آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

هل يتحول السودان إلى أوكرانيا القارة السمراء؟

الاستماع للمقال صوتياً

مكّة – خاص وايتهاوس

مقال الرأي بقلم د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

يمثّل السودان حلقة استراتيجية مهمة تربط بين منطقتي شرق أفريقيا والساحل والصحراء، في حين تتصاعد المخاوف من الاشتباكات المتواصلة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من ألا تقتصر على الداخل السوداني بل تمتد إلى مستويات إقليمية، وذلك رغم المواقف الدولية المعلنة التي تشدد على ضرورة إبقاء الأزمة في إطارها السوداني ورفض التدخلات الخارجية.

لكن الأهمية الجيوستراتيجية التي يتمتع بها السودان في ظل سعي أطراف الصراع إلى توفير داعمين إقليميين ودوليين، يمكن أن يحوله إلى ساحة استقطاب دولي.

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أجرى اتصالات هاتفية مع قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان وكذلك مع قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، كذلك وزير خارجية أمريكا بلينكن قام بنفس الدور.

هدف السعودية هو السعي نحو الحفاظ على استقرار السودان والمنطقة، فيما هدف الولايات المتحدة يتعلق بمكافحة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية، وهدف آخر يتعلق بتحجيم النفوذ الصيني والروسي في القارة السمراء، فالسعودية وأمريكا لم تستثنيا طرفا دون طرف، من أجل التوسط وحل الأزمة بأسرع وقت ممكن.

هذا وكانت شبكة CNN الأميركية قد أفادت أن فاغنر الروسية عرضت تقديم أنظمة صواريخ مضادة للطائرات مخزنة في أفريقيا الوسطى لمساعدة قوات الدعم السريع في قتالها ضد الجيش السوداني، لكن نفته قوات الدعم السريع، واعتبره قائد فاغنر، يفغيني بريغوجين، أنه مجرد استفزاز، نافيا التورط في النزاع السوادني الحالي. لكن التقارير تستند إلى زيارة قائد قوات التدخل السريع حميدتي إلى موسكو في فبراير 2022،  التي استمرت ثمانية أيام، حيث تجدد الحديث وقتها عن منح موسكو قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان. هذا كله إلى جانب أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على قوات فاغنر الخاصة في أفريقيا بعد تحقيقات كشفت دور المجموعة في استغلال الذهب وتهريب الذهب إلى ميناء اللاذقية في سوريا ثم شحنه إلى موسكو.

وفيما هناك التزام روسي بتقديم المساعدة العسكرية والتدريب للجيش السوداني وفق اتفاقيات رسمية سابقة، وفيما تعد الصين الشريك الأكبر للسودان ولعدد كبير من الدول الأفريقية، نلحظ أن الأمر يثير مخاوف الولايات المتحدة من تحويل حضور الصين الاقتصادي إلى حضور سياسي وعسكري خصوصا وأن الصين تستثمر اكثر من 250 مليار دولار مقابل 50 مليار دولار للولايات المتحدة في أفريقيا خصوصا وأن الصين تمتلك استثمارات في قطاع البناء والتشييد.

لذلك من مصلحة الصين أكثر من مصلحة الولايات المتحدة التوسط في حل الصراع. وبالفعل عرضت التوسط بين الجانبين الذي يعد بمثابة امتداد للتوسط بين السعودية وإيران.

فمن له مصلحة في تحويل السودان إلى أوكرانيا جديدة خصوصا إذا امتد أمد الأزمة، ما سيدفع قوى إقليمية ودولية إلى التدخلات لتأجيج الصراع وتحويل السودان إلى أوكرانيا أفريقيا.

الصراع في أفريقيا معلن بين الولايات المتحدة من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى، وهو ما حدث في الصومال وتشاد ومالي وأفريقيا الوسطى وليبيا وغيرها خصوصا ضمن تعقد شبكة مصالح القوى الكبرى في افريقيا. لكن حتى الآن هناك إجماع دولي بشأن عدم تقديم الدعم المباشر لأي من طرفي الصراع، وهو ما يمكن أن يدفع باتجاه إنهاء سريع للاقتتال والحد من مخاطر اكتساب الصراع طابعا إقليميا أو دوليا، بعدما كان النظام السوداني في عهد البشير مركز استقطابات دولية نظرا لتقارب البشير مع روسيا حيث عقد صفقات تسليح كبيرة وأعلن آنذاك عن ترتيبات لوجود البحرية الروسية في بورتسودان.

