أوبرا وينفري جوهرة الإعلام السوداء
الاستماع للمقال صوتياً
|
امرأة عصامية وطموحة غيّرت وجه الإعلام إلى الأبد
من بلدة ريفية صغيرة في ولاية الميسيسيبي الأميركية بدأت رحلتها بإصرار وجدية والتزام بالعمل، نحو عالم النجومية المطلقة التي لم ينافسها عليها أحد، لتتربع على عرش امبراطورية الإعلام الأميركي ثم العالمي وتغدو محبوبة الجماهيرعلى امتداد الكرة الأرضيةبقاراتها الخمس.
حاورت في برامجها التلفزيونية الشهيرة آلاف من مشاهير العالم وسياسييه، وبكت بحرقة وهي تقف في الصف الأول حين أعلن أوباما للشعب الأميركي نجاحه في انتخابات العام 2008 وهي التي ساهمت بكل إمكاناتها الإعلامية والمادية في دعم حملته الانتخابية للرئاسة، بينما وقفت على طرف النقيض من الرئيس الحالي، دونالد ترامب. و قد عارضت بقوة وصول ترامب إلى سدة الحكم، ومن هذا المنطلق تسود الشائعات حول ترشحها لانتخابات 2020 فقط لتلحق به الهزيمة.
إنها أوبرا وينفري الإعلامية والممثلة والمنتجة والناشطة في مجال حقوق الإنسان والثرية العصامية التي صنعت ثروتها بعد فقر شديد بالعمل والعمل فقط. فقد أطلقت شركات كبرى برساميل تقدّر بمئات الملايين من الدولارات تختص بالإنتاج الفني والإذاعة والتلفزيون.هيصاحبة البرنامج الحواري طويل العمر الذي ابتدأته حاملاً اسمها: “أوبرا وينفري شو” وذلك في العام 1986، وانتهت من تقديمه في العام 2011 حيث أعلنت عن افتتاح قناتها التلفزيونية الخاصة وشبكتها الإعلامية وأطلقت عليها الأحرف الأولى من 3 كلمات هي أوبرا وينفري نيتوورك، فجاءت المجموعة باسم “او. دابليو.ان”.
عن بدايات أوبرا وينفري
مسقط رأس أوبرا وينفري كان في قرية صغيرة تقع ضمن مقاطعة كوسيوسكو من ولاية ميسيسيبي بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير للعام 1954. عاشت وينفري مع والدتها لفترة قصيرة، ثم انتقلت للعيش مع والدها في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي حيث كان يعيش هناك منفصلاً عن والدتها ويعمل حلاقا وصاحب أعمال حرة. التحقت وينفري بجامعة تينيسي، بينما بدأت رحلتها المبكرة في عالم الإعلام والشاشة الفضية من خلال عملها مذيعة في راديو وتلفزيون ناشفيل أثناء تحصيلها الجامعي.
رحلتها الثانية في الإعلام كانت انطلاقاً من مدينة بالتيمور الساحلية في ولاية ميريلاند حيث انتقلت للعيش هناك في العام 1976، وقدمت برنامجها الحواري الذي كان بداية لشهرتها الإعلامية وحمل البرنامج اسم “الناس يتحدثون” أو “ذا بيبل توكينغ”. استمر عرض البرنامج بنجاح كبير مدة ثماني سنوات. بدأت نفري تلفت أنظار المنتجين التلفزيونيين وحصلت على عرض من قناة شيكاغو حيث قدمت برنامجاً صباحياً اسمه “ايه. أم. شيكاغو”. وخلال أشهر عديدة، وبسبب أسلوبها المتميز في الحوار مع ضيوفها الذي يتّسم بالأسئلة الذكية وغير المحرجة أو الاستفزازية، وبذائقة الانصات لحديث الضيف لإفساح أكبر فرصة له على الهواء مباشرة للحديث عن كل ما يجول بخاطره من أفكار تحاوره في موضوعها، وكذا لفكرها الليبرالي المنفتح الذي يرفض العنصرية والتمييز ويدعو إلى تمكين المرأة والفئات المجتمعية الأكثر ضعفاً في المجتمع، بسبب تلك الأفكار مجتمعة تمكنت من أن تنجح في جذب الآلاف من المشاهدين، وانضم إلى برنامجها مائة ألف متابع دفعة واحدة، ما دفع بالبرنامج قدماً إلى أعلى درجات سلم التصنيف التلفزيون للبرامج الأكثر مشاهدة، وبذلك تجاوزت منافسها الذي كان في الوقت عينه مثالها التلفزيزني المفضل وهو الإعلامي الشهير فل دوناهيو.
