الاستماع للمقال صوتياً
|
خاص وايتهاوس ان أرابيك
بدأت العملية السياسية الحالية في العراق تسير في إتجاه معقد ومتعرج، وذلك في ظل تعنت القيادات الشيعية في إيجاد حلول للإنسداد السياسي، وبعد مرور أشهر على إجراء الإنتخابات المبكرة، لا يزال العراق يواجه أزمة على الصعيدين الدستوري والسياسي بين “حكومة أغلبية سياسية” يطالب بها “التحالف الثلاثي” “إنقاذ وطن” والذي يضم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم والحزب الديمقراطي الكردستاني “البارتي” مسعود بارزاني، ورئيس حزب “تقدم” محمد الحلبوسي، التحالف يشكّل نحو 180 مقعداً من أصل 329 مقعداً، وهو يعد الإئتلاف البرلماني الأكبر.
أما “الإطار التنسيقي” الذي يضم عدداً من الأحزاب الشيعية التقليدية، “إئتلاف دولة القانون” بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتيار “الحكمة” بزعامة عمار الحكيم والذي حصد مقعدين فقط في الإنتخابات الأخيرة تشرين/أكتوبر2020، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الفصائل المسلحة المنضوية ضمن إطار “الحشد الشعبي” من بينها “عصائب أهل الحق و”كتائب حزب الله” و”النجباء”، لكن مشروعها يتعدى حدود العراق، وتقدم نفسها على أنها جزء مما يعرف بمحور المقاومة المدعوم من إيران.
رفض “الإطار التنسيقي” فكرة الذهاب للمعارضة وشن حملات من الهجوم على “التحالف الثلاثي” ومشروعه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية.
“الإطار” اعتبر كذلك أن المشروع هو إقصاء لـ”المكون الاكبر”، إذ وصل الخلاف إلى حدّ التلويح بـ”حرب شيعية – شيعية” فيما لولم يتم تشكيل حكومة توافقية تضم كل عناصر البيت الشيعي والأحزاب التقليدية.
وظل حلفاء إيران متمسكون بضرورة العودة إلى تفاهمات “البيت الشيعي” أو ما أسموه بـ”إستحقاق المكون الأكبر” بالإشارة إلى المكون الشيعي الذي يمثل 60 % من التعداد السكاني.
ولم يتمكن التحالف الثلاثي “إنقاذ وطن” من حسم ملف الرئاسات الثلاث، ونجح “الإطار التنسيقي”، في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية .
ويعد عدم الاتفاق داخل “البيت الشيعي” سبب رئيسي للإنسداد السياسي الحالي، ومؤشرات التقارب بين “التحالف الثلاثي” و”الإطار التنسيقي” للقوى الشيعية تكاد تكون معدومة، وهو ما دفع عدداً من السياسيين والوزراء السابقين دعوى أمام المحكمة الاتحادية على الرئاسات الثلاث لحل البرلمان، نتيجة ما وصفوه بـ”الإخلال بالالتزامات وإدخال البلاد في فراغ دستوري”.
في المقابل، يبدو الوضع في “البيت الكردي” أفضل بعد التفاهمات الأخيرة بين الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان العراق (الحزب الديمقراطي الكردستاني “البارتي” وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني”اليكتي”)، حيث تضمنت الأيام الماضية تحركات عدة بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، في مسعى لإحداث تقارب لحسم ملف انتخاب رئيس الجمهورية.
وهو الحال نفسه في “البيت السني” الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً للتوافق والتفاهم بين عناصره في تحالف “السيادة”.
المعادلة الخارجية إيران أم الولايات المتحدة؟
مر العراق منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، بفترة من عدم الإستقرارفي أجهزة ومؤسسات الدولة، وهو ما منح الفرص لدول إقليمية كإيران، بإستخدام نفوذها العابر للحدود، وإعادة تشكيل هيئات ومؤسسات الدولة وفقاً لمصالحها.
