العلاقات التركية الإسرائيلية في دائرة الضوء
الاستماع للمقال صوتياً
|
بقلم سيث فراتزمان
نقلها إلى العربية المهندس بسام أبوطوق
تقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية الجديدة تكاليف متعددة للتعامل مع تحديات السياسة الخارجية والنجاحات التي قدمتها الحكومة الأخيرة. أحد الجوانب المثيرة للاهتمام تظهر في العلاقات بين إسرائيل وتركيا.
هذه العلاقات كانت سيئة للغاية خلال العقد الماضي، فقيادة أنقرة المقربة من جماعة الإخوان المسلمين والداعمة لحماس قد دمرت بشكل منهجي العلاقات مع إسرائيل على مدى العقد الماضي. ولكن خلال عام ونصف فقط تغيرت هذه العلاقات نتيجة قرارات مصيرية اتخذتها تركيا وحزبها الحاكم. ولكن نتنياهو يعرف جيدا سياسات تركيا ولديه خبرة طويلة في التعامل مع تهديدات أنقرة من جهة و”المصالحة” السابقة من جهة أخرى.
من وجهة نظر أنقرة هذا خطأ إسرائيل، أرادت تركيا أن تلعب دورا متزايدا في المناقشات الإسرائيلية الفلسطينية وكذلك المحادثات الإسرائيلية السورية في أوائل القرن الحادي والعشرين، أرادت تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان تغيير سياسات أنقرة بشكل عام في المنطقة لتبني سياسة خارجية ذات صبغة “إسلامية” وأيضا سياسة أكثر ارتباطا بآسيا، إلى ذلك أرادت أنقرة أيضا تحقيق معادلة “صفر مشاكل” مع جيرانها وأن تلعب دورا في اتفاقيات السلام بين إسرائيل والآخرين، لكنها شعرت بالخيانة من خلال الحرب على غزة عندما شهدت هزيمة حماس في ساحة المعركة.
في وقت لاحق، عندما وصل نتنياهو إلى السلطة، سعى نشطاء إسلاميون أتراك إلى تنظيم قافلة بحرية إلى غزة في عام 2010، أبحروا باتجاه غزة على متن سفينة وقامت إسرائيل بغارة عليها، قتل الجنود الإسرائيليين عشرة مواطنين أتراك، وحصلت انقرة على ذريعة لتقليص العلاقات أكثر وأكثر.
خلال الحرب السورية بدت تركيا أكثر تورطا في الصراع فدعمت المتطرفين، وشرعت في مواجهات مع اليونان ومصر ودول الخليج. أرادت تركيا عزل إسرائيل، وهددت بقطع العلاقات مع الإمارات لمنع اتفاقات إبراهام. كما حاولت أنقرة أيضا منع صفقات الطاقة بين إسرائيل وقبرص واليونان، وعارضت نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس. كل هذا أدى إلى زيادة التوترات بين الأعوام 2019-2020.
كان لتركيا أصدقاء مقربين في إدارة ترامب وشعرت أن بإمكانها أن تتجه إلى سلوكيات أكثر تطرفا، لكن عندما رأت أنقرة أنها لن تحصل على طائرات F-35 وأنها لن تستطيع عزل إسرائيل وأن ترامب سيخسر انتخابات 2020، بدأت في التحول نحو المصالحة.
كان لقرار أنقرة بالمصالحة عدة عناصر داعمة، منها الحصول على دعم الأصوات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن. في الماضي عملت تركيا مع المنظمات اليهودية لمحاولة التأثير على الولايات المتحدة. على سبيل المثال، اعتادت ممارسة الضغط لحمل الناس على إنكار الإبادة الجماعية للأرمن، وستحاول التأثير على الأصوات المؤيدة لإسرائيل في هذه القضية.
سعت أنقرة لكسب الأصوات المؤيدة لإسرائيل في عام 2020، مدعية أنها يمكن أن تعمل مع إسرائيل في صفقات الطاقة وأنها قد تقلل من علاقاتها مع حماس. ومع ذلك استمرت القيادة في أنقرة بمنح حماس علاقات معها على السجاد الأحمر.
بالنسبة لأنقرة، كانت الجائزة الحقيقية هي مغادرة نتنياهو لمنصبه، ألمحت إلى أن المصالحة يمكن أن تأتي بمجرد تركه للسلطة، سنحت الفرصة في عام 2019، ولكن بعد ذلك كان الوباء وانتخابات لا نهاية لها في إسرائيل، وعندما شكلت إسرائيل أخيراا حكومة جديدة في يونيو 2021، اتخذت أنقرة قرارها.
بحلول شهر آب/أغسطس من العام 2022 كانت المصالحة في ذروتها، حدث التطبيع وعين السفراء، وزار وزير الدفاع، بيني غانتس، تركيا في تشرين الأول، ذهب رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في آذار، وكان وزير الخارجية التركي قد جاء إلى إسرائيل في أيار، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لبيد مع أردوغان في أيلول، والتقى أردوغان أيضا بجماعات يهودية أمريكية في سبتمبر أيلول، كان هذا تحولا كبيرا بين عامي 2018 و2019.
