من الذي قتل الحسين في غزة
الاستماع للمقال صوتياً
|
خاص وايتهاوس – مقال الرأي
بقلم الإعلامي الفلسطيني أيمن خالد
إضفاء الصبغة الدينية على الحروب هي واحدة من أسوأ مخرجات العقل البشري، لأنها تعني أن المعتقد الديني بحد ذاته سبباً للحروب، وهي الصبغة التي استحضرتها إيران كثيراً في السنوات الأخيرة، ولعل الصورة التي نشرها الموقع الرسمي للمرشد الأعلى الإيراني والتي أظهرت الحسين عليه السلام يعانق قاسم سليماني عقب مقتله، لعلها واحدة من محاولة لعدم تجاوز التاريخ وفكرة المظلومية، وهو ما يضع شعوب المنطقة أمام ضبابية المستقبل بما يتنافى مع القيم في عموم الأديان، ويتنافى مع عصرنا وثقافتنا وإنساننا المعاصر، فنحن لا نريد أبداً أن يقال أن غزة كانت كربلاء.
الفلسطيني هو الحسين
هي فكرة رايتها بنفسي في دمشق، عندما زارني ليل الخامس من حزيران 2011 الفلسطيني “عزت مسودة” قبل مقتله بيوم وأخبرني أن “منظمة فلسطين حرة” التابعة لإيران تريد إجبار مجموعة فلسطينية على الذهاب في اليوم التالي إلى مسيرات العودة في الجولان المحتل والاشتباك مع الجنود الاسرائيليين، وفي هذا الملف ثمة حديث وأسرار لا وقت له الآن، وفي اليوم التالي حدثت الواقعة وتم إجبار مجموعات فلسطينية على التقدم نحو الجولان المحتل، وبرفقة بعض الإعلاميين الإيرانيين صدرت كلمة منهم، إنها مسيرات حسينية، وفي عصر ذلك اليوم أجرينا مقابلة تلفزيونية مع “عزت مسودة” ومع غياب الشمس كان عزت مقتولاً بظروف غامضة، ولم تنته القصة هنا، فقد جاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد واخذ أبناء عزت إلى إيران.. وللقصة حكاية لسنا بصددها، وفي أعقاب حادثة الجولان 2011 كانت النتيجة 100 فلسطيني بين قتيل وجريح، وصمت سياسي لفصائل دمشق الفلسطينية.
التقطت القسام الفكرة ونفذتها عام 2018 فيما عرف بمسيرات العودة الشهيرة، والتي شاركت فيها قيادة “حماس والجهاد الإسلامي” في غزة، ونتج عنها قتلى واصابات بأرقام فلكية. وكانت حقيقة مسيرات العودة تلك مجرد اختبار لكتائب القسام، “أنها تستطيع أن تقود الناس بجميع الاتجاهات”، ولنلاحظ الفارق البسيط في المعادلة، أن مسيرات العودة في غزة استمرت لسنوات، بينما مسيرات 2011 في مخيم اليرموك (حيث حماس ضعيفة) انتهت المسيرات في اليوم التالي بانتفاضة كبيرة في مخيم اليرموك ضد منظميها، ما أجبر أحمد جبريل أن يعلن براءته من المسيرات، وأنها من تنفيذ حركة فلسطين حرة المدعومة من إيران، وعندما عدنا بالتسجيلات لحقت بنا التعليمات الأمنية…، وطلبت حذف التصريح لأن ذلك سيؤثر على إيران التي كانت تتمدد رويداً رويداً في المشهد السوري الذي كان سلمياً آنذاك.
تاريخ قديم لإيران في الملف الفلسطيني، فهي تخلصت من فتحي الشقاقي بحركة استثنائية، وشقت حركة الجهاد أول مرة، وثاني مرة، وأسست منظمة الصابرين منها، وأسست قبل ذلك من الجهاد الإسلامي أول جناح متطرف (عابر للقارات) هو حزب الله فلسطين، الذي انتهى نهاية مبكرة، ثم هيمنت على الحركة ثم صنعت الانشقاق الأخير في حركة الجهاد الإسلامي عام 2010 بالتعاون مع شقيق أمين عامها السابق، وانتهى الامر بتسوية شكلية، كانت فيه سرايا القدس إيرانية الهوى، وأما الواجهة السياسية فقد باتت تطالبها إيران حتى بالكشف عن فاتورة كيلو بندورة لأحد المكاتب، والتوصيف هنا دقيق جداً.
