آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

في تفكيك المشروع الإيراني: مفاتيح العراق!

الاستماع للمقال صوتياً

ميشيغان – مقال الرأي

رفعت الزبيدي

إيران ليست دولة عادية؛ فهي تحمل إرثًا حضاريًا طويلًا وتتميز ببراغماتية سياسية تجمع بين الخطاب العقائدي والسلوك الواقعي. وطهران تعتمد في سياساتها على استراتيجية متقدمة من المكر والخداع السياسي لتحقيق أهدافها، وتاريخها يظهر براعة في استخدام أوراق الضغط والمساومة.

من هذا المنطلق، يبدو أن الرهان الأميركي على سياسة الاحتواء المزدوج والتي تبنتها في أوائل التسعينيات قد فشلت، حيث كانت تهدف إلى احتواء كل من إيران والعراق كقوتين متنافستين في منطقة الخليج. تم تبني هذه السياسة خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون (1993-2001) على أساس أن البلدين يمثلان تهديدًا للمصالح الأميركية في المنطقة، بما في ذلك أمن إسرائيل واستقرار مصادر النفط. لكن نجاح هذه السياسة كان موضع جدل كبير، خاصة فيما يتعلق بإيران.

ولو عدنا بشكل مختصر الى ماقامت به إدارة الرئيسين أوباما وبايدن كنتائج نجد الخطورة في النقاط التالية :

1-انسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان وتراجعها النسبي في الشرق الأوسط عزّز من نفوذ طهران في العراق وسوريا ولبنان واليمن. 

2-إيران استخدمت نفوذها المتزايد لتعزيز علاقاتها مع الصين وروسيا، ما وفر لهاتين القوتين نقاط ارتكاز إضافية في الشرق الأوسط، وهو ما يعقد الأهداف الأميركية في المنطقة.

3-فقدان المصداقية الأمريكية.. فانسحاب الولايات المتحدة من العراق وأفغانستان، والاعتماد على المفاوضات النووية مع إيران، أعطى انطباعًا لحلفائها في الخليج وإسرائيل بأن واشنطن لم تعد شريكًا موثوقًا بالكامل. بل حتى نحن في المعارضة العراقية، وأنا شخصياً كمواطن أميركي من أصول عراقية معارض للهيمنة الإيرانية في العراق، لم أعد أثق بالسيناريوهات التي تتحدث عنها الإدارات السابقة في البيت الأبيض.

السؤال الآن: هل إيران فعلا كما ذهبتُ في تقديراتي أعلاه قادرة على الخروج من الأزمات التي تمر بها كالعقوبات الاقتصادية وحتى الضربات الصاروخية الإسرائيلية الأخيرة؟ الجواب نعم. فقد أثبتت قدرتها على التكيف مع العقوبات الاقتصادية عبر الاعتماد على شبكات اقتصادية غير رسمية، الشراكات مع الصين وروسيا، وتهريب النفط، وحدودها المفتوحة مع العراق وهيمنتها على النظام السياسي الحاكم في بغداد، وأخيرا وليس آخرا تهريب الأسلحة والأموال العراقية إلى وكلاء إيران في سوريا ولبنان وحتى اليمن.

بناء على ذلك أجد أن سياسة الاحتواء الرادع لتحقيق السلام وإنهاء الأزمات يمر من خلال العراق. فهو الشريان العسكري والاقتصادي لإيران، وبالتالي هو نقطة البداية لتفكيك مشروعها الإقليمي. العراق يعتبر بوابة إيران إلى النفوذ الإقليمي، ودوره يتجاوز كونه جارًا قريبًا؛ إذ يوفر لها منافذ اقتصادية، شبكات لوجستية، ونفوذًا سياسيًا يمكنها من التأثير في ملفات الشرق الأوسط.

