آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

توماس فريدمان: أنقذوا إسرائيل!

الاستماع للمقال صوتياً

بقلم إيشار ثارور – واشنطن بوست

نقلتها إلى العربية مرح البقاعي

لم يترك بنيامين نتنياهو  مناسبة إلا واستذكر فيها إسرائيل على أنها “واحة ديمقراطية” في منطقة معروفة بغياب تلك القيمة. الحجة التي استند إليها أن حريات إسرائيل وانتخاباتها وسيادة القانون فيها تتناقض مع الوضع الراهن في الشرق الأوسط، حيث يسيطر الملوك مطلقو الصلاحية والمستبدون الفاشلون.

بالطبع، تغفل ديمقراطية نتنياهو الإشارة إلى ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم، محرومين من نفس الحقوق والحريات الممنوحة لجيرانهم في إسرائيل.

ففي ظل إدارة نتنياهو، توسعت المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ما ساهم في تقويض أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.

أما بالنسبة للإدارات المتعاقبة في واشنطن والكتلة الحرجة من الحزبين في الكونغرس، فكانت إسرائيل أرض “القيم المشتركة” ولا يمكن أن تفعل شيئا خاطئا.

التطورات الأخيرة تجعل “واحة الديمقراطية” تبدو أقرب إلى السراب. فبعد فترة طويلة من الشلل السياسي تميزت بسلسلة من الحكومات الفاشلة، أجرت إسرائيل انتخابات في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أعادت نتنياهو لثالث فترة له في السلطة مع التفويض الأكثر استقرارا الذي فاز به أي سياسي منذ أكثر من ثلاث سنوات. ولكن لتحقيق ذلك، قام الزعيم اليميني بتشكيل أكثر ائتلاف يميني متطرف في تاريخ إسرائيل، ما دفع بالسياسيين من الفصائل التي كانت تعتبر ذات يوم خارج نطاق السياسة الإسرائيلية الباهتة إلى أدوار قيادية في ائتلافه.

تستخدم الحكومة الجديدة بالفعل أغلبيتها البرلمانية الضئيلة للدفع بتغيير جذري للقضاء، على الأقل في الوقت الذي لا يزال فيه رئيس الوزراء الحالي يعاني من مشاكل قانونية. يرى المراقبون أن التشريع “سيدمر نظام الضوابط والتوازنات في البلاد لإنقاذ نتنياهو من الملاحقة القضائية في ثلاث قضايا فساد منفصلة، ويشجع شركاءه الدينيين المتطرفين على دفع تشريعات تدعم توسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية”.

أكد نتنياهو للولايات المتحدة أنه سيكبح طموح أقصى اليمين. فهل فقد السيطرة بالفعل؟ إذا كان الجواب بنعم، فلا ينبغي أن يكون الأمر مفاجأة.

فلطالما عارض نتنياهو  السلطات القانونية الإسرائيلية وبيروقراطية الدولة، ووصفها بأنها عوائق أمام إرادة الشعب. هو وحلفاؤه “خصوم أيديولوجيون منذ فترة طويلة للمحاكم والمستشارين القانونيين – يرون فيهم تدقيقا فوضويا في قضايا مثل البناء دون عوائق في مستوطنات الضفة الغربية، وإعفاءات شاملة للأرثوذكس المتطرفين للخدمة في الجيش ولانتهاك حقوق الأقليات بما في ذلك المواطنين العرب الإسرائيليين أو المهاجرين الاقتصاديين الأفارقة”، وذلك وفقا لما كتب، نيري زيلبر، في مجلة نيو لاينز.

قال لي ألون بينكاس، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق المخضرم، “إن نتنياهو، للحصول على ما يريده، يعمل عن عمد على تفكيك الديمقراطية”. وتابع “إنه أول رئيس وزراء لديمقراطية غربية في التاريخ يخوض حربا شاملة ضد مؤسسات بلاده وتقاليدها وقضائها وضوابطها وتوازناتها ونسيجها الاجتماعي”.

نتنياهو عانى من بعض الانتكاسات مؤخرا. فخلال عطلة نهاية الأسبوع، أُجبر على إقالة حليف رئيسي في مجلس الوزراء، أرييه درعي، الذي يرأس حزب شاس الأرثوذكسي المتطرف، بعد أن قضت المحكمة العليا بأنه غير لائق للمنصب بسبب “تراكم الإدانات الجنائية” ضده. وقد أعرب نتنياهو عن أسفه للقرار وتعهد “بإيجاد أية وسيلة قانونية” لإعادة شريكه في الائتلاف إلى المنصب الرفيع.

واقع الأمر أن الحكومة الجديدة قوبلت برد فعل عنيف، حيث خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع المدن الإسرائيلية في ثلاثة أسابيع متتالية من المظاهرات. وقال الكاتب الإسرائيلي الشهير، ديفيد غروسمان، مخاطبا المحتجين في تل أبيب: “أقيمت دولة إسرائيل على مبدأ أن يكون هناك مكان واحد في العالم يشعر فيه الشخص اليهودي (الشعب اليهودي) بأنه في وطنه”. وأضاف”ولكن إذا شعر الإسرائيليون بأنهم غرباء في بلدهم، فمن الواضح أن الأمر برمته يسير  باتجاه خاطئ”.

التطورات الأخيرة تثير قلق مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة. وقد دعا، توماس فريدمان، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز ، الرئيس بايدن مؤخرا إلى “إنقاذ” إسرائيل من التحول إلى “معقل غير ليبرالي للتعصب”. وقد حذر بعض المشرعين الديمقراطيين من أن المسار الحالي في إسرائيل بإمكانه أن يقوض دعم الحزبين الأميركيين معا لإسرائيل.

أرسلت إدارة بايدن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إلى إسرائيل والضفة الغربية الأسبوع الماضي. وجاء في البيان الأمريكي إثر الجولة بأن سوليفان “حث إسرائيل على تجنب الخطوات الأحادية الجانب من قبل أي طرف يمكن أن يؤجج التوترات على الأرض وتحديداً حول الأماكن المقدسة في القدس”.

كتب أمير تيبون في صحيفة “هآرتس” اليومية ذات الميول اليسارية: “رئيس الوزراء الآن جزء من تحالف دولي لقادة معادين للديمقراطية يضم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان والرئيس البرازيلي السابق جاير بولسونارو ودونالد ترامب وفلاديمير بوتين”. وأضاف: “يجب قول الأشياء بوضوح”.

وكتب مايكل كوبلو من منتدى السياسة الإسرائيلية أن حلفاء رئيس الوزراء من اليمين المتطرف يعملون باتجاه “نموذج إسرائيلي جديد”، نموذج يعطي الأولوية للتفوق اليهودي، والالتزام الديني، والتمدد بأقصى حد نحو تحقيق إسرائيل الكبرى.”

الأجندة الإسرائيلية الجديدة تثير القلق في واشنطن، كما أنها تلقي بظلال من الشك على المكاسب الأخيرة التي حققتها إسرائيل مع الجوار العربي، حيث عززت العلاقات الرسمية مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وتعمقت العلاقات الضمنية مع المملكة العربية السعودية.

في الأسبوع الماضي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، أخبرني وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، أن الأولوية يجب أن تكون للمفاوضات التي تؤدي إلى “دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية”، وتابع “الحكومة الجديدة في إسرائيل ترسل بعض الإشارات التي لا تفضي إلى ذلك”.

زر الذهاب إلى الأعلى