أميركا والعالم

المصداقية، معركة السياسة الأميركية في لبنان

بقلم د. سمير التقي - خاص وايتهاوس ان أرابيك

الاستماع للمقال صوتياً

لعقود عدة، أوكل توافق أمريكي عربي أمر لبنان لحافظ الأسد ولتحالفاته الاستراتيجية الإقليمية، كان إيكال آمر لبنان للأسد مخرجا عربيا وأمريكيا من احتمالات تحول لبنان إلى ما يشبه وضع الأردن قبل أيلول عام 1970، ثم صار قاسما مشتركا أدنى يتوافق عليه المتصارعون في الحرب الأهلية، بعد ان استتبت الخسائر والأرباح وصار الوجود السوري “ضامنا لسلم أهلي “في دولة كادت ان تنهار تحت ضربات الصراع الإقليمي وحرب الهويات.

لكن حين أصبحت إيران تمتلك رقبة القرارات الاستراتيجي لخلفه بشار الأسد لم يعد الدور السوري في لبنان إلا مكملا للدور الإيراني. ورغم صيغة ما ر مخايل، كان ثمة أمل ان يخلق هذا الوضع استقرارا ولو لحين ولو على حساب بعض المكونات اللبنانية على أمل انجلاء الوضع الإقليمي. وبذلك سلمت الدول الغربية والإقليمية لحزب الله على انه قوة مستعصية، وأن المرض اللبناني لا شفاء منه حالياً!

لكن ما جرى هو أن الوكيل المرابع الإيراني الجديد، بدل أن يكون ضامنا للسلم الأهلي، صار بلطجيا بامتياز ليحول لبنان إلى منصة للتمدد المافيوي والميليشياوي لا في لبنان وسوريا ولا على الحدود مع إسرائيل، بل وفي الإقليم بأسره. وبذلك أقر الكثيرون في واشنطن أن النموذج الذي قبلوا به لإدارة الصراعات في الساحة اللبنانية بعد الحرب لم يعد قابلا للحياة.

ذلك أن بقاء حزب الله مرتبط بشكل حيوي بالنموذج المنهار للدولة الوطنية في الإقليم، وباستمرار ذلك البئر العميق من روايات وأوهام العداء والكراهية للحروب الدينية في الشرق الوسط. واقع الحال تغيير وتبدل الآن بشكل عميق.

كل ذاك الخراب والجوع والموت في لبنان، لم يحرك من أجندة حزب الله شيئا. فقوانين لعبته تقول بإزدواجية الدور. فلا هو دولة مسؤولة ولا هو خاضع للدولة، بل يمسك برقبة الدولة، ويكفي أن يبقى حزب الله موجودا في وكره في حين يفنى من يفنى ويبقى من يبقى. وبذلك يضع حزب الله المجتمع الدولي فيما قد يبدو معضلة مستعصية: إما أن نقبل بدوره الطفيلي أو أن يقتل الفريسة.

أما وأن لبنان على حافة الهاوية بالفعل. هاوية قد تودي بتعدديته وليبراليته ودوره التنويري ليتحول إلى دولة منهارة يصعب جدا تصور تعافيها لعقود.

السؤال الجوهري الذي يشغل بال اللبنانيين وكل المتابعين لشؤون الشرق الأوسط هو، هل ستسمح الولايات المتحدة من جديد في نهاية المطاف بإيكال أمر لبنان لقوى الأمر الواقع متمثلة في حزب الله “كشر لابد منه”؟ أم آنها ستتصرف بشكل أكثر مسؤولية حيال المخاطر التي يطرحها الانهيار الإقليمي الذي تقود إيران وحزب الله وما يحمله ذلك من كوارث وشيكة في لبنان. يراهن حزب الله على الكسل الذهني والنزق السياسي والاستسلام لمنطق البرغماتية المركانتيلية في لحظات قد يكون لبنان كمشروع حداثي ليبرالي في نزعه الأخير.

لقد كان ترف الملل وتبديل المواقف ممكنا في زمن الاسترخاء الذي تلا الحرب الباردة. لكن في زمن تحتدم فيه الصراعات بين القوى الدولية ويتم تهديد مجمل المشروع الكوني الليبرالي لصالح المشاريع الامبراطورية الفاشية، فإن بايدن يجابه لحظة حقيقة مكشوفة، لحظة التحدي بين القول وبين الفعل.

ورغم تعمق عزلته يمعن حزب الله في العمل كأمير حرب لتحقيق المزيد من التوسع ومزيد من الأرباح فلقد نهضت القوى الشابة الحية أمام الكارثة المحدقة في لبنان، وها هي الكنيسة المارونية تشهر مشروعها لإنقاذ البلاد، وتتشكل قوى مجتمعية هامة للدفاع عن لبنان التعددي الليبرالي. وبالمقابل تنخرط بعض الدول الاوربية وبخاصة فرنسا وبريطانيا بشكل متصاعد في الوضع اللبناني. وتنخرط إلى جانبها بلدان عربية في عملية سياسية معقدة للسعي لإنقاذ لبنان. لكن كل هذه المؤشرات الإيجابية لا يمكن ان تكتمل إلا بموقف امريكى مستدام ويعتد به لصالح لبنان ومستقبله يعزز مصداقية الالتزام في الإقليم. وفي حين لا ينشد أي من اللبنانيين أي تورط امريكي فان لدى الولايات المتحدة ترسانة هائلة ومن أدوات القوة الناعمة والإكراه السلمي يشكل رصيدا هائلا إن ارادت استخدامه. وهذا ما يترقبه اللبنانيون أولا وكل أبناء الإقليم ثانيا.

زر الذهاب إلى الأعلى