الموقف السّعوديّ من لبنان: لا تراخي في السّلاح والفساد
الاستماع للمقال صوتياً
|
إبراهيم ريحان
منذ سنة 2016 ولبنان يجلس على رصيف انتظار التسويات الإقليميّة. يُراهن سيّاسيّوه على “تسوية ما” بين الولايات المُتحدة وإيران، أو بين المملكة العربيّة السّعوديّة وإيران.
لم يستوعِب حُكّام هذا البلد الصّغير على ساحل المُتوسّط أنّ زمن الأوّل تحوّل أكان بين واشنطن وطهران، أو بين الرّياض وطهران. ماكان قبل الاتفاق النّوويّ 2015، لن يكون قطعاً كما بعده.
لنعد قليلاً إلى سنة 2005. في تلك السّنة قرّرت إيران وضع يدها بالكامل على لبنان. جاءَ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وثلّة من سيّاسيي ما عُرِف بفريق 14 آذار. بعدها بعامٍ واحد، جاءَت حرب تمّوز لترميَ لبنان أكثر وأكثر في الحضن الإيراني، عبر وكيله الأساسي في لبنان، “حزب الله”. تنامت قوّة الحزب العسكريّة، وزادت من 6000 مُقاتل إلى ما يزيد عن 60 ألف مقاتل في أيّامنا هذه، هذا عدا ترسانته العسكريّة.
يومها لم تكن إيران بالنّفوذ الذي هي عليه اليوم، توالت الأحداث الدّاخليّة، حتّى جاءَ اتفاق أوباما – إيران (JCPOA). انطلقت إيران من الاتفاق النّوويّ وملياراتها والإعفاءات التي نالتها من عقوبات النّفط، فأسقَطَت، بحسب اعتراف مسؤوليها 4 عواصم عربيّة تحت هيمنتها المُطلقة: بغداد، صنعاء، دمشق، طبعاً بيروت.
في تلكَ الفترة كانت السّعوديّة تشهد تحوّلاً سيّاسيّاً تجاه لبنان مع تولّي خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحُكم، ومعه وليّ عهده الأمير محمّد بن سلمان. منذ اللحظة الأولى لتولّي محمّد بن سلمان ولاية العهد، كان واضحاً في رؤيته لبلاده: تحوّل اقتصاديّ واستقرار بعيداً عن “مصادر الصّداع”. ولبنان حتماً هو واحدٌ من هذه المصادر. لماذا؟
يتعدّى مجموع ما قدّمته المملكة للبنان منذ 1990 من هبات وقروض ميسّرة ومساعدات الـ70 مليار دولار. لم يكن المُقابل اللبنانيّ لـ”الاستثمار السّعوديّ” في الاقتصاد اللبنانيّ سوى تمكين لحكم إيران، واستعداء العرب لمصلحة نظام الملالي.
في لبنان، لا يزال هناك من يُراهن على عودة الأيّام الخوالي. لكن هذا الرّهان ليسَ في محلّه.
في الرّياض، كانَ وليّ العهد السّعوديّ يعطي توجيهاته للمسؤولين السّعوديين بالعمل مع لبنان من منطلق “دولة لدولة” قبل أشهر قليلة من وقوع لبنان في أزمته الاقتصاديّة. سعت السّعوديّة لإبرام 22 اتفاقيّة مع لبنان على صعيد رسميّ. تشمل الاتفاقيّات كل المجالات، لكن لبنان الرّسمي ماطل بلا عذرٍ واضح ولا سبب مُقنع في توقيع الاتفاقيات التي تعود بالرّبح على الطّرفيْن.
صارَ واضحاً أنّ كثيراً من اللبنانيين “يحبّون” العطاء السّعوديّ دون أن يكون من “دولة لدولة”، بل من “دولة” لـ”تيّار” أو “شخصيّة”. وهذا ما لن يقبل به السّعوديّون إطلاقاً. بكلامٍ آخر: “زمن الأوّل تحوّل”.
يؤكّد هذا الكلام اشتراط السّعوديّة إجراء لبنان إصلاحات اقتصاديّة وسيّاسيّة، أيّ ضبط سلاح حزب الله وعدائه للمملكة، قبل أن ينال أيّ مساعدة. وبالطّبع هنا المُساعدة لا يُقصد بها المليارات التي لا سقفَ لها. بل المُساعدات المنطقية ذات جدوى اقتصاديّة وماليّة. كما أنّ السّعوديّة لن تودع مالاً في لبنان ما لم تُجرى إصلاحات اقتصاديّة. فلا أحد يريد أن يرى ماله “يُسرَق” أو “يُهدر” في بلدٍ تعفّ فيه رائحة الفساد أينما توجّه المرء.
اليوم أجرى لبنان انتخاباته النّيابيّة. لا أكثريّة ساحقة لحزب الله فيه. كانَت نتيجة الانتخابات اللبنانيّة وقعاً “إيجابيّة” في السّعوديّة، لكن ليس إلّا أوّل خطوة في طريق الألف ميل. يؤكّد هذا كلام وزير الخارجيّة السّعوديّة الأمير فيصل بن فرحان الذي قال بحذر: “انتخابات لبنان قد تكون خطوة إيجابية، لكن من السابق لأوانه قول ذلك”. وأضاف: الأمر يتوقف على ما إذا كان هناك إصلاح سياسي حقيقي يعيد فرض سلطة الدولة ويحارب الفساد، بالإضافة إلى إصلاح اقتصادي حقيقي.
أمّا في محادثاتها مع طهران، تُعطي السّعوديّة الأولويّة للملف اليمني لقربه الجغرافي اللصيق بها. كذلك لأمن الخليج العربيّ. وهذا لا يعني أنّ المحادثات بين الرّياض وطهران قد تفضي إلى نتائج إيجابيّة واتفاقٍ سريع لمجرّد هذا. فالخلافات بينهما كثيرة ومُتشعّبة، وهنا على لبنان أن لا يراهن على ما قد يصعب تحقيقه.