آخر التحديثاتأبرز العناوينالسياسات الخارجية الأميركية

مشاهد الزلزال تنقلها نيويورك تايمز من مشفى الكهف

الاستماع للمقال صوتياً

وايتهاوس إن أرابيك/ نيويورك تايمز

بقلم كورا أنغيلبرغت

نقلته إلى العربية مرح البقاعي

يعتقد الدكتور نهاد عبد المجيد، أنه شهد أسوأ معاناة إنسانية في حياته المهنية كجراح في سوريا. وفي العام 2016، نجا من حصار حلب الذي خلف آلاف القتلى و المعوقين وسط أتون حرب شرسة.

وإثر سقوط مدينة حلب في أيدي القوات الحكومية، تراجع الدكتور عبد المجيد إلى بلدة الأتارب في شمال شرق البلاد، حيث عمل في مشفى محفور تحت الأرض يسمى “الكهف”، الأمر الذي كان ضرورياً لحمايته من القصف الروسي والسوري الوحشي والمتواصل.

في مقابلة مع نيويورك تايمز عبر الهاتف من غرفة العمليات الخاصة به، قال  الدكتور عبد المجيد: “لطالما امتلأ مشفانا بالما]سي الإنسانية”. لكنه أشار “أن المذبحة التي شاهدها هو وموظفوه هذا الأسبوع، لسبب مختلف تماما، كانت من الفظاعة ما لم يواجهها من قبل”.

دمار وعدد ضخايا مشهودين

فقد وصل المئات من ضحايا زلزال يوم الإثنين إلى مشفاه في منطقة الأتارب، وكان الكثير منهم قد لقوا حتفهم عندما وصلوا إلى المشفى. يقول الموظفون إنهم استلموا 148 جثة في المشفى منذ وقوع الزلزال في ساعاته الأولى.

وأضاف الدكتور عبد المجيد: “منذ يوم الإثنين، لم تتوقف الجثث عن الوصول إلى المشفى”. وتابع “البعض يصل بدون رؤوس. آخرون بلا أطراف”.

إثر ما يزيد على عقد من الحرب، وجد الأطباء السوريون أنفسهم عالقين وسط أزمة إنسانية جديدة لم يعهدوها من قبل بعد الزلزال، إضافة إلى عرقلة جهود الإنقاذ بسبب مكان وقوعه على   أراض تسيطر عليها الحكومة والمعارضة في سوريا في آن، ما يعني تدافعا يائسا لإنقاذ الأشخاص المحاصرين بين أنقاض المباني المنهارة على أمل نقلهم إلى مشاف مثل مشفى الأتارب.

يقول أحد الأطباء، واسمه مرهف عساف، الذي عمل في الكهف في العام 2018 وهو على اتصال متكرر بالموظفين هناك: “يحفر الناس بين الأنقاض بأيديهم للوصول إلى أصوات الصراخ على الجانب الآخر”.

شارك موظفو المستشفى مقاطع فيديو وصور مع صحيفة نيويورك تايمز تظهر جثث القتلى مغطاة بالبطانيات تصطف في الممرات. وأظهر مقطع فيديو آخر شاحنة صغيرة مكدسة بالجثث تصل إلى المشفى.

يقول الدكتور عبد المجيد: “نبكي بألم على الأطفال الذين عانوا أصلا من ويلات الحرب وماتوا الآن بدون سبب”.

استقبل المستشفى يوم الثلاثاء، ثلاثة أطفال أشقاء – بينهم عبد الحسيب، 3 أعوام – ظلوا على قيد الحياة تحت الأنقاض لمدة 36 ساعة. قال الدكتور عبد المجيد، الذي كان حريصا على مشاركة الحدث بشيء من الأمل، “إنها نعمة أنهم ما زالوا على قيد الحياة”.

كان الدكتور عبد المجيد ينام مع أطفاله في قرية مجاورة عندما وقع الزلزال، وانتشرت الهزات الأرضية في جميع أنحاء المنطقة. قال: “رأيت حياتنا تتأرجح أمام أعيننا”. تجمعت عائلته في البرد لساعات انتظارا لانتهاء ردات الزلزال، قبل أن يتمكن من شق طريقه إلى المشفى والبدء في إنقاذ الناس.

