آخر التحديثاتأبرز العناوينأميركا والعالمرسالة المحرّر

القرآن الكريم ولغته في الولايات المتحدة

الاستماع للمقال صوتياً

واشنطن – خاص وايتهاوس

*رسالة المحرّر بقلم مرح البقاعي

يزداد معدل الطلب على المتحدثين باللغة العربية في الولايات المتحدة ويستمر خطه البياني في الارتفاع منذ بدايات العقد الماضي حتى يومنا هذا، في حين توّفر معرفة اللغة العربية والإلمام بثقافتها فرصاً استثنائية للمتحدثين بها لإحداث فرق كبير في حياتهم المهنية، وكذا في الحياة العامة ضمن وطنهم الجديد.

ويحظى الأبنات والأبناء المتحدرين من أسر ذات أصول عربية، لكلا الوالدين أو لأحدهما، بحظ أكبر في تمكنهم من التكلّم باللغة العربية بشكل مقبول يمكنه أن ييسّر للراغبين منهم تعلّم أصول اللغة العربية وثقافتها بشكل متقدم في المرحلة الجامعية، هذا إن لم يكونوا أصلاً قد تعلموها في مدارس ومعاهد غالباً ما تفتح أبوابها في أيام العطل الأسبوعية لتعليم الراغبين من أبناء الأسر المتحدرة من أصول عربية اللغة وآدابها وأيضاً القرآن في مدارس خاصة بتعليم الكتاب المقدس قراءة وفهماً وتجويداً للراغبين.

في واقع الأمر تشير الإحصاءات إلى أن أقل من 1% من طلاب الجامعات الأميركية يقبِلون على دراسة اللغة العربية، بما يعادل تقريباً 32000 من إجمالي 21 مليون طالب. إلا أن أعدادهم في تزايد مطرد نظراً لأن الناطقين والمتمكنين من النطق والكتابة الجيدة باللغة العربية سيحظون بفرص مميزة في الأعمال الدولية التي تحتاج إلى مهارة اللغة العربية، وما أكثرها. إذ يدرك الكثير من الطلاب من الجيل الثاني أو الثالث لعائلات أميركية ناطقة باللغة العربية، أهمية كونهم متعددي اللغة والثقافة في تحسين ظروف حياتهم المهنية وتنويع مصادر دخلهم، وكذا إضافة خدمات مميزة ونادرة لمجتمعهم الأميركي، والعالم.

وفي العقدين الأخيرين، أبدت الوكالات الحكومية الأميركية حاجة أكبر بكثير مما مضى للناطقين باللغة العربية لمعالجة المسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية المعقدة المحيطة بالجهات والمؤسسات العاملة الأميركية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

إلا أن الحكومة ليست صاحب العمل أو المشغّل الوحيد الذي يبحث عن مهارات اللغة العربية، إذ بإمكاننا اليوم ملاحظة ارتفاع الطلب على أصحاب مهارات اللغة العربية في القطاعين الخاص وغير الربحي، حيث تسعى الشركات إلى فهم أفضل للأسواق والمنظمات النامية التي تعمل عبر الحدود لتطوير المؤسسات وتحسين الاقتصادات وتعليم الشباب.

سواء في مجال البحوث العلمية والأكاديمية أو في الدوائر الدبلوماسية والتفاوض على اتفاقات دولية أو التنسيق مع شريك خارجي، فإن التحدث بلغة نظيرك في العمل يمنحك ميزة لا تقدر بثمن. وقد يكون الطلب على المهنيين الناطقين بالعربية في الولايات المتحدة أصبح يندرج ضمن الرؤية الأميركية الجديدة لمخاطبة العالم العربي بلغته، يتجاوز معايير العرض والطلب ويخضع لميزان الحاجة الماسة لخبراء اللغة العربية.

