رسالة المحرّر

نجاح مرموق للجيش ومنظومة المعلومات الأمريكية في الحرب على الإرهاب

الاستماع للمقال صوتياً

د. سمير التقي – خاص وايتهاوس ان أرابيك

في عملية ستلهم ولا شك بعض المخرجين في هوليود، قامت القوات الخاصة الأمريكية بعملية عسكرية نقطية، تم فيها تصفية أمير سعيد مولى أو أبو إبراهيم القرشي، زعيم داعش. وتم ذلك على بعد 24 كم من مكان تصفية البغدادي الزعيم السابق.

بحسب المعلومات المتوفرة، كانت القيادة الأمريكية تتابع القرشي منذ أشهر، وأطلعت الرئيس بايدن قبل شهر، ليصدر الأمر بالتنفيذ حين تسنح الفرصة.

البارحة مساء، انطلقت أربع طائرات أباتشي أمريكية من معسكر كوباني حاصرت المنزل في أطمة. ألقيت القنابل التحذيرية ووجهت رسائل لإخراج من يمكن من المدنيين من المنزل. فخرج من خرج من الطابق الأول. ثم اقتحم المكان وتمت مخاطبة القرشي للاستلام فما كان منه إلا أن فجر نفسه مع عائلته.

يشكل مقتل القرشي ضربة هامة لقيادة داعش. فلقد تمتع القرشي الذي انتسب للتنظيمات الإرهابية قبل سقوط نظام صدام، بموقع مرجعي في صفوف داعش، وكان القائد الميداني الفعلي للعديد من عمليات القتل الوحشية في العراق في الميادين والبو كمال. كما كان مسؤولا مباشرة عن قرارات القتل الوحشي والأعمى للمواطنين اليزيديين والأكراد في سوريا والعراق. وأشرف بنفسه على قتل العشرات منهم.

من خلال خبرته القديمة شكل مرجعا شرعيا موثوقا في التنظيم من جهة، كما لعب دورا حاسما في تكييف التنظيم مع ظروف العمل الجديدة بعد سقوط ما يسمى بدولة التنظيم، وبعد مقتل البغدادي. إذ سرع الانتقال من البنية الهرمية إلى بنية شبكية متفرعة، في حين كان هو شخصيا يدير شبكة واسعة من العلاقات الخيطية مع جملة من مجموعات الداعم اللوجستي للتنظيم.

الخبر السعيد ايضاً ان هذه العملية المعقدة قد تمت من دون أن يصاب أي من جنود القوات الخاصة الامريكية، وان كانت القوات المتدخلة اضطرت لتفجير باتشي واحدة بسبب عطلها.

تحمل هذه العملية العديد من العبر. ذلك أنه في نهاية المطاف تثبت الولايات المتحدة قدرتها الفريدة على جمع جملة معقدة من الامكانيات من جمع المعلومات إلى الاختراق البشري للمنظمات الإرهابية، إلى تأمين المعلومات الخاصة بالظروف والبنية التنظيمية، ومن ثم تأمين متطلبات اللوجستية والميدانية والقتالية لتنفيذ عملية بهذا التعقيد.

وبحسب بعض المعلومات، ساهم في هذه العملية أكثر من مئة عسكري أمريكي. كما تدل المؤشرات على أهمية التعاون الوثيق بين الجيش العراقي والتركي في التحضير للعملية.

وبالنسبة للحرب الاهلية السورية، تسمح هذه العملية بالمقارنة بين هذه العملية وبين عمليات التدمير والقتل الواسع للمدنيين، التي تصاحب العمليات العسكرية في الحرب الأهلية السورية. فبالرغم من مقتل عدد من الأطفال والنساء في العملية، سمح مستوى التحضير، بأن تكون العملية البرية، رغم مخاطرها، الخيار المفضل على علميات القصف الأعمى بالقنابل او حتى بالصواريخ بكل ما تحمله بالطبع من أضرار وإصابات واسعة في الحرب.

بالطبع، لابد أن يثير هذا الخبر شعورا بالارتياح لدى كافة حلفاء الولايات المتحدة من جهة بل وحتى روسيا التي أصدرت تصريحا خاصا بهذا الخصوص.

ستسارع داعش لتعيين زعيم جديد، خلال أيام. ولكن هذا لن يتم من دون صعوبات. إذ تشير تقاليد داعش إلى ان الزعيم يفترض ان يكون عراقيا عربيا والافضل قرشيا. كما لا يسمح موازين القوى ومستويات الخبرة ومستوى التبعثر بتحقيق إجماع في هذه الظروف. ولعل بعض التبديل سيطرأ على هذه الخيارات ونمط الإدارة مثل تشكيل مجلس قيادي يحيط بالزعيم الخ.

ليست هذه نهاية للحرب على الإرهاب، لكنها بلا شك ضربة موجعة، والاهم من ذلك ان العسكريين قاموا بدورهم فيها بشكل ممتاز، فماذا سيفعل السياسيون والاستراتيجيون من اجل معالجة جذور مشكلة الإرهاب وخلق مسار سلمي بديل يحرج الإقليم من براثن التطرف والتعصب الطائفي والديني بأشكاله المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى