قسد في مواجهة طوفان التغيير السوري
الاستماع للمقال صوتياً
|
سوريا – مقال الرأي
بقلم صبحي فرنجية*
تواجه قسد عدّة تحديات بعد سقوط نظام الأسد، وإعلان الإدارة السورية الجديدة يوم الأربعاء ٢٩ كانون الثاني تعيين أحمد الشرع رئاسة البلاد في المرحلة الانتقالية، حلّ جميع الفصائل العسكرية التي شاركت في غرفة عملية ردع العدوان ومجلس الشعب، وإيقاف العمل بالدستور، ما يعني دخول البلاد رسميًا مرحلة بناء الدولة والجيش والمؤسسات التابعة للدولة والجيش وبذلك قسد ستكون في مواجهة دولة وجيش موحّد في الوقت القريب، يُضاف إلى ذلك انشقاقات تشهدها الجبهة الداخلية لقسد على المستوى العسكري والاجتماعي، وتصريحات من الجانب الأميركي تُشير إلى أن واشنطن تدرس خطط انسحابها من سوريا في الفترة القريبة.
التحدي الأول الذي تواجهه قسد اليوم هو انهيار الخط الثاني الذي كانت تسير عليه قسد سابقًا على مدى سنوات وتبذل فيه جهودًا كبيرة، وهو التفاوض مع النظام السوري وروسيا، حيث كانت ترى قسد أن انسحاب التحالف، وعلى رأسه الولايات المتحدة، يشكل خطورة كبيرة على وجودها في شرق سوريا، خصوصًا في ظل العداء بينها وبين الجيش الوطني وتركيا. لذلك كانت تحتفظ بخطة (ب) تتمثل في عملية تفاوضية مع النظام السوري بوساطة روسية، لقاءات شبه أسبوعية بين الطرفين كانت تتم في مناطق عدّة أبرزها مطار القامشلي، قاعدة حميميم، ودمشق. قسد كانت تعتقد أن خروج التحالف الدولي من سوريا سيتحقق ولو بعد حين، وأن الطرف الأمثل للتعاون معه كان النظام وروسيا لحماية نفسها وتحقيق مكاسب، وإن كانت قليلة.
كما أن التغيّر المتسارع للمزاج المدني في مناطق نفوذ قسد يُعتبر عامل تهديد داخلي، فبعد سقوط النظام بدأت تتعالى أصوات المدنيين مطالبين بدخول القيادة العسكرية (غرفة ردع العدوان حينها) واستلام زمام المبادرة في قيادة منطقة شرق الفرات، بينما في وقت سابق كانت نسبة جيدة من المدنيين يقبلون بوجود قسد (دون إعطائها الشرعية) فقط لأن وجودها مرتبط بوجود التحالف الدولي الذي هو صاحب الكلمة العليا في مناطق قسد من جهة، ولأنهم يخشون من أن ذهاب التحالف سيؤدي إلى تحرك روسيا والنظام نحو مناطقهم والسيطرة عليها من جهة ثانية.
ويترافق مع التغيّر الدراماتيكي للمزاج المدني في مناطق قسد حالات انشقاقات كثيرة تحصل في صفوف قسد (العشرات أسبوعيًا) وانضمام بعضهم إلى القيادة العسكرية في دمشق، الأمر الذي خلق فجوة أمنية كبيرة في صفوف قسد التي تُعاني أصلًا من حالة استنزاف كبيرة على جبهة سد تشرين أمام قوات الجيش الوطني. هذه الفجوة قد تزداد خطورة في حال بدأ المنشقون بعمليات عسكرية ضد قسد، وهو أمرٌ تختبرُ قسد تداعياته في منطقة دير الزور على مدى سنة ونّيف أمام هجمات قوات العشائر التي بدأت عملياتها على خلفية اعتقال قسد لقائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها في شهر آب عام 2023.