مما لا شك فيه أن الأميركيين الناطقين باللغة العربية ومن أصول عربية يتمتعون بمهارات لغوية مهمة وقابلة للتطبيق في أكثر من 20 دولة عربية أي للتواصل مع ما يقارب 300 مليون ناطق أصلي بها. ومن هنا يأتي تشجيع العائلات الأميركية من أصول عربية لأبنائهم وبناتهم على تطوير مهارات اللغة العربية التي غالباً ما تكون لغة التخاطب في المنزل، وكذا يسعون إلى إلحاقهم في معاهد موسمية في فصل الصيف أو في فترات العطل لتعلم اللغة العربية أو القرآن سعياً للحفاظ على الثقافة العربية والإسلامية أيضاُ التي تتحدر منها أصول العائلة، وكذا لتطوير المهارات في الحياة المهنية والعمل في المستقبل.

من نافلة القول أنه في اللغة العربية فرق بين اللغة المحكية (العامية) واللغة المكتوبة (الفصحى). وتتكون اللغة العربية المحكية أو المنطوقة من لهجات عربية مختلفة. وهذا يعني أن العربية المغربية تختلف عن العربية المصرية، وأن العربية السورية تختلف عن تلك المتداولة  في قطر أو العراق، وذلك على الرغم من المفردات المشتركة بين كل تلك اللهجات.

بعبارة أخرى، تتحدث كل دولة من البلدان الناطقة بالعربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسخة مختلفة قليلاً عن اللغة العربية، وبكلمات وعبارات وتعبيرات عامية مختلفة.

لكن، عندما يتعلق الأمر باللغة العربية المكتوبة، فإن الصورة تكون أكثر وضوحاً. فالشكل السائد للغة العربية المكتوبة هو العربية الفصحى الحديثة (Modern Standard Arabic (MSA، وهو عموما  شكل وصيغة اللغة العربية المستخدمة دولياً.

ولا ننسى أن بين أيدينا دائماً نسخة  اللغة العربية الفصحى الأصل، ألا وهي لغة القرآن الكريم. ومن المفيد أن نلحظ أن اللغة العربية الفصحى الأصل، إلى جانب اللغة العربية الفصحى الحديثة، متقاربتان جداً في المبنى والمعنى والمفردات، وأغلبية الناطقين بالعربية والمتعلمين منهم لأصول اللغة بحِرَفية، يستخدمهما بشكل متوازي حسب الحاجة.

وبسبب الارتباط العضوي بين اللغة العربية والثقافة الإسلامية، ولأن اللغة العربية الفصحى الأصل هي لغة القرآن، نجد أن ارتباط الجالية العربية والمسلمة التي انتقلت للعيش والعمل في الولايات المتحدة، هو ارتباط قوي وحتمي ينبني على أسس ثقافية وإسلامية ورغبة من هذه العائلات في الحفاظ على تراث وحضارة العرب والإسلام التي جاؤوا منها، ونقلها إلى الأبناء والأحفاد، وأيضاً في ممارسة الشعائر والفروض الدينية الإسلامية عند العائلات المتدينة التي تريد من بناتها وأبنائها أن يستمروا في التوجّه إلى الله وعبادته كما نص الإسلام في كتابه.

بناء على ما تقدّم نستطيع أن نتفهم ونقدّر الدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه اللغة العربية في التأثير بالشأن التربوي والتعليمي للأجيال التي تتحدّر من أصول عربية في الولايات المتحدة، ولاسيما العائلات التي تعتنق الدين الإسلامي وتمارس نهجه وتعاليمه في حياتها، وتريد لأبنائها أن يلتزموا بتعاليمه.

والجدير بالذكر أن بعض العائلات العربية من غير المسلمة، أو المسلمة لكن المنفتحة على الحياة العلمانية الغربية، ترى في تعلم لغة القرآن فصاحة للسان وتمكّن من أصول اللغة العربية لأبنائهم، لغة ستساعدهم في الاتجاه إلى العمل الدولي بجدارة وتحقق لهم المكافآت والرواتب المالية العالية إذا عملوا كخبراء لغويين أو مختصين في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باللغة الأصل.

(النص موجز من كتاب موسّع يصدر قريباً عن مؤسسة الفكر العربي عن تعليم اللغة العربية للجاليات في العالم).

 

مرح البقاعي

مستشارة في السياسات الدولية، صحافية معتمدة في البيت الأبيض، ورئيسة تحرير منصة .’البيت الأبيض بالعربية’ في واشنطن
زر الذهاب إلى الأعلى