وينفري في العمل العام ودعم الطفولة
أوبرا وينفري ناشطة مساهمة في حقوق الإنسان وخاصة حقوق الطفل. قدّمت وينفري مشروع قرار اقترحته على الكونغرس الأميركي يهدف إلى تأسيس قاعدة بيانات وطنية تتضمن أسماء جميع المحكومين بجرائم الاعتداء على الأطفال أو إيذائهم سواء جاء الأذى جسدياً أو نفسياً. كما قامت وينفري بتأسيس منظمة غير ربحية أطلقت عليها اسم “عائلات من أجل حياة أفضل” تعنى بدعم العائلات التي تحتاج إلى الدعم المجتمعي، مع التركيز على تحسين ظروف الأطفال في العائلات المحدودة الدخل، وتلك التي تعاني من مشكلات معينة، وذلك بهدف تيسير حياة الأطفال وتأمين التحاقهم بالمدارس واندماجهم في مجتمعاتهم.
في العام 2002 حازت وينفري على جائزة بوب هوب الإنسانية التي تمنحها أكاديمية الفنون والعلوم التلفزيزنية، وهي جائزة قيّمة كانت وينفري أول من حصل عليها مكافأة وتقديراً لجهودها في أعمال الدعم الإنسانية والمجتمعية وفي مقدمتها اهتمامها بالطفل ودعم حاجاته ومستحقاته على مجتمعه.
من هذا المنطلق استضافت وينفري مؤخراً في دعوة خاصة المخرجة اللبنانية نادين لبكي لإعجابها الشديد بفيلمها “كفرناحوم” الذي يصوّرحياة طفل لاجئ سوري في مخيمات اللجوء بلبنان، ويعكس معاناته مع أفراد عائلته في ظروف حياتية قاسية ومؤلمة. ولدعم الفيلم ومخرجته، نشرت وينفري صورة لها مع المخرجة لبكي وزوجها المنتج خالد مزنر، ودعت متابعيها – وهم بالملايين – إلى مشاهدة الفيلم الذي أعجبت به كثيراً حسب ما قالت وشاهدته لأكثر من مرة. كما صرّحت للصحافيين بعد دعوة الغداء التي استضافت فيها لبكي وزوجها قائلة: “لا يمكنني التوقف عن التفكير في هذا الفيلم منذ أن شاهدته.. لم أكن أعلم أن أبطال الفيلم هم شخصيات واقعية”.
الجدير بالذكر أن قصة الفيلم تدور حول الطفل اللاجئ الذي يطلب من المحكمة مقاضاة أهله ومنعهم من إنجاب الأطفال لأنهم غير قادرين على تحمّل مسؤولية تربيتهم وتأمين حياة كريمة وعادلة لهم.والفيلم ترشّح لجائزة “غولدن غلوب” العالمية بعدعرضه ضمن مجموعة أفلام “مهرجان كان” السينمائي في فرنسا للعام 2019.
وينفري وعالم السياسة
خلال برنامج تلفزيوني على قناة بلومبرغ استضاف وينفري، سؤلت إذا ما كانت تفكر بالترشح للانتخابات الرئاسية في العام 2020 فأجابت :”لم يسبق أن فكرت في هذا الأمر من قبل”. إلا أن المستثمر الشهير، ديفيد روبنشتاين، وهو من وجّه إليها السؤال في البرنامج، قام بدوره بتفسير سبب توجيهه هذا السؤال غامزاً من قناة نجاح ترامب في انتخابات 2016 وهو لا يملك الخبرة السياسية، وكان رجل أعمال وحسب لم يسبق له تولي أي منصب سياسي قبل ترشحه، حيث قال روبينشتاين لوينفري: “من الواضح أنك لن تكوني بحاجة إلى خبرة في الحكم ليتم انتخابك رئيسة للولايات المتحدة!”.