ومن التحديات التي تواجه قسد أيضًا ما يتعلق بالأنباء عن التنسيق بين واشنطن وإدارة دمشق في ملف مواجهة داعش، حيث ذكرت صحيفة الواشنطن بوست في ٢٤ كانون الثاني الجاري أن الولايات المتحدة الأميركية شاركت معلومات استخباراتية سرّية حول تهديدات مصدرها تنظيم داعش. هذا التعاون بين الإدارة الجديدة في دمشق والولايات المتحدة يُعدّ خطوة أولى في فقدان قسد للحامل الرئيس لعلاقتها مع التحالف وهي الحرب ضد داعش، وستزداد خسائرها في حال تطور التنسيق مع إدارة دمشق في مجال منع إيران من استعادة نفوذها في سوريا، وهو أمر لم تستطع قسد تنفيذه بسبب ارتباط حزب العمال الكردستاني بإيران وسطوة الحزب على قرار قسد داخليًا.
على المستوى الخارجي، تواجه قسد وجود تحرّك دولي وإقليمي داعٍ للتوجه نحو إدارة دمشق الجديدة، فقد صدرت دعوات عدّة من دول غربية تدعو قسد للتفاهم مع دمشق دون وضع شروط لهذا التفاهم، ولعلّ أبرزها دعوة وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، يوم ٢٠ كانون الأول الماضي إلى “نزع سلاح المجموعات الكردية ودمجها في هيكل الأمن الوطني السوري”. هذه الدعوات الصادرة مؤخرًا بعد سقوط نظام الأسد تشكل عامل خوف لدى قسد، كما أن تصريحات رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب أكثر من مرة عن رغبته في الخروج من سوريا، وسط مؤشرات على تفاهمات بين واشنطن وأنقرة حيال ملف سوريا، باتت تُقلق قسد بشكل أكبر، وهو أمرٌ تتوقع قسد حدوثه قريبًا.
ومن التحديات أيضًا وجود مكونات كردية أخرى على علاقة جيدة مع إدارة دمشق، أو من السهل عليها تشكيل علاقات جدية وحسنة معها، وهذه القوى قد تصبح الحامل الجديد للمزاج الكردي في المستقبل القريب، خصوصًا أن المدنيين الأكراد ليسوا جميعًا داعمين لقسد وسياستها وعلاقتها بحزب العمال الكردستاني، فضلًا عن وجود مخاوف متنامية عند المدنيين الكرد والعرب من تبعات تعنّت قسد وعدم تحقيق تقدّم في محادثاتها مع دمشق. يُضاف إلى ذلك أيضًا أن قسد كمكونات ليست على نفس الصفحة؛ فالبعض داخلها يدعو اليوم إلى إعادة النظر في سياساتها وتصوراتها المستقبلية لصالح التفاهم مع دمشق، في حين أن هناك أصواتًا أخرى مرتبطة بحزب العمال الكردستاني أو داعمة له، تنادي بعدم التنازل والاستمرار حتى النهاية مهما كانت التبعات السلبية.
إن سيطرة جناح حزب العمال الكردستاني على القرار في قسد، وهو أمر لا يخفَ على أحد، يشكل عامل خطورة داخلي على قسد في مرحلة ما بعد انهيار نظام الأسد الذي لطالما كان حليفًا لحزب العمال الكردستاني. الخطورة تأتي من قيام الحزب المُصنف على قوائم الإرهاب بجعل منطقة شرق الفرات بوابة جديدة لإيران للدخول وزعزعة الاستقرار في سوريا في حال انسحب التحالف الدولي، هذه الخطوة ستضع قسد أمام فوهة النار السورية والإقليمية والغربية.
وعلى المستوى الاقتصادي، التحدي المالي يُقلق قسد أيضًا، ففي حال حصلت دمشق على النفط من مصادر أخرى في المرحلة الحالية، سيؤدي ذلك إلى وجود فائض كبير لدى قسد من النفط دون تصريف، مما يقود بدوره إلى عجز مالي كبير سينعكس على الرواتب والخدمات في مناطق سيطرتها، وهو ما سيُعقد مشهدها الداخلي وديناميكيات قيادتها للمنطقة.
المرحلة القادمة حاسمة بالنسبة لقسد بشكل خاص، وبالنسبة لسوريا بشكل عام، فالمزاج المدني لا يساعد قسد على الاستمرار، والتغييرات الحاصلة في المزاج الدولي تقوّض مساحة مناورتها، والانشقاقات تضعها أمام تحدٍّ أمني داخلي كبير. فهل تستغل قسد رغبة الدولة السورية الجديدة في الحوار، وتكون من الواقعية بمكانٍ يمنع كارثة كبيرة عليها وعلى المنطقة بشكل عام؟
*صبحي فرنجية، صحفي وباحث سوري