الاستماع للمقال صوتياً
|
على الرغم من عدم إطلاق الإدارة الأمريكية أية إشارات توحي بانسحاب قريب من شمال شرقي سوريا، إلا أن الجهود الروسية لإحياء وتسويق النظام السوري من جديد عبر بوابة “التطبيع” العربي مع الأسد، إلا أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان والقوات القتالية من العراق فتح شهية الأطراف المتربصة للسيطرة على شرق الفرات، متأملين أن يتم ذلك قريبا وسريعاً ليتم لها ملء الفراغ الذي سيحدثه الانسحاب والانقضاض على الوجود الكردي في أرضه التاريخية.
لم تتفق الباحثة ومستشارة السياسات الدولية في واشنطن، مرح بقاعي، مع ما ذهب إليه السفير الأمريكي السابق إلى سوريا فورد والذي عبّر في أكثر من مناسبةٍ بأنّ الوجود الأمريكي في شرق الفرات مؤقت وربما قريب من نهايته.
ولفتت بقاعي بدايةً أنّها لا تعتقد أنّ القوات الأمريكية ستغادر شرق الفرات ” لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد”، وأنّ هذا بالطبع يعود لأسباب عديدة، أولها انسحابها بشكلٍ شبه كامل من العراق، ولم يبقَ لها قوات باستثناء شرق الفرات، وهذه القوات ستساعدها على أن تكون متواجدة لأي طارئ سواءً ما يتعلّق بمهامها في التحالف الدولي لمحاربة “داعش” أو على المستوى الاستراتيجي حتى إيجاد حلٍّ سياسي في سوريا أو في العراق. ستكون موجودة حتى ولو بأعداد قليلة أكثرها من الخبراء في شرق الفرات، “لذلك من هذه الناحية لا أجد أنّها ستنسحب الآن على الاطلاق”، من ناحيةٍ أخرى هي شراكة القوات الكُردية مع الولايات المتحدة الامريكية ومجلس سوريا الديمقراطيه المتواجدة في المنطقة والإدارة الذاتية ايضاً، وهناك نوع من التفاهمات البعيدة المدى وهناك تمويل لمشاريع اجتماعية وتنموية عديدة، فأمريكا لن تترك هذه الشراكة وتنكفئ دون متابعة. مشهورٌ عن الأمريكيين أنهم يتابعون عن كثب المشاريع التي يموّلونها ويعملون على إنجاحها وايصالها الى الهدف الذي وجدت من أجله مع الجهات التي تبرّعت لهم لإقامة هذه المشاريع .
ثالث الأسباب التي علّلت بها بقاعي اعتقادها ووجدته “الأهم” فيتعلّق بالوضع في سوريا وتضارب المصالح بين القوى الموجودة سواءً كانت الميليشيات الإيرانية أو قوىنظامية كحالة روسيا، هذا كله “يترك الأمريكيين يفكّرون أكثر من مرة قبل أن ينسحبوا ويتركوا الفراغ لمن يملؤه سواءً كانت إيران أو روسيا، الذي لا تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية انه يجب أن يمتدّ نفوذها أكثر من ما هو ممتدّ على مناطق معينة في سوريا”.
مضيفة “لذا لن تنسحب أمريكا قبل تحقيق أمرين وهما خروج الإيرانيين وميليشياتهم بشكلٍ كامل من سوريا، وأيضاً الوصول إلى اتفاقٍ سياسي يضمن حق الشعب السوري ويضمن أهداف الثورة التي ناصرتها الولايات المتحدة منذ أوّل يوم“.
انسحاب “مخزي”.
الانسحاب الأميركي المفاجئ من أفغانستان وتدريجياً من العراق فتح باب التكهنات والقراءات المختلفة لمستقبل وجود قواتها في سوريا، وإذا ما يمكن اعتبار الانسحاب سمةً إستراتيجية لإدارة بايدن ، وبالتالي على جنودها في سوريا أن تتحضر للرحيل.
إلا أنّ بقاعي وجدت أنه “انسحاب مخزي” للحكومة الأمريكية ولإدارة بايدن ، بل رأت أنّ هذه الخطوة “أثّر بشكلٍ كبير على شعبية الرئيس بايدن وإدارته هنا في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم أيضاً، كما كان درساً قوياً جداً للولايات المتحدة على أن لا يتكرّر بالطريقة نفسها“.
لم تغفل المستشارة عن الإشارة إلى أنّ الأمريكيين يريدون أن تعود كلّ قواتهم وجنودهم إلى أهلهم وبلدهم، وأنهم لا يريدون حروباً أو مزيداً منها في الشرق الأوسط، مستدركة ” بأنّه إذا كانت هناك حاجة لبقائهم بالطبع سيكونون موجودين، فدرس أفغانستان تعلّم منه الأمريكيون كثيراً ولن يكون هناك سحب عشوائي قادم من أي منطقه من العالم دون ترتيب الأوضاع الأمنية وضمان استقرارها وحل المشاكل العالقة ومراعاة جميع الأمور التي من شأنها أن لا تؤدّي إلى كارثةٍ أخرى أمنية وإنسانية كما حدث في أفغانستان ، إذاً ما انسحبت أمريكا من أيّ موقع لها في العالم. “.
وجود استراتيجي
ختمت الباحثة حديثها بالقول “أعتقد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعرف الآن أنّ وجودها في سوريا هو وجود استراتيجي، أوّلاً من أجل حماية المنطقة من أي تهديد سواءً كان ايرانياً أو روسياً أو تهديداً بعودة خلايا داعش وجميعنا شهدنا ما حدث في سجن الحسكة – سجن معتقلي تنظيم داعش الإرهابي – مما يعني بأنّّ هناك تهديد مستمر من هذه القوى الظلامية وخلاياه النائمة، لذا ليس من الممكن ترك المكان مفتوحاً لعودة تنظيم الدولة الإسلامية الذي بدأ في العراق وامتدّ إلى سوريا حتى أصبح مركزه الرئيسي، وتمّ القضاء عليه بالتعاون بين التحالف الدولي والقوات الكُردية الموجودة على الأرض، لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة الأمريكية لعودة هذه الظاهرة، والأن وجود أمريكا اكثر أهميةً من أي وقتٍ مضى بعد أحداث سجن الحسكة.”.
لا تزال القوى الحليفة لإيران و من خلفهم طهران تسعى بمختلف الطرق العسكرية والسياسية لإنهاء أي شكلٍ من وجود القوات الأمريكية في العراق وفي سوريا وحتى كامل الخليج العربي، سعي يتقاطع مع رغبة تركية فيما يخصّ الجانب السوري -على الأقل- تتجلّى في الخطابات والتهديدات المباشرة أو عبر أذرعها من فصائل امتهنت التغيير الديمغرافي في الجغرافية الكُردية التي وقعت تحت براثنها، فيما تتأمّل دمشق هي الأخرى حدوث هكذا انسحاب لتنقضّ هي الأخرى على ما قد يسمح لها من كعكة شرق الفرات.
في الأثناء كانت ولا تزال الضريبة تُدفع من قبل المدنيين المتخوّفين من تهجيرٍ جديد وتبعات غياب حل سياسي وطني مع إيمانهم بعجز جميع القوى السياسية الموالية والمعارضة ضمان أيٍّ من حقوقهم، فيما لو يُسلب منهم حتى حق الحياة.
المادة منشورة في جريدة يكيتي العدد 294