يقول الدكتور أسامة سلوم، الذي قاد سيارته إلى الكهف من إدلب صباح يوم الاثنين بعد تلقيه نداءً عاجلاً للمساعدة: “كنا نتخيّل طائرات في الجو تقصف”. وأضاف “كان عقلي يمارس الحيلة علي – وأخبرني أنها الحرب من جديد!”.

توفي صبي، بدا عمره حوالي 6 سنوات، بينما كان الدكتور سلوم يجري عملية الإنعاش القلبي الرئوي. قال الطبيب الذي كان ينقذ الجرحى خلال حصار حلب: “كل الصور المؤلمة من عملي أثناء الحرب عادت إليّ”. “شعرت وكأنني كنت أستيقظ من كابوس متكرر.”

قال الأطباء إن تجاربهم أثناء الحرب قد أعدتهم جيدا للخسائر البشرية التي سببها الزلزال – خاصةً بالنسبة للاختيارات الصعبة التي استتبعها هذا العمل الشاق. حيث قال الدكتور عساف، الذي عمل في الكهف في العام 2018 وقد غادر البلاد ويعيش اليوم في ويلز: “كانت هناك أيام لم نتمكن فيها إلا من إنقاذ البعض – إذا حاولت إنقاذهم جميعا، فلن تكون قادرا على إنقاذ أي شخص”.

مشفى “الكهف” مشروع أقامته جمعية SAMS

تم بناء المشفى في الأتارب في العام 2017 من قبل الجمعية الطبية السورية الأمريكية SAMS، وهي مجموعة إغاثية إنسانية تدعم 39 منشأة طبية في البلاد. يقع المشفى بالقرب من مواقع القتال على طريق رئيسي يربط حلب بمدينة إدلب، وقد تم حفره في أعماق الأرض لتفادي قصف القوات الروسية والسورية على مناطق سيطرة المعارضة.

المشفى تعرض لقصف مدفعي مدمر في مارس 2021 أسفر عن مقتل سبعة مرضى وإصابة 15منهم، من بينهم خمسة من الكادر الطبي، وفقا لتقرير مشترك صادر عن الجمعية الطبية السورية الأمريكية ومنظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان.

كان الهجوم رمزا لواحد من أكثر الضربات وحشية التي استخدمها النظام السوري منذ بدء الحرب في العام 2011. وقد وثق أطباء من أجل حقوق الإنسان 601 هجوما على 400 منشأة رعاية صحية منذ بدء الحرب.

استهداف المشافي من قبل النظام السوري

أدى القمع الممنهج على المستشفيات والعيادات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة إلى تدمير نظام الرعاية الصحية في سوريا، ما استدعى إدانة دولية، ودفع ما يصل إلى 70 في المائة من العاملين في مجال الرعاية الصحية في سوريا إلى الفرار من البلاد، وفقا لتقرير عام 2021 الصادر عن شركة بيوميد سنترال في لندن.

قال الدكتور عساف، الذي غادر سوريا في حزيران/ يونيو 2019: “لقد تم تدريب هؤلاء الأطباء بشكل فريد من خلال الحرب – لكن للأسف القليل منهم فقط بقوا في البلاد”.

وتابع عساف: “إنهم بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكنهم الحصول عليها”. وأضاف “طاقم عمل الكهف، الذي كان يضم 11 جرّاحا على الأقل عند فتح أبوابه لأول مرة، تقلص عددهم إلى بعض أطباء خلال السنوات الخمس الماضية”.

يقول الجراحون الباقون على رأس عملهم: إن الموارد الضرورية في حالة إصابات الزلازل، مثل القفازات والجص ومستلزمات تضميد الجروح، تتضاءل بالفعل.

في الأيام التي أعقبت زلزال يوم الإثنين، تعرقلت المساعدات لسوريا، ويرجع ذلك جزئيا إلى تضرر الطرق المحيطة بمعبر حدودي رئيسي من تركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إضافة إلى أسباب سياسية عديدة. وقد يشكل أي انسداد طويل الأمد تحديا للأطباء في المشفى المحفور في صخر مدينة الأتارب.

ختم  الدكتور عبد المجيد بحزن: “هذه أكثر الأيام المأساوية التي رأيتها في حياتي كلها”.

ساهم في هذا التقرير سنجار خليل.

*الترجمة والتحرير الخبري خدمة يقدمها المحرّر في منصة WHIA نقلاً عن النص الانكليزي الأصل، مع الاحتفاظ بجوهر الخبر ومراعاة دقة نقل المعلومات.

زر الذهاب إلى الأعلى