ويعيد الانسحاب العسكري الأمريكي الأخير في العراق تشكيل الديناميكيات السياسية ليس فقط في العراق، ولكن أيضًا في الشرق الأوسط. من المتوقع أن يتم ملء الفراغ الناجم عن هذا الانسحاب من قبل العديد من الجهات الفاعلة، إذ يعد تدخل هؤلاء الفاعلين عبئاً على العراق والشعب العراقي، بينما يضعف جهود الحكومة الحالية لاستعادة دور البلد ومكانته تدريجياً.
لكن التدخلات الخارجية أثارت سخطاً شعبياً، ظهر في إحتجاجات تشرين/ أكتوبر 2019.
إذ من يرى ان إيران تسيطر على العراق من خلال المؤسسات غير الرسمية وواشنطن مؤثرة في الهيكل الرسمي للدولة.
وبالنسبة لأزمة تشكيل الحكومة وعامل التذخل الخارجي، يرى الدكتور عقيل عباس، الباحث والأكاديمي، أن “الولايات المتحدة لا تلعب دوراً مهما أو مؤثراً في قضية تشكيل الحكومة، بل أقصى ما تفعله انها تتحدث مع بعض الشركاء في إطار إعطاء نصائح وحثهم بإتجاهات معينة، فالولايات المتحدة تريد من الصدريين ان يشكلوا الحكومة وهى تدعم حكومة الأغلبية وتتصور أن هذا أفضل طريقة لضبط النفوذ الإيراني في العراق وتفكيك الفصائل ولكنها لا تستخدم نفوذها للضغط على شركائها”.
أما الطرف الثاني المؤثر أكثر من الولايات المتحدة، فيرى عباس في حديث لـ”وايت هاوس أن آرابيك” أن “إيران في البداية لم تحاول أن تتدخل في الأزمة، ثم بعد ذلك قررت التدخل لصالح فكرة التوافقية، ودعم “الإطار التنسيقي”.
هذه التجربة – كما يرى عباس – أظهرت حدود إيران الحقيقية في العراق، وأن قوتها وتأثيرها تراجع وأصبح غير مطلق وبالإمكان الرد عليه، وهو ما يعتبر أحد فوائد ما قام بيه التيار الصدري.
ويعتقد الباحث العراقي، أن “إيران ساهمت في تماسك (الإطار التنسيقي) وهى تشتغل عن طريق شركائها من الساسة الشيعيين وإلى حد ما الكرد، وبشكل عام تراجع الدور الإيراني ولم يعد كالسابق، وتحولت الدينامكيات العراقية أكثر تأثيراً في السياسة من الديناميكات والنفوذ الخارجي واعتقد هذا شئ جيد”.
واستبعد عباس إمكانية حدوث حرب أهلية،حيث أن الحرب الأهلية تحتاج قواعد شعبية بين الطرفين المتحاربين، وأن هذه القواعد تشعر بأن وجودها مهدداً والخلاف الشيعي الشيعي الحالي ليس كذلك ، و”الإطار التنسيقي” ليس لديه قواعد شعبية وهو غير قادر على الدخول في صراع مع التيار الصدري.
وبحسب المحلل العراقي، فإنه “في حال نجح التوافق الكردي – الكردي فإن ذلك سيضعف موقف زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وهو ما يعني أن خطوة التوافق الكردي لن تكون مُرحبة من قبل الصدر لان التوافق سيضعف موقفه شيعياً، ولكن الصدر ما تزال أمامه فرصة للكسب وفرص (التحالف الثلاثي) ما تزال قائمة من خلال النجاح في تفتيت (الإطار) أو إستقطاب عدداً من المستقلين.
من أقرب للتفكك “الإطار التنسيقي” أم “التحالف الثلاثي” ؟
مرت عدة أشهر على مفاوضات تشكيل الحكومة، راهن عدد من أطراف الأزمة على تفكك قوى “الإطار” ، وغازل الصدر عدداً من أعضاءِه بدعوتهم للإنضمام لحلف “الاغلبية الوطنية” وترك الآخرين للمعارضة.