أين تكمن أهمية العراق في المشروع الإيراني؟ 

  • العراق يمثل متنفسًا اقتصاديًا لإيران وسط العقوبات الأميركية، حيث يعتمد على التجارة الثنائية والتهريب عبر الحدود لتجاوز القيود الاقتصادية.
  • صادرات إيران إلى العراق، خاصة الطاقة والمنتجات الغذائية، تُعدّ شريانًا حيويًا لاقتصادها. 
  • العراق يعتبر منصة استراتيجية لتوسع الميليشيات المدعومة من إيران، مثل الحشد الشعبي، الذي يعمل كذراع عسكرية لتمرير أجندة إيران في المنطقة. 
  • إيران تُهيمن على العملية السياسية في العراق عبر أحزاب وحركات سياسية وشخصيات ذات نفوذ عشائري وديني من مختلف المحافظات العراقية وهناك تصوّر خاطئ أن نفوذها على الاحزاب الشيعية فقط .النفوذ الإيراني في العراق ليس محصورًا بطائفة معينة، بل يمتد إلى أحزاب وشخصيات متنوعة تشمل السنة، الأكراد، وحتى المسيحيين، مثل ريان الكلداني وميليشياته. هذا يشير إلى أن إيران تستخدم نهجًا شاملًا وبراغماتيًا لا يعتمد على الانتماءات الطائفية فقط، بل على المصالح المشتركة والتغلغل في كل مكونات الدولة مما أتاح  لها التأثير في القرارات العراقية وتوجيهها لصالحها.

وفق ما أسلفتُ فان تغيير الواقع في العراق يمكن أن يكون المفتاح لتفكيك المشروع الإيراني. الولايات المتحدة ودول المنطقة يجب أن تتبنى نهجًا استراتيجيًا متعدد الأبعاد لدعم القوى العراقية المناهضة للنفوذ الإيراني، مع ضمان استقرار العراق في الوقت نفسه. أقولها بكل وضوح  إذا توفرت الجدية والمصداقية في الدعم الدولي والإقليمي، فإن خلق قوة وطنية موحدة قد يكون الخطوة الأولى نحو استعادة العراق من النفوذ الإيراني. وهذا ما يحتاج الى الآليات التالية :

أولا/ عقد مؤتمر للحوار الوطني خارج العراق يجمع القوى المناهضة للمشروع الإيراني وأذرعها في العراق. يتبنّى مشروعا وطنيا شاملا لمرحلة إنتقالية ممكن حكومة منفى ومجلس وطني من مختلف أبناء المحافظات من الكفاءات والشخصيات المستقلة من العراقيين في الخارج على أن يكون لديهم تنسيق فيما بعد مع الداخل حسب خطة عمل ممنهجة. عقد المؤتمر خارج العراق يضمن الابتعاد عن تأثير وضغوط القوى المرتبطة بإيران، مما يتيح مساحة حرة للتخطيط والتفاهم بين الأطراف المعارضة. مؤتمر الحوار الوطني خارج العراق يُعد خطوة استراتيجية يمكن أن تشكل أساسًا لمواجهة النفوذ الإيراني وإعادة بناء المشروع الوطني العراقي. كما أن حكومة المنفى والمجلس الوطني كأدوات لمرحلة انتقالية أعتبرها فكرة عملية إذا تم تنفيذها بخطة واضحة وبمشاركة واسعة

ثانيا/ في حال عدم القدرة على تشكيل مجلس وطني من مختلف المحافظات من عراقيي الخارج يمكن العمل على تشكيل تحالف سياسي واسع يضم شخصيات وأحزاباً شيعية وسنية وكردية ومسيحية ذات توجهات وطنية تهدف إلى تعزيز استقلال العراق. 

إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، إذا كانت لديها الجديّة لإنهاء المخاطر الإيرانية ومشروعها النووي، فالبداية تأتي مع تفكيك التركيبة السياسية الراهنة في العراق ليكون البيئة الحاضنة للمعارضة الإيرانية والسورية مستقبلاً، سيراً نحو تحقيق الأمن والاستقرار.

وللحديث بقيّة. 

رفعت الزبيدي

سياسي عراقي وكاتب في النظم والحقوق المدنية - خريج جامعة Grand Canyon University.

‫3 تعليقات

  1. لعلك تقصد في الفقرة الأخيرة: المعارضة العراقية والسورية وليس الايرانية والسورية!

    1. اقصد بعد تفكيك المشروع الإيراني في العراق وانهاء العملية السياسية يمكن ان يصبح العراق حاضنة للمعارضتين الإيرانية والسورية . هذا جزء من سياسة الرد بالمثل والردع الوقائي . اما القواسم المشتركة فالنظام الإيراني هو من تجاوز كل الحدود الطبيعية والاخلاقية والأعراف الإنسانية. إذا ما عاد إلى بيت الطاعة ورشده وتخلّى عن سياسة الهيمنة فعندها نتحدث عن العلاقات الطبيعية وحسن الجوار . شكرا لتواصلك .

  2. لعلك تقصد في الفقرة الأخيرة: المعارضة العراقية والسورية وليس الايرانية والسورية! وما تذكره يقفز على حقائق التاريخ والجغرافية والقواسم المشتركة بين البلدين.ولا سبيل إلى تحقيقه مطلقاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى