مستقبل العلاقة بين ترامب وطالبان: تفاؤل حذر وتوجس مستمر
الاستماع للمقال صوتياً
|
كاليفورنيا – مقال الرأي
الدكتور عبيد الله برهاني
لطالما كانت أفغانستان محورًا رئيسيًا للسياسة الأمريكية على مدار العقود الماضية، نظرًا لموقعها الجيوسياسي الحيوي والتحديات الأمنية التي تفرضها. ومنذ توقيع اتفاقية الدوحة في 2020 بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، بدأت عملية انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، ما أثار الكثير من التساؤلات حول المستقبل السياسي لأفغانستان والعلاقات الأمريكية مع طالبان. في هذا المقال، سيتم تحليل مستقبل هذه العلاقة في ظل التغيرات السياسية والاقتصادية العالمية، خاصة في إطار التنافس بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، مع التركيز على الدور المتزايد للشرق الأوسط في هذه الاستراتيجية.
خلفية اتفاقية الدوحة بين طالبان والولايات المتحدة وإعادة تقييمها: بين التحديات والالتزامات
وقعت الولايات المتحدة وحركة طالبان اتفاقية الدوحة في 29 فبراير 2020، بهدف إنهاء أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة. إلا أن تنفيذ بنود الاتفاقية واجه عقبات كبيرة، ما يستدعي إعادة النظر في فعالية الاتفاق وآليات تطبيقه:
1-انسحاب القوات الأمريكية
تعهدت الولايات المتحدة بالانسحاب الكامل من أفغانستان بحلول مايو 2021، ولكن هذا الانسحاب تأخر، مما سمح لطالبان بالاستيلاء على السلطة في أغسطس 2021. غياب التنسيق بين الجانبين في إدارة عملية الانسحاب كان له تداعيات سياسية وأمنية خطيرة.
2-مكافحة الإرهاب
رغم تعهد طالبان بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية كمنطلق للهجمات الإرهابية، استمرت علاقات طالبان مع بعض الجماعات المتطرفة، مثل القاعدة، مما أثار شكوكًا حول التزامها بهذا البند.
3-الحوار الداخلي الأفغاني
نصت الاتفاقية على إجراء محادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية، لكن هذه المحادثات تعثرت بسبب انعدام الثقة والمواقف المتباينة، مما سهل عودة طالبان إلى السلطة
4-حقوق الإنسان
تراجع الوضع الحقوقي بشكل ملحوظ بعد استيلاء طالبان على الحكم، حيث تم تقييد حقوق النساء والحريات الأساسية، ما يثير تساؤلات حول استعداد طالبان لاحترام المعايير الدولية
5-الدعم الأمريكي والاقتصادي
رغم التزام الولايات المتحدة بتقديم مساعدات إنسانية واقتصادية، فإن الوضع الأمني والسياسي المتدهور حال دون تنفيذ هذا الالتزام، مما ضاعف من معاناة الشعب الأفغاني
6-رفع أسماء قادة طالبان من القوائم السوداء
رغم أن الاتفاقية نصت على رفع أسماء قادة طالبان من القوائم السوداء، إلا أن الشكوك الدولية حول ممارسات الحركة في مجالات حقوق الإنسان منعت تنفيذ هذا البند بشكل كامل
7- التدهور الاقتصادي
العقوبات الدولية وتجميد الأصول الأفغانية ساهمت في تعميق الأزمة الاقتصادية في أفغانستان، مما أثر سلبًا على الحياة اليومية للشعب الأفغاني
هل حان الوقت لإعادة النظر في الاتفاقية؟
عدم التزام الطرفين بتعهداتهما بعد توقيع الاتفاقية كشف عن عجز في تنفيذ العديد من بنودها، ما يستوجب العودة إلى الاتفاقية كمرجعية قانونية لإعادة تقييم الالتزامات وضمان تطبيقها بصورة فعّالة.