لكن هذا لم يتم لعدم وجود ضمانات للقوى المعارضة بحماية نفوذها وهي خارج السلطة، وعدم تعرضها إلى ضربات من مركز النفوذ الجديد.
وعمدت الأطراف التي تفاوضت مع الصدر من داخل الإطار لسؤال عن الضمانات ودورها وحجمها داخل الحكومة، وضمانات أخرى للمعارضة فيما لو خرجت من السلطة.
وتتركز عقدة “الإطار” في عمق وسعة شبكة المصالح المترابطة بين أطرافه، والتي يبدو أن تفكيكها وتوزيعها بين السلطة والمعارضة بحاجة إلى جراحة كبرى داخل المنظومة الشيعية.
فهذه الشبكة تضم مستويات مختلفة من التواطؤ بين مسؤولين حزبيين في مراكز إدارية، ومشاريع استثمارية في القطاع الخاص، تحميها فصائل مسلحة تغذي وتتغذى من هذه الدورة المتحركة من المصالح.
ويرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور هيثم الهيتي أن “الإطار التنسيقي” هم مجموعة من القوى الموالية لإيران والمتورطة بأعمال عنف وإتهامات فساد وبالتالي تماسكها مبني على حماية نفسها والخوف من الحساب.
أما “التحالف الثلاثي” فهو تحالف ملون لايمتلك لون واحد ولا يمتلك خوف حقيقي ولكنه يجد أن الواقع السياسي العراقي وصل إلى مرحلة النهاية وإن البقاء مع قوى “الإطار” سوف يغرقون في زورق واحد، لذا هم يريدون إنقاذ البلاد وإنقاذ أنفسهم من هذا التورط.
وداخل “التحالف الثلاثي”يقف عدد من أطرافه في خصومة قاسية مع بعض أطراف الإطار، فالتيار الصدري لديه نزعات مريرة مع المالكي ومن الصعب أن يلتقوا في نقطة معينة ومن الصعب العودة إلى حكومة التوافق لانها ستكون نموذج مكرر، وذهاب مقتدى الصدر إلى المعارضة سيؤدي إلى نفور شعبي من أن يكون الإطار هو المتصدر للحكومة وممكن أن يؤدي إلى إنفجار وتحرك شعبي حيث أن الوضع وصل إلى نقطة اللا عودة وتكون تشرين جديدة.
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارتي) فقد تعرض إلى عدد من الصواريخ في أربيل من جانب قوى “الإطار”، وبالتالي لا يمكنه الذهاب يذهب مع “الإطار” الذي يمارس العنف ضد اربيل، لكن “البارتي” ممكن أن يغير موقفه حسب علاقاته الإقليمية، إذ أنه في حال حصوله على ضمانات واضحة من إيران بعدم المساس بأربيل وكردستان، فإن من المحتمل أن يذهب إلى حكومة توافق.
هنا، يعتقد الهيتي وهو كاتب وباحث مقيم في الولايات المتحدة، أن “الحلبوسي والتمثيل السني، يعد نقطة ضعف للتحالف حيث أنه لا يمتلك فكرة سياسية، بل هم مجموعة عشائر أكثر مما هم ممثلين للمجموعة السنة”.
ويقع خطر كبير على قوى “الإطار” في حال تشكلت حكومة أغلبية وطنية فـ”الإطار” يخشى أن يبدأ الحساب، فهناك ميزانيات قد فقدت في زمن نوري المالكي، هناك انتقام وثأر بين المالكي والصدر. بالإضافة لاحتجاجات تشرين 2019، التي رافقتها أحداث عنف، وعمليات قتل ضد النشطاء.
وتوقع الهيتي حدوث أحد السيناريوهات؛ فإما تحرك شعبي وعودة لمشهد الإحتجاجات بسبب سخط الرأي العام على تردي الأوضاع، أو حل يأتي من خارج المنظومة السياسية عن طريق حل البرلمان وتشكيل حكومة إنقاذ برعاية الأمم المتحدة.
