الصين كمنافس للنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط
الاستماع للمقال صوتياً
|
د. علي الخشيبان
نقلاً عن جريدة “الرياض” السعودية
المنافسة الأميركية – الصينية في الشرق الأوسط لابد وأن تعتمد من جانب الطرفين على تعزيز الشراكة الاقتصادية والدبلوماسية، آخذاً بالحسبان الميزة التنافسية الإضافية التي تمتلكها أميركا وتتفوق بها على الصين في المنطقة والخاصة بالتحالف الأمني، وهو ما تفتقده الصين حالياً..
التاريخ لديه إجابات صعبة حول إمكانية صعود الصين في نفوذها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، القاعدة الأهم هي استمرار الصين في اعتمادها على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية كبديل متاح عن التفكير بالتعاون الأمني مع دول الشرق الأوسط التي لا يوجد فيها إلى اليوم جندي صيني واحد، وقد تكون الفرصة المنتظرة من أميركا في هذه المرحلة هي استخدام ذات الأدوات عبر تعزيز المسار الدبلوماسي والحوار، وقد تكون هذه هي النصيحة الأكثر كفاءة للبيت الأبيض عبر العودة إلى المنطقة من خلال الخطوط الاقتصادية والدبلوماسية.
من المهم أيضاً الإشارة إلى أن نفوذ بعض دول الشرق الأوسط وقدراتها السياسية وخاصة السعودية، ستكون جزءاً من معادلة ذات تعقيدات كبرى أمام أميركا، فمن الواضح أن النموذج السياسي والمعادلة الدبلوماسية التي كانت أميركا تستخدمها في الماضي مع دول الشرق الأوسط، لابد وأن يطرأ عليها الكثير من التحولات، كما أن وجود إسرائيل في المنطقة سوف يدفع أميركا إلى مساحة تكون معها أميركا بحاجة إلى القدرة على تقدير الاختلاف في الألوان السياسية، أميركا لم تعد بحاجة إلى مزيد من الخسائر الاقتصادية والشرق الأوسط لم يعد متاحاً للحرب العابرة للقارات.
التاريخ الأميركي العابر للقارات يخبرنا أن أميركا استهلكت في الحرب العالمية الثانية ما يزيد على أربعة تريليونات دولار، واستهلكت في حرب فيتنام ما يقارب من ثماني مئة مليار دولار وصرفت في حربها في العراق وأفغانستان ما يقارب من ثلاثة تريليونات دولار، وهذا التاريخ المليء بالحرب العابرة للقارات أصبح مساراً يصعب إعادة تنفيذه من جديد في أي بقعة من العالم، ولكن بقاء القوة الأميركية في محيط الشرق الأوسط هو البديل الأكثر فعالية لإبقاء الشرق الأوسط في محيطه التاريخي الغربي.
الصين يصعب عليها أن تنشئ لها بصمة عسكرية في الشرق الأوسط، ولكنها في ذات الوقت قادرة على أن تبني لها صرحاً اقتصادياً يمكنه استيعاب المتضادات والمتضادين من الدول في الشرق الأوسط، كما أن الصين لا تشبه أميركا في مواقفها مع حلفائها، فالصين سياسياً تستخدم منهج الأفق المفتوح، وتدرك أن مصالحها الأمنية في الشرق الأوسط لم تنضج بعد! ولكن في المقابل هناك مصالح اقتصادية صينية تتطور بشكل أكبر، وهذا ما يستوجب تغيير المعادلة الأميركية، فإذا كانت أميركا تفكر في الشرق الأوسط من خلال مسار أمني فإن الصين لا تفعل ولا تفكر، وهذا ما سوف يجعل المواجهة بين الصين وأميركا صعبة الحدوث في جانبها الأمني.
الحقيقة التاريخية المطلقة أن الصين بتقاربها الاقتصادي مع الشرق الأوسط تمتلك مساحة أكبر للمناورة استراتيجياً في الشرق الأوسط، ولكن مهما كانت رغبة الصين في نفوذها في المنطقة فلن تتجاوز هذه المناورات الاستراتيجية منطقة التلويح، فالصين لديها مساحة للمناورة الفعلية في مساحات كبرى شرق آسيا وفي جنوبها الشرقي، الصين في الشرق الأوسط لا ترغب في توسيع مساحاتها ونفوذها أكثر مما ترغب منها أميركا.
الصين حالياً لا تمتلك أكثر من المشاركة الاقتصادية، وهي الأداة الأكثر فاعلية للصين لكي تعمل على توسيع نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وفي المقابل تمتلك أميركا ما هو أكثر من ذلك، فالتاريخ يعمل لصالحها ولكن عليها تعديل الكثير من القصص التاريخية التي كانت ترويها في السابق، فالأرضية الجيوسياسية في الشرق الأوسط أصبحت قابلة لاستزراع نمط سياسي ودبلوماسي جديد يمكن لأميركا من خلاله المحافظة على وجودها.
وإذا ما أضفنا التكنولوجيا ومنافساتها بين الصين وأميركا فإن هذا المسار الذي يفرض نفسه تدريجياً سيعكس بقوة أن العالم أصبح يمتلك قوة جديدة من أهم سماتها أنها لا يمكن أن تكون محتكرة، فالتقنية فرصة كبرى لكل الدول المهتمة لتعزيز قدراتها وخاصة أن الاحتكار في التقنية قضية غير قابلة للنفاذ، وخير دليل مسارات الجيل الخامس والجيل السادس من الاتصال، التي تتنافس القوتان على تقديمهما لدول الشرق الأوسط.
المنافسة الأميركية – الصينية في الشرق الأوسط لابد وأن تعتمد من جانب الطرفين على تعزيز الشراكة الاقتصادية والدبلوماسية، آخذاً بالحسبان الميزة التنافسية الإضافية التي تمتلكها أميركا وتتفوق بها على الصين في المنطقة والخاصة بالتحالف الأمني، وهو ما تفتقده الصين حالياً، والحقيقة أنه إذا كان التاريخ والتجربة ترشح أميركا للبقاء في المنطقة لفترة أطول مستقبلاً إلا أنه هناك الكثير من الشروط والواجبات التي على البيت الأبيض العمل عليها لكي يعزز فوزه في البقاء في المنطقة أطول مما هو متوقع، خاصة أن النظام العالمي اليوم يعود إلى نظرية الأقطاب المتعددة التي تعدّها الصين على نار هادئة.