تُبرز الأوضاع الراهنة ضرورة مراجعة الاتفاقية، مع التركيز على اعتبارات أساسية تتعلق بالاستقرار الإقليمي والجوانب الإنسانية المتأثرة:
تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية: التطورات الأخيرة في المنطقة تشير إلى تنامي التهديدات الأمنية، مما يستدعي اتخاذ خطوات استراتيجية لتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين المحلي والدولي.
الاعتبارات الإنسانية: إن تخفيف العقوبات أو تقديم الدعم الإنساني يمكن أن يسهم في التخفيف من معاناة الشعب، ويُحسن الظروف المعيشية، ويدعم الجهود الدولية للتعامل مع الأزمات الإنسانية.
إطار التعاون الدولي: مراجعة الاتفاقية قد تفتح آفاقًا جديدة لإعادة تقييم آليات التعامل مع حركة طالبان، بما يضمن تحقيق توازن بين المصالح الإقليمية ومتطلبات النظام الدولي، في سبيل تعزيز الاستقرار والشراكة الدولية.
إن إعادة النظر في الاتفاقية، في ظل هذه الظروف، لا تُعد خيارًا وحسب، بل ضرورة استراتيجية لتحقيق أهداف بعيدة المدى تخدم مساعي السلام والتنمية المستدامة.
ملامح مستقبل السياسة الأمريكية في ظل إدارة ترامب الجديدة
من المتوقع أن تتغير سياسات الرئيس ترامب في ولايته الثانية تجاه أفغانستان، بالنظر إلى التحديات الأمنية والجيوسياسية في المنطقة. وعلى الرغم من أن أفغانستان قد لا تكون من أولويات الولايات المتحدة، فإن ترامب سيواصل صياغة استراتيجية شاملة تشمل أفغانستان كجزء من ملفه الأمني الإقليمي.
سيبقى التأثير الأمريكي في أفغانستان مرتبطًا بتقييم مستمر للحقائق على الأرض. وقد تركز سياسة ترامب على فتح قنوات تواصل مع طالبان، سواء عبر المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، مع فرض شروط أكثر صرامة لضمان مصالح الأمن القومي الأمريكي.
تستمر المفاوضات مع طالبان، إلا أن الرئيس ترامب قد يشترط تحسين سجل طالبان في حقوق الإنسان، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق المدنية للنساء، ولكن ستظل الأولوية للمصالح الأمنية الأمريكية، مما قد يعني قبول تنازلات محدودة في هذا المجال
مناشدة أفغانية.
في ظل التحديات العالمية التي نواجهها اليوم، يصبح من الضروري تكاتف الجهود لتحقيق السلام ورفض العنف. إذ يرفض المثقفون والأكاديميون الأفغان لغة الحرب ويشجعون على استخدام لغة الحوار البناء. في هذا السياق، تُناشد جميع الدول والمنظمات الدولية بواجبها الأخلاقي في تعزيز التعاون الدولي وتنمية الحلول السلمية، وكذلك في تقديم الدعم للشعب الأفغاني، وخاصة فتح قنوات حوارية والانخراط المباشر لتخفيف معاناته. وهذا يتطلب التزامًا قويًا من الحكومات والمجتمع الدولي لتبني الحلول الدبلوماسية التي تلبي احتياجات الشعب الأفغاني.
تمثل اتفاقية الدوحة خطوة مهمة نحو إنهاء النزاع في أفغانستان، ولكنها واجهت تحديات كبيرة في تنفيذ بنودها. إن إعادة تقييم هذه الاتفاقية وتفعيل البنود غير المنفذة يعد أمرًا ضروريًا لتجاوز التحديات الراهنة وضمان استقرار أفغانستان والمنطقة. إن الإدارة الأمريكية تحت قيادة ترامب قد تواصل تعاملها مع طالبان، ولكن مع فرض شروط أكثر صرامة لتحقيق الأمن والاستقرار، مما يضع ضغوطًا على طالبان لتحقيق تقدم في الملفات الأمنية والإنسانية