في الجانب الحمساوي كان يصعب على إيران إحداث انشقاق طوعي أو بغير ذلك، لكنها استمالت محمود الزهار والسنوار والفريق التابع لهما، وهنا كان الخيار الإيراني الأخير، في دبلوماسية المشهد، فأصبحت حماس في الخارج والقسام في الداخل، واكتملت الصورة في المادة العسكرية.
قبل
الجوع والفقر في غزة قصة مزمنة، طويلة، مبكية، يصطف الأطفال أمام واجهة المحلات ينظرون للحلوى الموجودة خلف الزجاج نظرة المفطور على القهر، ولا أظن أحداً يعرف مرارة لعاب الأطفال وهم يعضون شفاههم بانتظار المستحيل، ثم يأتي المستحيل، فهناك طواقم منتشرة في كل غزة وظيفتها التقاط الأطفال وإعطائهم قطعة بسكويت، ثم يأخذون الطفل إلى المسجد.
القصة ببساطة أن المساجد تحولت منذ الأسبوع الأول لسيطرة حماس إلى مستودعات لإنتاج جيل القسام الجديد، الذي يذهب إلى المسجد لقاء قطعة حلوى، وثمة جيل آخر أكبر سناً يذهب لقاء بضعة أوراق نقدية من الشيكل، وهكذا تأسست مدرسة حماس الدينية، واصبحت قطعة البسكويت التي يأخذها الطفل، تؤسس لديه (انتماءً) سياسياً في انتهاك صارخ لأبسط قواعد الدين والقيم والأخلاق بحق الطفولة.
بعد
السنوات الأخيرة استقطبت حماس كثيراً من المشايخ العرب المشهورين، الذين لن نشير إيهم بالاسم، لكن أخطر ما فعلوه هو أنهم قاموا بتزوير تفسيرات دينية لحديث نبوي، يتحدث عن (مرابطين الى قيام الساعة) وهو نص مطلق لكن مشايخ التزوير، اعتبروا النص ينطبق على كتائب القسام، وهكذا لبست القسام ثوباً دينياً ليس لها، وشهد لها بذلك دعاة مشهورون والذين لاحقاً أوقفتهم المملكة السعودية عن الخطابة وقد أصابت.
لا حرب دينية
فكرة الثورة الإسلامية كانت بحد ذاتها إعلاناً للحرب الدينية، أما نحن كعرب، فلم نعرف هذه الحرب مطلقاً. فالحرب الدينية لم تحدث سوى مرة واحدة في التاريخ الإسلامي وكانت بين المسلمين الأوائل وبين قريش، وأما الحرب مع الفرس فكانت جزءاً من التدافع الحضاري بين العرب والفرس الذين ابتلعوا اليمن والعراق آنذاك، في استباق للمشهد الآن.
وأما الحرب مع الروم فكانت نتيجة مقتل الحارث بن عمير الأزدي الذي كان يحمل رسالة الى ملك بصرى وبالتالي هي جزء من عملية سياسية، لأن قتل الرسل أو السفراء في حينه كان يعني إعلان حرب.
باختصار: لا يوجد حروب دينية بالمفهوم الشرقي بتاتاً، وكل من يقول عن قصة الحروب الصليبية، نقول له التالي، إنه لا يوجد نص عربي مطلقاً يرجع إلى تلك الحقبة يستخدم فيها كلمة (الحروب الصليبية) بل إن أفضل التسميات هي التي أطلقها( أبي يعلى القلانيسي) صاحب كتاب ذيل تاريخ دمشق، والذي عاصر تلك الحقبة، وكان يسميها حروب الفرنجة، وكان العرب يعرفون الأوروبيين باسم “الفرنجة” وهكذا استخدم المؤرخون العرب القدماء كلمة الفرنجة، ولكن من المؤسف أنه بات لدينا جيل من المؤرخين يستخدمون مصطلح الحرب الصليبية وهو مصطلح مرفوض تماماً.
اليوم
اليوم تريد إيران تغذية النزعة الدينية على المستوى الداخلي بما يطال الطوائف والأديان وعلى رأسهم المكون المسيحي الذي هو صميمي في الشرق، وبالتالي تريد انتاج فكرة الحروب الدينية لكي نسحق بعضنا بعضاً. فما نريد قوله إن غزة ليست كربلاء، وحماس ليست الحسين عليه السلام، وأما الحروب الدينية فلا نريد أن نعرفها، ولا نريدها، وليست لنا ولا لكل هذا الجيل الباحث عن الحياة.