الاستماع للمقال صوتياً
|
إثر أسبوع اعتُبر الأسوأ بالنسبة لإدارة بايدن، يواجه البيت الأبيض أزمة سياسية جديدة تجسدت في تصريحات الرئيس الأوكراني وكبير الدبلوماسيين الأوكرانيين، وترافقت بحملة مريرة من الانتقاد من قبل أعضاء الكونغرس.
فلقد صرح الرئيس بايدن في مؤتمر صحفي بمناسبة مرور عام على رئاسته، إن “روسيا ستحاسب إذا غزتها”. لكنه ترك الباب مفتوحا لبوتين كي يفعل ما يكون أقل من الغزو السافر، عندما أشار إلى أن ردع الولايات المتحدة “يعتمد على ما تفعله روسيا، إذا كان توغلاً بسيطا عندها سنجد أنفسنا نختلف حول ما يجب أن نفعله أو لا نفعله، وما إلى ذلك”.
ولّد هذا التصريح إحباطاً كبيرا في كل من أوروبا وفي أوكرانيا بشكل خاص. ذلك أن الدوائر الاستراتيجية الأوروبية والأمريكية لا ترجح بالأصل قيام روسيا بغزو سافر على نمط غزوها لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، بل ترجح أغلب التقديرات بقوة أن يلجأ بوتين لهذا الغزو باستخدام ميليشيات غير رسمية لا ترفع العلم الروسي، وتدعي أنها قوى أوكرانية معارضة، أو أن تسمح روسيا للقوات الموالية لها في دونباس بقضم المزيد من شرق أوكرانيا، أو أن تقوم القوات الروسية ب “اختراقات محدودة” من الشمال – عبر بيلاروسيا أو من الشرق.
من حيث المبدأ فإن كل هذه السيناريوهات المرجحة تندرج فيما وصفه الرئيس بايدن بأنه “يعتمد على ما تفعل روسيا” و”عندها سنجد أنفسنا نختلف على ما يجب القيام به”.
وكان تعبير أوكرانيا وأوروبا عن قلقهم من الموقف الأمريكي سريعا. حيث غرد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على تويتر صباح الخميس: “نريد أن نذكر القوى العظمى بأنه لا توجد غزوات طفيفة، تماماً كما أنه لا توجد إصابات طفيفة وبعض الحزن عند فقداننا من نحبهم”.
وفي ذات السياق قال وزير الخارجية دميترو كوليبا لصحيفة الولستريت جورنال: “لا ينبغي لنا أن نعطي بوتين أدنى فرصة للعب بعمليات شبه عدوانية أو توغل صغيرة. كان هذا العدوان موجوداً منذ عام 2014. هذه هي الحقيقة”. لكنه أضاف: “ليس لدينا في أوكرانيا أي شك في أن الرئيس بايدن ملتزم بأوكرانيا”.
وسرعان ما انهالت الانتقادات من الكونغرس فلقد صرح السناتور بن ساسي لرويترز: “من حيث المبدأ فقد أعطى الرئيس بايدن بوتين الضوء الأخضر لغزو أوكرانيا من خلال الثرثرة حول عدم أهمية (توغل بسيط)”.
وصرح النائب مايك روجرز فى وقت لاحق “لنكن واضحين يا سيدي الرئيس، إن غزو دولة أخرى يعد غزواً! لا يوجد شيء اسمه (توغل بسيط) في بلد آخر، خاصة عندما تحتل روسيا بالفعل أجزاء كبيرة من أوكرانيا”.
وبعد الإحاطة السرية عن أوكرانيا بعد ظهر اليوم الأربعاء قال روجرز في بيانه “إننا نحدق في فوهة كارثة أفغانستان أخرى، لكن في أوروبا. ويبدو أن الجميع يرون ذلك قادماً إلا جو بايدن”.
استدراكا لهذه الحملة، سرعان ما حاولت الناطقة الرسمية باسم البيت الأبيض، جين ساكي، تصحيح الوضع حين أصدرت بيان متابعة تقول فيه “إذا تحركت أي قوات عسكرية روسية عبر الحدود الأوكرانية، فهذا غزو متجدد، وسوف يقابل برد سريع وشديد وموحد من الولايات المتحدة وحلفائنا”. وأشارت ساكي “إن الروس لديهم قائمة لعدوان واسع النطاق أقل من العمل العسكري، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية والتكتيكات شبه العسكرية”، وأكدت “أن تلك الأعمال العدوانية الروسية ستواجه برد حاسم وموحد”.
أبقى هذا التصحيح الاستدراكي الكثير من الأسئلة مفتوحة.
وكما قلنا سابقاً، ماذا لو لم ترفع القوات الموالية لبوتين العلم الروسي على مدرعاتها؟ ما هو الموقف الأمريكي؟ يبقى الموقف الأمريكي في حال حصول هذه السيناريوهات غامضاً في الوقت الحالي على الأقل.
السيناريو الاستراتيجي الوحيد المتاح بالمقابل هو محاولة إغراء بوتين بتقديم تنازلات تتعلق بالتواجد الاستراتيجي الأمريكي في أوروبا. لكن، وبالنظر لكون مطالب بوتين من الولايات المتحدة وأوربا غاية في الخطورة، فإن غالبية المحللين الأوروبيين والروس والأمريكيين لا يرون هذا السيناريو قابلاً للبحث.
في انتظار ما يحدث بالفعل، تترقب أوكرانيا احتمال أن يكون عليها مواجهة الغزو الروسي بإمكانيات قليلة وبدعم أمريكي محدود وموقف أوروبي مربك.