رسالة المحرّر

“جَزّار سوريا” لقيادة معركة دونباس

رسالة المحرّر - مرح البقاعي

الاستماع للمقال صوتياً

حاملاً سِجلّه الدموي الثقيل وما عُرف عنه من وحشية مارسها ضد المدنيين في سوريا واستهدافه المتعمّد للمدن المأهولة هناك، ينتقل الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف إلى قيادة العمليات العسكرية ضد أوكرانيا، ما يشير إلى تصميم الرئيس بوتين على ارتكاب المزيد من المجازر والترويع للمدنيين في شرق أوكرانيا محاكياً السيناريو الذي نفّذ جنرالاته فصول جرائمه في سوريا.

دفورنيكوف المعروف باسم “جزار سوريا” سيقود العمليات البرية في إقليم دونباس، ما يعني أن بوتين يخطط لحرب تستمر أشهراً وربما سنوات إثر فشله في إنجاز مهمته الأساس في أوكرانيا – كما كان يعتقد – في بضعة أيام فقط تسقط فيها العاصمة كييف وينتهي أمر حكومة زيلينسكي.

إلا أن الرياح جرت بعكس ما تشتهي سفن بوتين، فالصمود الذي أبداه الأوكرانيون، قيادة وشعباً، أزهقت أحلام بوتين بتكرار سيطرته على أوكرانيا إثر سوريا؛ إلا أن بوتين سيتابع مع الجنرال “الجزار” سياسة الأرض المحروقة في محاولة لكسر معنويات الشعب الأوكراني وتسوية مدن أوكرانية كبرى بالأرض كما فعل في مدينة حلب السورية.

أما الفارق الأساس بين الحالتين السورية والأوكرانية فهو أن في دمشق نظاماً مستبدّاً استقوى على شعبه بالجيش الروسي، بينما في كييف زعيم شعبي سيدخل التاريخ بوقفته النبيلة والشجاعة لحماية بلاده من غزو واحد من أعتى الجيوش في العالم، ومن رعونة أكثر الرؤساء غطرسة.

توصيف الحرب الشعواء التي شنتها موسكو على سوريا لم يأت من الإعلام الغربي “المعادي” كما تدعي دائماً الدبلوماسية الروسية، جاء على لسان وزير الدفاع الروسي، سيرجي شويغو، وعلى صفحات صحيفة فيدومموستي الروسية حين صرّح لها في العام 2016 بأن “الجنرال دفورنيكوف أشرف على حملة جوية روسية في سوريا نفذت فيها أكثر من 9000 طلعة قصف مباشر لمواقع (المتمردين) في المدن”.

القراءات العسكرية والميدانية لتعيين الجنرال دفورنيكوف تشي بعودة قيادة الغزو الروسي لأوكرانيا إلى الجيش مباشرة إثر الخسائر الفادحة التي مُنيت بها القيادة الأولى للغزو، والتي يتبدّى الآن بالبرهان أنها كانت تنحصر في قبضة بوتين وزمرة حلفائه من ضباط المخابرات الروسية السابقين الذين أداروا المعارك من وجهة نظر أمنية بحتة. ومع فشلهم الكبير، وجد بوتين أنه قد آن الأوان لإعادة زمام القيادة للجيش الروسي لرسم معاركه على طريقته التي نشأ وتدرّب عليها في القتال.

إلا أن كييف التي بدأت بتسلّم الدفعة الأولى من أسلحة الدفاع الجوي ومضادات الطائرات من سلوفاكيا، وبمباركة وقبول أميركي حسب البيان الذي أصدره الرئيس بايدن في هذا الشأن، قد تتمكّن من إحباط القيادة الجديدة للحرب كما أحبطت القيادة المخابراتية الروسية من قبلها.

دفورنيكوف الذي كلن القائد الروسي الأول للحرب على سوريا، والذي منحه بوتين جائزة بطل الاتحاد الروسي، قد تفوّق فعلاً في قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء بواسطة إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين السوريين العزل، واستخدام الغاز السام ضدهم. وما الفظائع التي ارتكبت في حق المدنيين الأوكرانيين، والتي تم الكشف عن بعضها إثر أن استعادت القوات الأوكرانية بلدة بوتشا بالقرب من العاصمة كييف حيث نقل شهود العيان من السكان الناجين من المجزرة الكبرى عمليات القتل التعسفي والترهيب والنهب على أيدي الجنود الروس في الأسابيع الخمسة التي خضعت فيها البلدة لسيطرتهم، إلا توأمة لحال مدينتي حلب وبوتشا الشهيدتين والشاهدتين على العنف غير المسبوق الذي يمارسه بوتين وحلقته الضيقة في موسكوعلى المدنيين.

مرح البقاعي

مستشارة في السياسات الدولية، صحافية معتمدة في البيت الأبيض، ورئيسة تحرير منصة .’البيت الأبيض بالعربية’ في واشنطن
زر الذهاب إلى الأعلى