عندما قارن الزعيم التركي إسرائيل بألمانيا النازية، لم يطالب القادة الإسرائيليون واليهود أنقرة أبدا بالاعتذار قبل تطبيع العلاقات، بدلاً من ذلك، كانت الرسالة مفادها أن أنقرة يمكنها استضافة إرهابيي حماس ومقارنة إسرائيل بالنازيين وسيظل لديها أصدقاء في القدس.
اندفاع إسرائيل إلى “المصالحة” قبل أن يتولى نتنياهو منصبه كان جليا، بينما تستمر أنقرة في سياساتها الضدية نحو إسرائيل، وها هو أردوغان يدّعي أن نجم كرة القدم البرتغالي، كريستيانو رونالدو، تعرض لـ “التهميش ” في كأس العالم لأنه يدعم الفلسطينيين.
بالنسبة للبعض في إسرائيل، المصالحة جيدة لأنهم ينظرون إلى تركيا كدولة قوية وشريك تاريخي، تركيا عضو في الناتو، على الرغم من أنها تعمل حاليا على منع السويد من الانضمام إلى الناتو وتهديد اليونان العضو في الناتو، كما ألمحت أنقرة إلى أنها تشارك إسرائيل مخاوفها بشأن دور إيران في سوريا والعراق، ومع ذلك، فإن تركيا تتعامل تجاريا مع إيران.
بالنسبة لبعض المحللين السياسيين، فإن تركيا مهمة للغاية ويفضّل أن تكون لها علاقات مع إسرائيل بدلاً من العمل ضد إسرائيل. من وجهة النظر هذه، يمكن لإسرائيل وتركيا العمل على بعض القضايا معا و “تجزئة” العلاقات.
في نهاية المطاف، لا تزال الأفكار المسبقة حول العلاقة بين الطرفين التركي والإسرائيلي تشكل لب المشكلة، فقيادة أنقرة لا ترى إسرائيل على قدم المساواة معها، بل هي تعتقد أن إسرائيل بحاجة إلى تركيا ولهذا السبب لم تتردد بمقارنة إسرائيل بالنازيين، لكنها لن تقارن إيران بألمانيا النازية لأنها ترى في إيران نداً. وهي لا تستضيف جماعات معادية لإيران بالطريقة التي تستضيف بها حماس، وهذا يدل على أن أصدقاء أنقرة الحقيقيين موجودون في طهران وموسكو ودول أخرى تعاملها بنديّة.
مقابل ذلك ، يواصل البعض في إسرائيل رؤية تركيا كما حالها في الثمانينيات عندما كانت إسرائيل أكثر عزلة وضعفا مما هي عليه اليوم. تمتلك إسرائيل اليوم طائرات 35 -F المتقدمة، ولديها تكنولوجيا الدفاع الجوي الرائدة في العالم، بينما مازالت تركيا تحاول بناء التكنولوجيا العسكرية الخاصة بها للحاق بالركب.
قد يكون من مصلحة إسرائيل عدم قيام أنقرة بتأجيج التوترات في غزة والقدس، فأنقرة ماضية في اعب دور القائد للقضايا الإسلامية وسبق لها أن قالت إنها تريد “تحرير” الأقصى. هذه القضايا الدينية الحساسة هي قابلة للاشتعال في أية لحظة، بينما تواجه إسرائيل بالفعل مخاوف حقسقسة آتية من الأردن بشأن تغييرات الوضع الراهن في القدس.
اليوم مع عودة نتنياهو إلى السلطة، من غير الواضح ما إذا كانت أنقرة ستستغل هذه المناسبة لفرملة عملية التطبيع والمصالحة، أو ما إذا كانت ستتبنى نهج الانتظار والترقب.
تركيا لديها انتخابات مقبلة وقد تراهن على أن تأجيج المشاكل مع إسرائيل يمكن أن يساعدها في الداخل، من ناحية أخرى، لديها أيضا مشاكل في أوروبا واليونان، وهي تعمل مع روسيا لمصالحة مع النظام السوري، وقد لا تتمكن من تنفيذ كل هذه السياسات المتضاربة في نفس الوقت.
مع عودة نتنياهو للسلطة، ستتعامل القيادة التركية مع سياسات واضحة: نتنياهو يؤمن بالسلام من خلال القوة، لم يتراجع قط عندما حرضَت أنقرة على إسرائيل، لقد دعم القضايا الكردية وكان دائما على استعداد للوقوف في وجه تركيا عندما يكون ذلك ضروريا.
تدرك أنقرة هذا الواقع، وعليها أن تفكر فيما إذا كان الأمر يستحق خلق أزمة، أو ما إذا كان من الأفضل الاستمرار في المسار الحالي.
بعد أن رحبت بالدبلوماسيين الإسرائيليين، سيكون من المستغرب أن تخلق أنقرة أزمة فجأة، وخاصة بعد العمل على العودة إلى المسار الأسبق من خلال الاجتماعات مع القادة اليهود الأمريكيين. ومع ذلك قد تقرر أنقرة ذات ليلة أن تخلق فجأة أزمة جديدة مع إسرائيل، وفي هذه الحالة سيتعين على نتنياهو الرد.
Source: The Jerusalem Post