آخر التحديثاتأبرز العناوينالسياسات الخارجية الأميركية

زيارة ترامب إلى الرياض.. تحالفات كبرى وملفات مفصلية

الاستماع للمقال صوتياً

الرياض – أميركا والعالم

بقلم عزام الشدادي*

تُعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية في مايو 2025 نقطة تحول سياسية واقتصادية بالغة الأهمية. فهذه هي أول زيارة خارجية له بعد عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية، لكنها تتجاوز الرمزية لتشكل لحظة مفصلية في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية.. الرياض، اليوم، لم تعد مجرد حليف تقليدي، بل أصبحت لاعباً محورياً في ملفات الأمن، الطاقة، التقنية، والاستثمار العالمي.

عزام الشدادي – كاتب وباحث سعودي

لأنها غير تقليدية.. فإن الرئيس ترامب يصل إلى الرياض محاطًا بوفد رفيع من كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاعات الدفاع، الطاقة، التقنية، والصناعة، بينهم رؤساء شركات مثل لوكهيد مارتن، تسلا، أوبن أيه آي، رايثيون، مايكروسوفت، وبوينغ، وهذا الحضور ليس شكليًا، بل يعكس اهتمامًا أميركيًا واضحًا بفرص الاستثمار والمشاركة في مشاريع التحول الكبرى داخل المملكة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، الصناعات الدفاعية، والبنية التحتية الذكية.

في الجانب السياسي، تلعب المملكة دورًا دبلوماسيًا متقدمًا بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سواء في جهود التهدئة في غزة أو مساعي إنهاء النزاع في أوكرانيا، ومن المتوقع أن تتناول المباحثات مع الجانب الأميركي سبل تعزيز التنسيق المشترك في هذه الملفات، التي باتت السعودية طرفًا مؤثرًا فيها دوليًا، بفضل مواقفها المتوازنة ونهجها القائم على الحلول السياسية الشاملة.

كثّفت السعودية جهودها في السنوات الأخيرة للتوسط في عدد من أكثر النزاعات تعقيدًا، مستفيدة من علاقاتها القائمة على الثقة مع مختلف الأطراف.. ففي الملف الأوكراني-الروسي، احتفظت المملكة بخط تواصل فعال بين الولايات المتحدة مع موسكو من جهة ومع أوكرانيا من جهة أخرى، وسعت لتقريب وجهات النظر.. واستطاعت أن تجمعهم في الدرعية وكانت تلك لحظة تاريخية وفارقة دولياً.. أما في السودان، فقد تصدّت الرياض لدور الوسيط في لحظة عزف فيها كثيرون عن جهود الوساطة.. وفي تصاعد التوتر بين الهند-باكستان، تجاوزت المملكة لغة البيانات، وأرسلت بهدوء أحد أبرز دبلوماسييها، عادل الجبير، لقيادة جهود التهدئة وبدورها مهّدت لوساطة الولايات المتحدة في تناغم دبلوماسي تكاملي لنزع فتيل أزمة كبرى. هذه التحركات ليست دبلوماسية شكلية، بل أدوات استراتيجية لخدمة السلام العالمي، وتعكس وعيًا سعوديًا عميقًا بأن الاستقرار الإقليمي يصب في مصلحة الأمن الدولي، ويخدم كذلك مصالح الولايات المتحدة وحلفائها.

الملف الإيراني سيحضر دون شك في محادثات ترامب مع القيادة السعودية، ولكن بصيغة جديدة تأخذ في الحسبان المتغيرات الميدانية ودور السعودية كلاعب رئيسي في معادلة الردع والتوازن. ومن المرجح أن تشهد الزيارة مشاورات حول شكل الردع المطلوب إقليمياً، بعيدًا عن الاتفاقات الغير الفعالة السابقة.

تلعب المملكة دورًا حاسمًا في استقرار أسواق الطاقة عبر قيادتها لتحالف “أوبك بلس”، وتُعد قراراتها في هذا الإطار جزءًا من منظومة التوازن الاقتصادي العالمي. ومن المنتظر أن تبحث الزيارة سبل التنسيق بين الرياض وواشنطن في ضمان استقرار أسعار النفط، إلى جانب دعم الاستثمارات السعودية في الطاقة النظيفة والتقنيات المتقدمة ذات العلاقة بأمن الطاقة العالمي.

من بين أبرز الملفات الاستراتيجية في زيارة ترامب، هو طموح المملكة في تطوير برنامجها النووي السلمي، تمتلك السعودية احتياطيات ضخمة من اليورانيوم تُقدر بـ60 ألف طن ما يعادل نحو 6 إلى 9% من الاحتياطي العالمي. تخطط المملكة لاستغلال هذا المورد تجارياً ولإنتاج الطاقة الكهربائية منخفضة التكاليف وخالية من الانبعاثات، إلى جانب دعم مشاريع تحلية المياه، ما يعزز أمنها المائي والطاقوي على المدى الطويل، ويجعلها لاعبًا رئيسيًا في قطاع الطاقة النووية.

على الصعيد المالي، يواصل صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتوسيع حضوره في الأسواق الأميركية، من خلال استثمارات استراتيجية تهدف إلى تعظيم العوائد الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل للاقتصاد السعودي، وتشمل هذه الاستثمارات قطاعات التكنولوجيا، الرعاية الصحية، البنية التحتية، والطاقة، وهي جزء من خطة أوسع لتعزيز موقع المملكة في الاقتصاد العالمي .

تسعى المملكة أيضًا إلى استثمار زخم هذه الزيارة في جذب المزيد من رؤوس الأموال الأمريكية، خصوصًا من المستثمرين الكبار الذين يشاركون في الوفد الأميركي. ومن مستهدفات رؤية 2030، تهدف السعودية إلى جذب أكثر من 100 مليار دولار سنويًا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحلول عام 2030، أي ما يعادل نحو خمسة أضعاف التدفقات التي استقطبتها في العام الماضي، وهو ما يعكس طموح المملكة في ترسيخ موقعها كمركز اقتصادي ومالي عالمي.

ختامًا،، تؤكد هذه الزيارة أن الرياض تجاوزت كونها عاصمة سياسية للعالم العربي، لتُرسخ موقعها كإحدى العواصم المؤثرة في صياغة القرار الدولي.. وفي ظل شراكة سعودية أميركية تقوم على المصالح المتبادلة والتوازن الاستراتيجي، تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة حضورها الإقليمي، فيما تواصل المملكة تعزيز مكانتها كقوة سياسية واقتصادية لها تأثيرها العابر للحدود، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في المشهد الدولي بأسره.

*عزام الشدادي

مختص في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية 

عضو جمعية العلوم السياسية في جامعة كينغستون البريطانية 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى