بن غفير ملوّحاً بمسدسه ومشيّعاً السلام
الاستماع للمقال صوتياً
|
المهندس بسام أبو طوق
بعد أربع محاولات انتخابية فاشلة لتكريس أغلبية واضحة لحكومة إسرائيلية، نجحت الانتخابات الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف، في منح معسكر أقصى اليمين بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فوزا ساحقاً بحصوله على 64 مقعداً، أي أغلبية مطلقة مرتاحة ومتماسكة.
زعيم التيار اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، الذي يتحدث ((عن أزمة وجودية من أجل بقاء الشعب اليهودي))، والذي بنى شعبيته على كراهية العرب والدعوة لطرد الفلسطينيين من وطنهم، والذي سبق أن لوَح بمسدسه في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية في مواجهة الفلسطينيين المطالبين بحقوقهم في أرضهم، سيلعب دوراً محورياً في تحالف اليمين الصهيوني والصهيونية الدينية الذي فاز بالانتخابات والذي سيعيد نتنياهو إلى الحكم بقوة.
تنشيط وأولوية قانون يهودية الدولة الذي نقل هذه الفكرة إلى التطبيق بزخم وحيوية على أرض الواقع سيكون من النتائج الأولى لانتصار اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية، قانون يهودية الدولة السيء الذكر هذا يكرس اليهود في اسرائيل كجماعة قومية وليست دينية، وعليه فهؤلاء القادمين من قوميات متعددة أوربية وعربية وروسية.. إلخ سيتم توحيدهم في جماعة قومية واحدة وفي مواجهة من؟ شعب فلسطين صاحب الحق وصاحب الأرض الاصلي.
هذا القانون ليس استثناء في جعبة نتنياهو وحلفائه، ولكنه الأبرز في حلقة من مشاريع وسياسات تقوم على الإقصاء والقهر وضم الأراضي الفلسطينية وتثبيته باستيطان منشَط وتمييز عنصري أكثر وضوحاً هو الأسوأ والأكثر إجراماً بمقاييس المجتمع الدولي والأمم المتحدة، وسيفسح المجال للمستوطنين بالاعتداء على المقدسات وأماكن العبادة بأكثر شراسة وتغول.
وهناك تخوف من مشاريع تقسيم مكاني وزماني ونقض الاتفاقات مع الأردن، وتداعيات ذلك لن تكون محلية فقط بل ستنعكس على الأمن والسلام الإقليمي وتنفخ النار في بؤرة نزاع على المستوى العالمي.
هذه الانتخابات هي تتويج لمسار انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف والديني، وهي تمثل لحظة مفصلية، فهي لا تعبر عن انحدار سياسي وحسب، بل انتقالاً نوعياً فاشياً كامل المعايير والمواصفات، فهي تجلب إلى الحكم قوى فاشية سافرة بعد أن كانت مقنعة ومتجلببة بعباءة الديمقراطية والعلمانية.
وعلى الجانب الآخر من المواجهة يقف فلسطينيو الداخل ((عرب 48)) وفلسطينيو الضفة والقطاع لمواجهة هذه الاندفاعة الصهيونية. فمنذ استلاب الأرض عام 1948 تستمر حلقات المشروع الاستيطاني الصهيوني إلى استلاب الشعب الفلسطيني نفسه، وتهدف إلى تحويل الإنسان الفلسطيني في داخل اسرائيل إلى مواطن من الدرجة العاشرة ليس له حق إلا أن يعيش ويعمل ليأكل، وإلى تحويل مواطن الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع إلى مجرد أراد تحت الاحتلال لا يملكون حتى حق الحياة وتحت تهديد الطرد والتشريد في أي لحظة.
لمواجهة سياسة الأبارتايد هذه يلجأ فلسطينيو 48 إلى سياسات وتكتيكات وطنية متعددة، ومنها الاستفادة من الهامش الديمقراطي الضيق الذي لم تستطع حكومات إسرائيل المتتابعة إغلاقه وهو المشاركة في انتخابات الكنيست، واستعمال هذه المنصة وبالوسائل المتاحة لفضح سياسات الحكم الإسرائيلي والمطالبة بالحقوق القومية والمدنية وتحسين الشروط المعيشية للمواطنين الفلسطينيين في أراضي 48.
وكان لنضالات النواب الفلسطينيين على منبر الكنيست نجاحات وإخفاقات، ولكنهم استمروا شوكة في حلق السلطة الصهيونية وكانوا بوابة مشرعة للإعلان عن الحقوق الفلسطينية من داخل بيت الاحتلال المقيت.
في الانتخابات الإسرائيلية قبل ثلاث أعوام فازت القائمة المشتركة للحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل المحتل بخمسة عشر مقعداً وكان ذلك في مواجهة تحدي مصيري من اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو، أما عندما تشكل تحالف الكوكتيل من أطراف متعددة، يمين متطرف ووسط متردد ويسار انتهازي لا يجمعهم إلا الرغبة في إقصاء نتنياهو بعدما تربع على العرش سعيداً أكثر من 12 سنة، فقد تاه الفلسطينيون العرب في دهاليز هذه التجمعات الصغيرة، وتغلغل فيروس الانقسام في هوائهم الذي يتنفسونه و مائهم الذي يشربونه، فتشتتوا وأضاعوا قوة التأثير ككتلة موحدة، وهكذا تحولت القائمة المشتركة إلى ثلاث كتل وبعضها لم يحقق نسبة الحسم وتقلص عدد النواب الفلسطينيين إلى عشرة يضعفهم الخلاف وغياب المشروع الموحد وعاقبهم الناخبون الفلسطينيون اليائسون والمتململون فجاءت نسبة التصويت منخفضة ومخيبة للآمال.
ليس الرهان على فعالية مشاركة فلسطينيي الداخل في الكنيست الإسرائيلي، فهي بالمنطق الوطني المشروع والمتفق عليه مؤسسة غاصبة تاريخياً وليس معترفاً بها بالمطلق، ولكن في السياسة وسائل وممارسات، وفي مواجهة هذا الانتقال الفاشي الذي سبق الحديث عنه تزداد أهمية استعمال الكنيست الإسرائيلي كمنبر علني لفضح الدولة الإسرائيلية من حيث يهودية الطابع توسعية المشروع واستيطانية المنهج. وفي هذا السياق لن يخيف الفلسطينيون هذه الاندفاعة الفاشية فهم منذ 1948 ظهرهم إلى الحائط وليس لديهم ما يخسرونه بعد الذي خسروه، وقد مر عليهم الأكثر شراسةً أمثال بن غوريون ومناحيم بيغن و آرييل شارون.
خطر الفاشية هو لشعب إسرائيل وحلفائه العالميين قبل أن يكون لشعب آخر، وعلى الفلسطينيين استنتاج الدروس والوحدة والتماسك، فما يوحد هو الخيار الأفضل وما يفرق هو الخيار الأضعف، و أن يكون عدوهم متلوناً منافقاً فهذا ما يضعف مقاومتهم ويفرقهم بين راغب في المفاوضات وبين رافض لها، وبين من يتعامل بالسياسة والأولويات وبين من يتمترس عند الصرامة المبدئية، فيتمزق الدف و يتفرق الأحباب.
أما العدو الشرس الواضح في أهدافه وإجراءاته فهو ما يوحد الخصم في مواجهته، حيث لا خيار إلا خيار الاستمرار في الطرق على هذا الجدار المصطنع من فائض القوة الإسرائيلي، فانتصار المتعصبين لن يقوّي اسرائيل بل سيعمق أزمتها الوجودية.. وينتصر من يحتمل أكثر في لعبة عض الأصابع.