نطبّع مع إسرائيل أم لا نطبّع؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
الرياض – مقال الرأي
بقلم د. تركي فيصل الرشيد
Arab News – WHIA
تصدرت مسألة تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل عناوين الأخبار منذ زيارة الرئيس جو بايدن للمملكة في يوليو 2022. وكان الغرض الرئيسي من هذه الزيارة هو إقناع الرياض بزيادة إنتاجها النفطي لخفض أسعار النفط العالمية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير من ذلك العام. لكن مجموعة أوبك+، التي تقودها السعودية وروسيا، خفضت إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل بعد زيارة بايدن من أجل استقرار الأسعار.
رداً على ذلك، تحولت إدارة بايدن إلى استراتيجية جديدة، حيث أفادت التقارير أنها عرضت على المملكة اتفاقاً دفاعياً شبيهاً بحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومحطة نووية مدنية مقابل قيام الرياض بالحد من تعاونها مع الصين وروسيا وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. وترى إدارة بايدن أن الكونجرس الأمريكي لن يوافق على اتفاق مع المملكة يتضمن التزامات أمنية ونقل معدات عسكرية عالية التقنية ومنح المملكة محطة نووية قادرة على تخصيب اليورانيوم ما لم يتضمن الاتفاق عملية التطبيع.
هذه قراءة مهمة، لأنها توفر السياق وأصل فكرة التطبيع السعودي مع إسرائيل. ونظراً لصعوبات تحقيق السلام مع حكومة متطرفة في إسرائيل، همها الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وضمها، فإن المملكة لم تسعى في البداية إلى التطبيع مع إسرائيل. ومع ذلك، تم عرضه كجزء من اتفاق أوسع مع الولايات المتحدة، وهو ما لم ترفضه المملكة، بشرط أن تكون إسرائيل مستعدة لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وقبول إنشاء دولة فلسطينية.
تاريخياً، لم ترفض السعودية فكرة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. ودعمت المملكة الفلسطينيين عندما انضموا إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعندما وقعوا على اتفاقيات أوسلو. وعندما اندلعت الانتفاضة الثانية في أعقاب فشل قمة كامب ديفيد عام 2000، كانت المملكة هي التي اقترحت مبادرة السلام العربية عام 2002. ونص ذلك على استعداد 57 دولة عربية وإسلامية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في حال وافقت الأخيرة على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عام 1967.
وبينما أشاد العالم بالمملكة لاقتراحها المتكامل للسلام، اختارت إسرائيل تجاهلها وأقامت بدلا من ذلك جدارا عازلا في الضفة الغربية، وصادرت ما يقرب من 10% من الأراضي الفلسطينية، وانفصلت من جانب واحد عن غزة. بمعنى آخر، إسرائيل هي التي أدارت ظهرها لعرض التطبيع الذي قدمته الدول العربية والإسلامية.
ومع ذلك، على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، منذ أن بدأت الولايات المتحدة المفاوضات مع المملكة حول اتفاق دفاعي يتضمن التطبيع مع إسرائيل، لم تكن مشكلة إدارة بايدن مع المملكة، بل كانت مع الحكومة الإسرائيلية التي رفضت قبول مبادئ حل الدولتين والأرض مقابل السلام. إن إسرائيل تريد السلام الاقتصادي وحده، وبالتالي تجنب القضايا الأساسية الكامنة وراء الصراع مع الفلسطينيين.
فالإسرائيليون ليسوا على استعداد لإلزام أنفسهم بوقف توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية أو تحديد إطار زمني محدد لحل الجوانب المختلف عليها للصراع، كما حددتها قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والقانون الدولي. وقد صرح أحد المسؤولين الإسرائيليين: “إن الأميركيين لا يقدمون معروفاً لإسرائيل؛ إسرائيل ستقدم لهم معروفا إذا توصلوا إلى اتفاق مع السعودية لأنها ستحاول تعزيز فرص تصويت الجمهوريين لصالحه”. وأضاف المسؤول: “ليس لدينا ما نقدمه للفلسطينيين… لن نقوم بتجميد المستوطنات، ولا حتى لثانية واحدة”.
بمعنى آخر، تنسف إسرائيل الجهود الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كجزء من اتفاق أوسع بين المملكة والولايات المتحدة، ما يؤكد استنتاج بايدن بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي “واحدة من أكثر الحكومات تطرفاً” التي شهدها على الإطلاق.
وبينما أشاد العالم بالمملكة لاقتراحها الحقيقي للسلام، اختارت إسرائيل تجاهله، ثم جاءت أحداث 7 أكتوبر 2023 التي عززت وجهة نظر المملكة بأن التطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون نتيجة لانتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وليس مقدمة له. وقد عبّر عن هذا الموقف مراراً وتكراراً وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، الذي صرح في فبراير/شباط، عقب لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بأن: “المملكة أبلغت الإدارة الأمريكية بموقفها الثابت بأنه لن تكون هناك أي محادثات دبلوماسية للتحقيق العلاقات مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”.
وقد تكرر هذا الموقف في القمة العربية الإسلامية المشتركة التي انعقدت في الرياض في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما دعا زعماء المنطقة إلى إطلاق “عملية سياسية حقيقية وجادة لتحقيق السلام الدائم والشامل، وفق المرجعيات الدولية المعترف بها”.
وفي قمة الجامعة العربية في البحرين هذا الشهر، أعربت الدول الأعضاء عن دعمها لدعوة السلطة الفلسطينية إلى “اتخاذ خطوات لا رجعة فيها لتنفيذ حل الدولتين وفقا لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية”.
وقد أعرب مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل، الأسبوع الماضي عن فزعه من أن الحكومة الإسرائيلية “رفضت عرضًا كاملاً للسلام من المملكة العربية السعودية”، وهو ما اعتبره تطورًا مهمًا بالنظر إلى موقف المملكة العربية السعودية باعتبارها “زعيمة العالمين العربي والإسلامي.” وأضاف في منشور على موقع X: “استيقظي يا إسرائيل! حكومتكم تقودكم إلى مزيد من العزلة والخراب”.
إنديك على حق، وعليه أن يضيف أن إسرائيل أصبحت عبئاً أخلاقياً وأمنياً على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. لقد فقدت قدرتها على الردع؛ فبعد أكثر من سبعة أشهر من حربها على غزة، لا تستطيع إعلان النصر. فهي غير قادرة على حماية حدودها الشمالية، وكانت بحاجة إلى الحماية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا الشهر الماضي خلال أول مواجهة مباشرة لها مع إيران.
لقد اتُهمت إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، ومن المرجح أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق قادتها بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ومن ناحية أخرى، يكتسب الفلسطينيون قلوب وعقول الناس في جميع أنحاء العالم، وتعترف المزيد من الدول بحقهم في دولة مستقلة.
لم تعد إسرائيل في وضع يسمح لها بإدارة ظهرها لدعوة المملكة إلى سلام حقيقي على أساس المبادئ المنصوص عليها في مبادرة السلام العربية لعام 2002. ومع ذلك، لا تزال الحكومة المتطرفة التي تحكم إسرائيل ترفض الاعتراف بالوقائع الجديدة التي تجعل من المستحيل تحقيق السلام خلال الولاية الأولى لإدارة بايدن.
النص بالإنكليزية: To normalize or not to normalize with Israel? | Arab News