أما وينفري فلم تنفي و لم تؤكد هذا الأمر وقالت في إجابتها على مداخلة روبنشتاين خلال البرنامج التلفزيوني: “نعم، لقد قلت في وقت ما أني لا أمتلك الخبرة أو المعرفة الكافية للترشح لهذا الموقع، أما الآن فإني أراجع نفسي وأتساءل عن إمكانية هذا الأمر”. وهكذا تكون وينفري قد تركت جمهورها العريض يترقب بشغف ما إذا كانت ستترشح عن الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020 بهدف هزيمة دونالد ترامب ومنعه من الاستمرار في البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة.
نشاط وينفري في السياسة حديث العهد يعود إلى العام 2007 حين شاركت في الحملة الانتخابية للمرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي، باراك أوباما. ومن موقعها وشهرتها وحب الناس لها،استطاعت أن تستقطب إلى حملتها الداعمة لأوباما حشوداً هائلة من محبيها ومريديها من الشعب الأميركي. وبهدف حشد أوسع دعم جماهيري لأوباما انضمت إليه في العديد من المسيرات التي نظمتها حملته ضمن فعاليات السباق الرئاسي في عدة ولايات منهاولايات أيوا وهامشاير وكارولينا الجنوبية، وكانت هي المرة الأولى التي تشارك فيها وينفري في حملة انتخابية لمرشح سياسي.
كان الحدث الأكبر لمشاركتها في حملة الرئيس الأسبق في جامعة كارولينا الجنوبية، حين تجمّع ما يقارب 29 ألف مؤيد لأوباما،وتحولت المدرجات الرياضية في الجامعة إلى ساحة كبيرة للاستماع إلى أفكار وحاجات الجماهير المحتشدة، وماذا يتوقعون من الرئيس القادم لأميركا. وقد خطبت وينفري في الجماهير المحتشدة قائلة: “لقد حلم الدكتور مارتن لوثر بهذا اليوم، لكن علينا نحن ألا نكتفي بالحلم بعد الآن، بل يجب علينا أن نحوّل الحلم إلى حقيقة من خلال دعمنا لهذا الرجل – أوباما الذي لا يعرف من نحن وحسب، بل يدرك تماماً ما يمكننا أن نكون عليه في المستقبل”.
عن المال والأعمال والجوائز التقديرية
أوبرا وينفري هي أغنى امرأة أميركية من أصول أفريقية في القرن العشرين، والمليارديرة الوحيدة ذات البشرة السوداء لثلاث سنوات متتالية حسب تصنيف مجلة “فوبز”. أما مجلة “لايف” فقد صنفتها على أنها المرأة الأكثر تأثيراً بين بنات جيلها. ولأنها قدمت من خلال إحدى شركاتها مبلغ 51 مليون دولار للأعمال الخيرية، بما يتضمن تعليم البنات في جنوب أفريقيا، وتقديم المساعدات اللازمة لضحايا إعصار كاترينا في حينه، فقد صنفتها مجلة “بيزنس ويك” في العام 2005 كأعظم فاعل خير في التاريخ الأميركي.
لأوبرا مساهمات هامة ومفصلية في الثقافة الأميركية حيث ساهمت في عالم النشر عن طريق إطلاقها لمشروعها “أوبرا بوك” أو بترجمته العربية “كتاب أوبرا”، والذي يعنى بالنشر للكتّاب غير المعروفين، ما دفع بمؤلفات الكثير من الموهوبين منهم – لكن المغموين – إلى قائمة الأكثر كتب مبيعاً في الولايات المتحدة. كما أن وينفري كانت من المؤسسين لشركة “أوكسجين ميديا” والتي هدفت منها إلى إنتاج برمجيات الإنترنت للنساء.
في شهر تشرين الثاني/نوفمبر للعام 2013 تم تقليد أوبرا وينفري أعلى رتبة شرف مدنية في الولايات المتحدة، وهي الميدالية الرئاسية للحرية، تسلّمتها من الرئيس باراك أوباما تقديراً منه ومن الدولة والمجتمع الأميركي لمساهماتها وفعالياتها الوطنية التي غيّرت حياة الملايين في أميركا والعلم نحو الأفضل، وأتاحت مئات الفرص للمستحقين والموهوبين في العالم.