض الخلافات من خلال حلول عملية مثمرة يتم التوافق عليها بالإجماع، على أن تُعلن نتائجها بشفافية، وتُفعَّل عبر آليات تنفيذية واضحة وفعّالة تضمن سرعة التطبيق ومتابعة الأثر.
٦-تمكين المرأة ودعم دورها المحوري: تجاهل دور المرأة يمثل خسارة فادحة للطاقات، خاصة في أفغانستان، ولذلك ينبغي على المنظمة إنشاء هيئة عليا متخصصة لوضع استراتيجيات تمكين المرأة، وإطلاق مبادرات وبرامج نوعية لتعليم الفتيات والتدريب المهني، ودعم رائدات الأعمال. كما يتعين تخصيص ميزانية مستقلة لمشروعات المرأة، ومراجعة القوانين لضمان حصولها على حقوقها الكاملة، إلى جانب إبراز قصص النجاح النسائية المسلمة كنماذج ملهمة تعزز الثقة والطموح. ومن الضروري كذلك تشكيل لجنة من العلماء والمفكرين لمتابعة قضية تعليم الفتيات الأفغانيات باعتبارها مسؤولية دينية وعلمية وإنسانية، مع العمل على إيجاد حلول مرنة تراعي تعاليم الدين، والثقافة الأفغانية، ومتطلبات الحياة المعاصرة.
الشباب والمجتمع المدني والتحديات الثقافية والفكرية: تفرض التحولات المتسارعة في العالم الإسلامي على منظمة التعاون الإسلامي تطوير آليات عملها، بما يضمن إشراك فاعل للشباب ومنظمات المجتمع المدني في رسم رؤاها المستقبلية وتنفيذ برامجها التنموية، باعتبارهم قوة ديناميكية قادرة على مواجهة التحديات وصناعة الفرص. كما تبرز ضرورة معالجة ظواهر التطرف، وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش السلمي عبر برامج حوارية وتوعوية شاملة وفاعلة تستجيب للتحولات الفكرية والاجتماعية الراهنة. ويمثّل التحول الرقمي وتوظيف التقنيات الحديثة محورًا أساسيًا لتعزيز كفاءة الأداء المؤسسي وتطوير قنوات التواصل، بما يسهم في تسريع الإنجاز وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة.
تتطلب التحولات المتسارعة في العالم الإسلامي أن تعيد منظمة التعاون الإسلامي النظر في آليات عملها، من خلال إشراك الشباب ومنظمات المجتمع المدني في صياغة رؤاها وتنفيذ مبادراتها التنموية، بما يعزز دورهم في مواجهة التحديات وصناعة الفرص. كما تبرز الحاجة إلى معالجة ظواهر التطرف وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش السلمي عبر برامج حوارية شاملة وحديثة. ويُمثّل التحول الرقمي وتوظيف التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في تطوير كفاءة الأداء المؤسسي وتسريع الإنجاز وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمنظمة.
إعادة النظر في بنية منظمة التعاون الإسلامي وأدوارها لم تعد خيارًا، بل ضرورة تتطلب شراكة جماعية حقيقية تضم الدول الخليجية، والقوى الكبرى، وبقية الأطراف الإقليمية الفاعلة. ويستحيل تحقيق تحول مؤثر دون تمكين المرأة، ودعم الشباب، والاستفادة من التحولات الثقافية والتكنولوجية. فالعالم الإسلامي اليوم أمام منعطف حاسم، ومؤسساته مطالَبة باستعادة دورها الفاعل بعيدًا عن البيانات الشكلية، عبر رؤية جماعية تضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار لتحقيق التنمية والسلام في ظل التحديات المتصاعدة.

د. عبيد الله البرهاني

أكاديمي وكاتب سياسي أميركي من أصل أفغاني
زر الذهاب إلى الأعلى