“ميّاسات” لبنان ورقصة القيامة من الرماد على خشبة هوليوود
الاستماع للمقال صوتياً
|
كتبت مرح البقاعي
وايتهاوس إن أرابيك – رسالة المحرّر
ليست الفنون ورعايتها حالة طارئة على المجتمع اللبناني. فبيروت كانت “مكّة” الأدباء والمثقفين والشعراء والفنانين والمستنيرين العرب، ممن قصدوها يوماً لينعموا بمناخ الحريات الاستثنائي الذي كان يحيطها من أركانها كافة.
الستينات والسبعينات من القرن الفائت شكّلا عقدان ذهبيان فريدان في عنق الصبية الجميلة بيروت، قبل أن ينقلب نورها إلى نار ورماد إثر اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975، والتي مازالت غلواؤها تضطرم حتى تاريخ كتابة هذه السطور، وتطال بعدوانها كل ما هو حيّ من شجر وبشر ومنشآت (انفجار المرفأ مثالاً على سلسلة المصائب التي تطيح بأي مشروع حياة في لبنان).
اليوم، وعلى خشبة مسرح أميركي هو الأشهر في العالم، تشعل راقصات لبنانيات بخصورهن المتمايلة المكان والفرح في العالم. وضمن البرنامج الأميركي الأشهر للمواهب الإنسانية 2022 America Got Talent، تفوز فرقة Mayyas اللبنانية في التصفيات النهائية بالمركز الأول وباستعراض حيّ هو من أجمل ماشهدته المسارح الأميركية كما تحدّث أحد حكّام المسابقة، إضافة إلى جائزة مالية قيمتها مليون دولار.
تعيدنا “ميّاسات” لبنان وجميلاتها في هارموني مشهديتها إلى مناخ بدايات السبعينات في بيروت – حاضرة الفن والجمال والثقافة في ذاك الوقت (فرقة كركلا مثالاً).
لكن، وفي مفارقة مذهلة تشبه التناقضات العجائبية التي يعيشها المواطن اللبناني المقهور كل طالع يوم، وبينما كانت صبايا الفرقة يتلقين تتويجاً جماهيرياً استثنائياً في أميركا، كانت صبية – لبنانية أيضاً – في بيروت – تحاول استرجاع أموالها المودعة والمنهوبة من مصرف تديره أيادٍ فاسدة كما كل مرفق لبناني في ظل الفساد الحكومي الجماعي، وتتمكن من دفع كلفة علاج شقيقتها المصابة بمرض عضال، وذلك بعد أن اقتحمت المصرف مهدّدة بمسدس “وهمي” في يدها.
بالرغم من المفارقة السوريالية بين الاستعراضيين: الأول على خشبة مسرح يونيفرسال هوليوود في ولاية كاليفورنيا، والثاني على خشبة مكتب في مصرف لبناني داسته أقدام الصبية التي اقتحمت المكان لاستعادة حقها المسلوب، فالحدثان يشكلان وجهي عملة واحدة لتناقضات التراجيديا اللبنانية التي لا تزول. والحدثان – على تناقضهما أيضاً – ينبئان أن شعب لبنان حيّ قادر على القيامة من رماده، وأن الجِيَف والزائلون منه هم سياسيّوه وحسب!