الاستماع للمقال صوتياً
|
تكاد تكون الشخصيات القيادية التي تتصدّر المشهد السياسي الأميركي في الفترة الرئاسية الحالية للرئيس جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس، بمعظمها، قد شغلت مناصب موازية في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ويستعيدها بايدن اليوم في تشكيلته الحكومية وضمن الوكالات الأمنية والقومية،
منصب المبعوث الرئاسي الخاص للملف الإيراني جاء من نصيب روبرت مالي، الذي تمت المصادقة على تعيينه ليتسلّم الملف الأكثر تعقيدا وخطورة، ليس فقط بالنسبة إلى البيت الأبيض، بل لحكومات وشعوب العالم التي تتأثر سلباً بطموحات إيران في العسكرة النووية، وبتحركات ميليشياتها المسلحة العابرة للحدود والمصنفة أميركيا على أنها منظمات إرهابية.
فمن هو روبرت مالي الذي يقود اليوم الفريق الأميركي إلى مفاوضات فيينا النووية التي تسير على أرض وعرة وملغّمة، وقد تنتهي بإعلان الفشل التام في التوصل إلى اتفاق في نهاية هذا الشهر حيث السقف الزمني لتلك المفاوضات يبلغ أقصاه؟
روبرت مالي محام أميركي، وخبير وباحث سياسي متخصّص في حل النزاعات الدولية. ولد في العام 1963 لأب صحافي يهودي من أصل سوري ومصري المولد والنشأة، سايمون مالي، وقد كان شيوعي الهوى ومؤمنا بحركات التحرر التي نشأت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بما فيها الحركات الفلسطينية. أما والدته، باربرا سيلفرشتاين، فهي من سكان نيويورك، عملت مع وفد الأمم المتحدة لجبهة التحرير الوطني الجزائرية. في العام 1969، نقل مولي الأب عائلته، بمن في ذلك ابنه روبرت، إلى فرنسا، حيث أسس المجلة اليسارية “أفريكاسيا” التي عُرفت في ما بعد باسم أفريقيا – آسيا. عاشت عائلة مالي في فرنسا حتى العام 1980، عندما أمر الرئيس الفرنسي آنذاك، فاليري جيسكار ديستان، بإبعادها من فرنسا إلى الولايات المتحدة بسبب العداء الذي يكنّه سايمون مالي للفكر الرأسمالي الغربي ولإسرائيل.
أما الابن، روبرت مالي، الذي شبّ في الولايات المتحدة، فقد تدرّج في العمل السياسي إلى أن تبوأ منصب مساعد خاص للرئيس بيل كلينتون، للشؤون العربية الإسرائيلية، كما كان عضوا في فريق السلام الأميركي وساهم في تنظيم قمة كامب ديفيد في العام 2000. وعند وصول الرئيس جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض في العام 2001، غادر العمل الحكومي ليتفرّغ للعمل الأكاديمي البحثي، وأصبح مديرا لبرنامج شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “مجموعة الأزمات الدولية” للدراسات. إلا أنه عاد للعمل ضمن الإدارات الأميركية الرسمية بدعوة من أوباما، ليتسلّم منصبا رفيعا في مجلس الأمن القومي مستشارا للرئيس في ملف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج، ثم بصفة المسؤول عن ملف داعش في المجلس في الفترة 2014 – 2017، وفي العام 2015 حيث كان يشغل منصب المفاوض الرئيس ضمن المجموعة الدولية 5+1 التي أنجزت الاتفاق النووي مع إيران، والذي حمل اسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”.
موقف مالي من إيران واضح، فهو المدافع القوي عن التقارب مع الجمهورية الإسلامية، ناهيك عن كونه من أشد معارضي إستراتيجية الضغوط القصوى التي اتبعتها الإدارة الأميركية في عهد ترامب ضد إيران. وكان مالي قد وقف بشدة ضد عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده، وعارض الشروط الـ12 التي أقرها وزير الخارجية الأسبق، مايك بومبيو، لرفع العقوبات عن طهران.
ونظرا لهذا التوجّه الذي عُرف به مالي، تتردد الكثير من الأسئلة عن مستقبل السياسة الأميركية في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والعقوبات الأميركية على طهران، وكذلك الموقف من التخصيب النووي ذي الأهداف التسلحية، ومن الدعم المتواصل للميليشيات المنظمة التي يموّلها ويديرها الحرس الثوري الإيراني.
بايدن يواجه تحديات حقيقية قد تعيق عودتها إلى اتفاق العام 2015 دونما شروط إضافية. أهم هذه المعوقات تأتي من معارضة قوية للحزب الجمهوري الأميركي لعودة غير مشروطة إلى اتفاق غير متكامل كانت واشنطن قد انسحبت منه في العام 2018، إلى جانب معارضة بعض أطراف الحزب الديمقراطي، وكذلك عدد من الدول الأوروبية، والخليجية، والإقليمية، وفي المقدمة إسرائيل. إلا أن إدارة بايدن قد تستغل الشروط الصعبة التي وضعها ترامب من أجل الحصول على تنازلات جوهرية وعميقة من طهران، خاصة في ما يتعلق ببرنامجها للصواريخ البالستية وسياساتها الإقليمية الرامية إلى تقويض الاستقرار في دول الجوار، وفي الشرق الأوسط عموما.
ومن اللافت أن موقف مالي من نظام الولي الفقيه، والباب الذي تركه مواربا من سياسات طهران الخارجية، يتناقض مع ما سجّله عن مشاهداته للوضع في اليمن حين زاره في العام 2019 على رأس وفد من الباحثين الأميركيين ضمن “مجموعة الأزمات الدولية” غير الحكومية. وقد صرّح حينها قائلا “إن الميليشيات الحوثية تبني شيئا مشابها لدولة بوليسية ظهرت ملامحها من خلال قبضتها المحكمة على صنعاء”، منوها إلى أن “المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون تشهد حالة من البؤس يمتد إلى ما هو أبعد من تصنيف الأمم المتحدة للأزمة الإنسانية في اليمن كأسوأ أزمة إنسانية عرفها العالم”.