استنساخ تجربة “الثلث المعطل”
أتجهت الأمور في العراق بعد الإنتخابات الأخيرة إلى “إستنساخ” التجربة اللبنانية في انتخاب رئيس الدولة وتشكيل الحكومة، والتي كانت بدعة للمليشيات المحسوبة على إيران في لبنان.
وأعلن رئيس “إئتلاف دولة القانون” نوري المالكي منذ عدة أشهر، بأن” الإطار التنسيقي” وحلفاءه سيتمسكون بـ”الثلث الضامن”.
وجاء تفسيرالمحكمة الإتحادية فبراير/شباط الماضي للمادة (70) من الدستور، بإنتخاب رئيس الجمهورية في مجلس النواب بأغلبية ثلثي مجموع عدد اعضاء مجلس النواب الكلي، حيث يتطلب توفر ما لا يقل عن (219) نائبا من أعضاء مجلس النواب الكلي (329) نائبا، وهو ما يجعل من قوى “الاطار التنسيقي” ان تطرح مشروع “الثلث المعطل” في قبال مشروع “الأغلبية الوطنية”.
ويرى مدير “المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية” والدبلوماسي السابق، الدكتور غازي فيصل، أن “الثلث المعطل الذي يضم تنظيمات لأحزاب شيعية تقليدية، يحاول أن يستعيد هيمنة هذه الأحزاب على النظام السياسي عبر الحديث عن الكتلة الشيعية الاكبر” و حق المكون الشيعي في تشكيل الحكومة”.
هذا الادعاء – بحسب غازي – “يمثل انتهاكا للدستور، لأن الدستور ذكر الكتلة الأكبر سياسياً، وهى التي تنضوي تحتها الأحزاب الوطنية العراقية وليس المكونات”.
ولكن هزيمة تنظيمات “الإطار التنسيقي” في الإنتخابات الأخيرة، دفعها إلى الإنضمام ككتلة واحدة تسمي “الثلث المعطل”، ومقاطعة جلسات مجلس النواب يعد انتهاك اخر للدستور وإخلال بمهمة أعضاء مجلس النواب.
وإذ يفترض أن يتم إحترام الدستور واحترام أجندة وتوقيتات إنتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ولكن تعطيل جلسات البرلمان يعني تعطيل العملية السياسية بهدف فرض شروط “الإطار التنسيقي” وفرض نظام المحاصصة الطائفية التي قادت البلد إلى الفساد المالي والسياسي وإنتشار الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات. يقول
وتحدث فيصل لـ”وايت هاوس أن آرابيك” عن إحتمالات قائمة لوجود إقتتال شيعي- شيعي في ظل وجود 25 مليون قطعة سلاح تنتشر بين العشائر وبين التنظيمات والكتائب المسلحة، مع 34 كتبة مسلحة ترتبط بالحرس الثوري الإيراني و”فيلق القدس”، مع دعم لوجستي واستخباراتي، وتلك التنظيمات ترتبط مباشرة بقم والمرجع علي خامنئي.
واعتبر الباحث العراقي، أن التعبئة التي أعلن عنها الصدر لميليشيا “سرايا السلام”هى نوع من الردع للقوى الأخرى.
ويرى فيصل، أن “حل الأزمة بشكل تام، يكمن في وجود تنازلات حقيقية، ولكن بقاء “الإطار التنسيقي” متشبثاً بنظام المحاصصة، وفرض شروطه وعدم تقديم، أى تنازلات سيتسبب في الوصول إلى طريق مسدود، في ظل وجود حوالي 15 مليون شاب عراقي يعاني من البطالة، و11 مليونا تحت خط الفقر، و 4 مليون يعيشون في مناطق عشوائية تحت ظروف قاسية و 6 مليون طفل يتيم بسبب الحروب و2 مليون أرملة، بالإضافة إلى انتشار الأمية”.