الاستماع للمقال صوتياً
|
( المقال سبق أن نشرته وايتهاوس ان أرابيك في شهر يناير من هذا العام، ونعيد نشره اليوم لأن كاتبته قد قرأت مسبقاُ المشهد السياسي الانتخابي الحادث اليوم)
بعيدا عن الشعارات والغوغائية والعاطفة دعونا نتكلم بهدوء عن خروج سعد الحريري من الحياة السياسية في لبنان والفرصة الذهبية التي يتمتع بها السنة اليوم في الانتخابات النيابية.
أولا هذه الخطوة سطرت بالخط العريض انتهاء مرحلة طويلة دامت ٣ عقود من الحكم الاقتصادي والسياسي الذي عرف بالحريرية السياسية.
ارتبطت تلك الفترة بمشروع إعادة إعمار لبنان ما بعد الحرب الاهلية ولكنها أيضا رسخت ٣ نقاط اساسية:
١. الزبائنية السياسية وهذه ليست تهمة أو شتيمة، بل توصيف دقيق وعلمي لطريقة عمل المملكة العربية السعودية والرئيس رفيق الحريري بإدارة شؤون لبنان ما بعد الحرب الأهلية. فكان لكل شيء وشخص ثمن، للحلفاء قبل الخصوم. وبهذه العقلية حكم رفيق الحريري لبنان ١٤ عاما.
٢. نمو اقتصادي وهمي مبني على الاستدانة من أجل إعادة الإعمار وتثبيت العملة الوطنية بطرق غير عليمة وأحيانا غير قانونية مما أدى الى بناء اقتصاد ريعي غير منتج وصولا إلى الانهيار الذي نشهده اليوم. فكل مرة كان يحتاج رفيق الحريري إلى الأموال لاستكمال مشروعه التنموي والسياسي، وهنا لا أقول الحكومة أو الدولة لأن السياسة كانت قائمة على شخص وليس على المؤسسات الدستورية، وبفضل علاقته المميزة بالمملكة العربية السعودية آنذاك وهي الراعي الرسمي للبنان، كانت المملكة تضخ الأموال في خزينة الدولة على شكل سندات.
هذه الذهنية في إدارة البلد انتجت هيئات خارجة عن سلطة الدولة والمؤسسات الرسمية ولا تخضع لأي رقابة مالية أو محاسبة بل تتبع مباشرة لرئاسة مجلس الوزراء.
٣. شخصنة العمل السياسي وربطه بأفراد وليس بمشروع سياسي او عقائدي جعل مهمة سعد الحريري شبه مستحيلة من اليوم الأول. فشل رفيق الحريري ببناء حزب متماسك يستطيع الاستمرار من بعد، فما كان على الابن والأخت وأولاد الأخت مع مجموعة من المستشارين المنتفعين إلا السيطرة على التركة السياسية لرفيق الحريري لمدة ١٥ سنة ووهم أتباع تيار المستقبل بأن هذا ما كان يريده رفيق الحريري.
أضحى السنة في لبنان من دون إدراك أو علم أسرى آل الحريري سياسيا واقتصاديا، وانعكست كل خيارات آل الحريري عليهم مباشرة. حتى باتوا يظنون ان لا حياة سياسية خارج اطار آل الحريري.
مع وصول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الحكم، تبدلت السياسة الخارجية السعودية في المنطقة ولم يعد سعد الحريري الحليف المدلل لديهم فقررت الممكلة التخلي عن تلك الزبائنية السياسية الغير مشروطة، وحسنًا فعلت، وقررت التعامل مع لبنان والشعب اللبناني بندّية واحترام متبادل وليس كطفل مدلل لا ينفع بشيء لا بل يتطاول عليها أحيانا.
أضحى السنّة اليوم مع خروج سعد الحريري من الحياة السياسة أحرارا راشدين لديهم فرصة ذهبية للانخراط مجددا بالحياة السياسة والعمل على تكثيف الجهود لخوض انتخابات نيابية في شهر أيار المقبل تُنتج طبقة سياسية جديدة لا تعتمد الزبائنية بل الكفاءة، ولعل تلك الأصوات الانتخابية تشكل ‘بيضة القبان’ و’صانعة الملك’ في المرحلة القادمة.