لكن الإطاحة بالبشير في 2019 أربكت الكثير من الحسابات الدولية وازداد نفوذ الولايات المتحدة في السودان، أي أن الجيش السوداني بدأ يوازن بين جميع القوى الدولية. ونجحت الولايات المتحدة في إحداث تقارب مع إسرائيل مقابل تقارب سريع بين قوات الدعم السريع وروسيا يرتبط بواقع النفوذ الروسي في دول الساحل وفي أفريقيا الوسطى وليبيا وتشاد، إلى جانب انتشار قوات فاغنر الخاصة الروسية في مهمة حماية عمليات التنقيب عن الذهب والمعادن النفيسة بدول الساحل والصحراء، ولقوات التدخل السريع دور بارز في هذا التنقيب.

من يتتبع المشهد السياسي الدولي سيلحظ تريثا من التورط والانخراط في مثل تلك الصراعات، وربما تتعامل الولايات المتحدة مع الأزمة السودانية وفق سيناريو إدارتها للحرب الأهلية في أثيوبيا في نوفمبر 2020 بين التيغراي والحكومة الأثيوبية، وفي نفس الوقت ستسعى روسيا والصين نحو الحفاظ على التوازن كما هو معلن حتى الآن.

وقد عانى الاتحاد الأفريقي كمظلة أفريقية للحل من إخفاقات و أحيانا نجاحات نسبية في أفريقيا، حيث تشهد 22 دولة أفريقية نزاعات مسلحة بينية، وليست حرب خارجية بالوكالة لتنفيذ أطر سياسية كحزب الله في لبنان والحوثي في اليمن والمليشيات داخل العراق وسوريا.

فأسباب الاقتتال في السودان داخلية أقرب إلى صراع على النفوذ وكيفية الانتقال السياسي. فالجيش يود دمج كامل لقوات التدخل السريع، بينما قوات التدخل السريع تود دمج تدريجي، وكل طرف يدعي قدرته على كسب الشارع السوداني وقدرته على حسم هذا الصراع لصالحه.

لكن منظومة التدخل السريع قبلية ولاؤها أسري خصصت لإخماد حركات مناطقية، واستخدمها البشير لحمايته من الانقلابات، لكنها انقلبت عليه في 2019، وأصبحت شريكا أساسيا لثورة ديسمبر.

سبق أن لعب الاتحاد الأفريقي دورا من خلال عضويته في الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في التوصل إلى اتفاق مبدئي للتقريب بين الفرقاء السودانيين بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل 2019، والذي كلل بتوقيع الوثيقة الدستورية بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس 2019.

ورغم تعليق الاتحاد الأفريقي أنشطة السودان بعد الانقلاب في أكتوبر 2021 حتى عودة السلطة التي يقودها المدنيون، إلا ان الاتحاد كان له دور في الساحة السودانية وقدم موسى فقي خطة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في يناير 2022 تتضمن رؤية الاتحاد حول سبل الخروج من الأزمة، بعدما نجحت في وقف الأزمة في أثيوبيا وتوقيع اتفاق بين جبهة تحرير شعب تيغراي في 2 نوفمبر 2022 بمدينة بريتوريا لوقف إطلاق النار بعد عامين من الاقتتال.

تنسق السعودية هي وبقية أطراف الرباعي لحل الأزمة في السودان بدعم دولي وبدعم من الرباعية الدولية التي تتكون من السعودية ودولة الإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، والتي استثمرت كثيرا في عملية التحول الديمقراطي في السودان، وأنها لن تقبل بانهيار عملية التحول بصورة مفاجئة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ الجغرافيا السياسية والاقتصادية بجامعة أم القرى بمكة [email protected]
زر الذهاب إلى الأعلى