السعودية وسيطاً للسلام بين الغرب والشرق
الاستماع للمقال صوتياً
|
مكة – خاص وايتهاوس
مقال الرأي بقلم د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب
لم تكن السعودية كما في 1980 عندما غزا الاتحاد السوفيتي أفغانستان لنشر الشيوعية في المنطقة، وكان هناك تحالف أمريكي سعودي لإخراج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان من أجل وقف تمدد وانتشار الشيوعية، كذلك العالم تغير، وفي نفس الوقت حققت الولايات المتحدة الاستقلال النفطي، ولم تعد المنطقة من أولوياتها بالنسبة لها كما كانت في السابق، وتخلت روسيا عن الشيوعية، أي هناك تحولات وتغيرات، جعل من السعودية تطور علاقاتها مع الجميع، وتقيم في نفس الوقت علاقات متوازنة مع جميع الدول، دون أي اصطفاف مع طرف ضد اطراف أخرى، وكان أحد الشواهد ما حدث في ملف النفط عندما أرادت الولايات المتحدة فرض هيمنتها عبر فرض عقوبات على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا وطالبت السعودية أن تشارك في هذه العقوبات عبر رفع إنتاج النفط لخفض أسعاره حتى لا تستفيد روسيا من مداخيل النفط في دعم الحرب على أوكرانيا لكن رفضت السعودية المشاركة في هذه العقوبات التي تضر بمصالحها قبل أن تضر بروسيا رغم انها كانت ضمن الدول التي رفضت قيام روسيا بالحرب في أوكرانيا.
الحرب العالمية الثالثة تحتاج إلى من يوقف انطلاق شرارتها، فالتوتر على أشده بين روسيا وأمريكا في أوكرانيا، وهناك احتكاك بين طائرات روسيا وطائرات الولايات المتحدة، وهناك تدفق أسلحة غربية على أوكرانيا وهجمات على روسيا بل هجمات استهدفت حتى القصور التي يسكن فيها بوتين.
بدأت تتوسع دائرة الحرب، ففاغنر في بلاروسيا تود السيطرة على ممر سوفالكي بين بيلاروسيا وكالينغراد التابعة لروسيا التي استحوذت عليها بعد الحرب العالمية الثانية لأنها تطل على بحر البلطيق، وتطل لتوانيا وبولندا على هذا ممر سوفالكي وهما دولتان عضوين في الناتو يمكن بسببهما قد تنطلق شرارة حرب عالمية ثالثة، كما أن وزيري الدفاع الروسي سيرغي شويغو والصيني شاركا زعيم كوريا الشمالية في عرض عسكري لأحدث الصواريخ النووية والطائرات المسيرة الهجومية احتفالا بالذكرى ال70 لإنهاء الحرب الكورية في 27/7/2023 وتعارض روسيا والصين الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفرض مزيد من العقوبات على كوريا الشمالية بسبب سعيها لامتلاك صواريخ بالستية في السنوات الماضية، وقالتا إن التدريبات الأميركية التي أجرتها مع كوريا الجنوبية تدريبات مشتركة مضادة للغواصات في المياه قبالة جزيرة جيجو الواقعة جنوب كوريا الجنوبية ردا على ما تسميانه استفزازات كوريا الشمالية تسببت في تأجيج التوتر.
كما انسحبت روسيا من اتفاق الحبوب الأوكرانية الذي سمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود من موانئ أوديسا وتشورنومورسك ويوجني، لكن موسكو قالت إنها ستعود إلى الاتفاق إذا استوفت شروطه، لأن روسيا اعتبرت العقوبات الغربية تقيد صادراتها الزراعية، فبعد الغزو الروسي في فبراير 2022 أغلقت السفن البحرية الموانئ الأوكرانية وحاصرت 20 مليون طن من الحبوب، وأدى الحصار إلى ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، جاء إعلان روسيا بعد ساعات من إعلان أوكرانيا مسؤوليتها عن هجوم شن على جسر في شبه جزيرة القرم، لكن تعهد بوتين بتقديم شحنات حبوب مجانية لست دول بالقارة الأفريقية أثناء افتتاح القمة الروسية الأفريقية في سان بطرسبرغ في نهاية شهر يوليو 2023 من 25 إلى 50 ألف طن من الحبوب لبوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وأريتريا على خلفية قلق دول افريقية من توقف اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية في البحر الأسود.
كانت هناك محاولة العثور على أرضية مشتركة لصيغة محتملة تقوم على خطة طرحها زيلينسكي في نوفمبر 2022 مكونة من عشر نقاط على رأسها وحدة الأراضي والسيادة وفق ميثاق الأمم المتحدة، وجرت المحادثات في كوبنهاجن في بلجيكا لحشد دولي واسع مكون من مسؤولين كبار من أوكرانيا ودول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي ودول مثل البرازيل والهند والسعودية وجنوب أفريقيا وتركيا لمناقشة تصور سلام ممكن، ودعيت الصين إلى المحادثات لكنها لم تحضر، مما يوضح التحدي الذي تواجهه أوكرانيا وحلفاؤها في بناء تحالف عالمي يحسب له حساب، ويضم الدول التي رفضت تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا أو فرض عقوبات على روسيا لزيادة الضغط على روسيا، وشارك جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي في الاتصال المصور بعد ان ألغى خططا للحضور الشخصي.
وافقت السعودية بعد مشاورات أجراها جيك سوليفان في الرياض في 27 يوليو 2023 على استضافة قمة سلام يومي 5و6 من أغسطس 2023 في جدة لوقف الحرب في أوكرانيا تشارك فيها أوكرانيا إلى جانب 30 دولة بينها الهند والبرازيل وعدد من دول الاتحاد الأفريقي والأوروبي، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الصين ستشترك في القمة، وروسيا أعربت عن اهتمامها بالعديد من مبادرات السلام إلا أنها أظهرت اهتماما خاصا بالمبادرتين الصينية التي طرحت في فبراير 2023 والأفريقية التي طرحت خلال انعقاد القمة الروسية الأفريقية في بطرسبورغ قبل نهاية شهر يوليو 2023.
تود السعودية جمع العناصر الأساسية في العديد من صيغ المبادرات بما فيها الصينية والأفريقية مما يضفي عليها وزنا دوليا وفق تصورات أولية لمبادرة سلام من المرجح أن تشمل احترام سيادة ووحدة أراضي أوكرانيا وفقا لميثاق الأمم المتحدة وهو ما يعني قبول روسيا مبدأ انسحاب قواتها من الأراضي الأوكرانية، وتسوية الوضع الخاص بشبه جزيرة القرم ورفع العقوبات عن روسيا وإنشاء صندوق دولي لإعادة بناء أوكرانيا ووقف إطلاق النار والبدء بمفاوضات على مستويين بين روسيا من جهة وبين روسيا وحلف شمال الأطلسي الناتو من جهة أخرى وذلك للنظر في المطالب الأمنية الاستراتيجية الروسية.
كشفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في ختام القمة الروسية الأفريقية أن بلادها تلقت قرابة 30 مبادرة لوقف الحرب في أوكرانيا عبر قنوات رسمية وغير رسمية، وأضافت أن روسيا لم ترفض أبدا المفاوضات مع أوكرانيا لإنهاء الصراع، وأشارت إلى ان أوكرانيا هي من انسحبت في أبريل 2022 من المفاوضات بين الجانبين ولم ترد على الوثائق والطلبات التي أرسلتها موسكو.
فهل تنجح السعودية في انتزاع موافقة من الولايات المتحدة حول مسألة ضمان الأمن المتكافئ الذي تطالب به روسيا بين الجانبين حتى تقبل روسيا القبول بتلك الوساطة؟ خصوصا بعدما فشل الغرب في عزل روسيا دوليا عندما أبرمت واشنطن ونيودلهي في يونيو 2023 اتفاقات عسكرية وأضافت أن البيان والاتفاقات تندرج ضمن الجهود الأوروبية والأمريكية لعزل روسيا دوليا، لكن ردت روسيا باستضافة قادة أفارقة في سان بطرسبورغ نهاية شهر يوليو 2023 وتعهد أمامهم بتزويد ستة بلدان أفريقية بشحنات مجانية من الحبوب، وكانت الدول الناشئة التي شاركت في اجتماع كوبنهاجن في يونيو 2023 رفضت تبني الشروط الأوكرانية لتحقيق السلام التي تشمل خروج القوات الروسية من أراضيها وإعادة الأراضي التي سلختها روسيا عنها قبل البدء بمفاوضات سلام، في حين تحاول أوروبا وأمريكا اقناع البلدان الناشئة بالموافقة على مبادئ تشبه ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على وحدة الأراضي وامتناع الدول اللجوء إلى القوة العسكرية لحل المشكلات.
سبق لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن زار موسكو في مارس 2023 وكان يحمل معه وساطة من كييف إلى موسكو، فيما أكدت الرياض أنها تواصل البحث عن فرص تيسر الحوار بين روسيا وأوكرانيا وتوقف الحرب وأن المملكة مستعدة للتوسط في الأزمة المشتعلة منذ مطلع 2022.
كما وسبق أن سهلت السعودية تبادل أسرى الحرب مع أوكرانيا في سبتمبر 2022، إلا أن موسكو كانت ترى أن لا رغبة من الجانب الأوكراني في إجراء حوار جدي للتوصل إلى اتفاق. لكن من طلب عقد مؤتمر جدة للسلام هي أمريكا، لذا سيكون من المؤكد توفر حوار مسؤول من الجانب الأوكراني المدعوم أمريكيا.