لمن تُقرع الأجراس؟
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – وايتهاوس
رسالة المحرّر بقلم مرح البقاعي
من نافلة القول أن للسلام بين الدول المتحاربة، بروتوكولاته وقواعده الناظمة ومداولاته، حين تُنكّس البندقية ويصمت أزيز الرصاص في النزاعات.
ومن الزاوية القانونية عينها، للحرب قانونها أيضاً الذي يشار إليه بالقانون الإنساني الدولي، وهو مجموعة من القوانين والمبادئ التي تحدّد سلوك الدول والأطراف المتحاربة خلال النزاعات المسلحة.
يهدف قانون الحرب إلى حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال (المدنيين والمصابين والأسرى)، وكذا إلى تقييد طرق ووسائل الحرب، بهدف تقليل معاناة الأفراد والتقليل من الدمار خلال الصراعات المسلحة.
واحدة من المعاهدات الرئيسية التي تمثّل قاعدة أساس لقانون الحرب هي “اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين في حالة الحرب” والتي صدرت في العام 1949. هذه المعاهدة تحدد حقوق المدنيين في حالات النزاع المسلح وتحميهم من الهجمات المهدِّدة لأمنهم أوحياتهم.
إلى جانب حماية المدنيين، يوجد قوانين تنظّم استخدام القوة العسكرية وحتمية المعاملة الإنسانية للأشخاص الذين يتم القبض عليهم أسرى أم رهائن أم محتجزين، وتحظر استخدامهم دروعاً بشرية أو إيذائهم نفسياً أو جسدياً. كما يحظر قانون الحرب استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية المحرّمة دولياً.
الهدف الرئيس من قانون الحرب هو تقديم إطار قانوني لتحديد الحدود الأخلاقية والقانونية لسلوك الأطراف المتحاربة أثناء النزاعات، وكذا تقديم الحماية للأفراد العزل الأكثر ضعفاً وحاجةً خلال الظروف الصعبة والدموية للحروب.
كان لا بد من توضيح مجموعة المصطلحات التي أوردناها أعلاه لنضيء على الأحداث المؤسفة التي تجري اليوم في الأرض الفلسطينية، وعلى تراب غزة المُدمّى، وكذا للمدنيين الإسرائيلين المكلومين بخسارة أهلهم وأبنائهم في هجمات منظمة حماس في السابع من أكتوبر الجاري على بيوت سكنية.
نقول هذا أيضاً لنرفع درجة الإنذار إلى اللون الأحمر، لما يمكن أن تنتهي إليه عملية الانتقام الإسرائيلي المروّع الذي تواجهه غزة أرضاً وشعباً. وأقصى ما نخشاه هو عودة إسرائيل إلى احتلال غزة بعد أن أفرغت شمالها من سكانه نازحين نحو جنوب القطاع.
في هذا الأمر الجلل الذي يخيم بسحابته السوداء على الشرق الأوسط والعالم في آن، كان للرئيس الأميركي جو بايدن تصريحاً قوياً قبيل العملية العسكرية الأرضية التي يخطط لها الجيش الإسرائيلي لاجتياح غزة ومواجهة منظمة حماس هناك، حيث أعرب في مقابلة تلفزيزنية عن قلقه وتحفّظه إذا ما قررت إسرائيل أن تعود إلى غزة كقوة محتلّة.
وقال بايدن عندما سأله المحاور سكوت بيلي من شبكة “سي بي إس” ضمن برنامج 60 دقيقة الشهير عما إذا كان سيدعم الاحتلال الإسرائيلي لغزة في هذه المرحلة من الحرب: “أعتقد أنه سيكون خطأً كبيراً”.
وأردف بايدن بالقول “ما حدث في غزة، من وجهة نظري، هو أن حماس والعناصر المتطرفة في حماس لا تمثل كل الشعب الفلسطيني”، وأضاف: “أعتقد أنه سيكون من الخطأ أن تحتل إسرائيل غزة مرة أخرى.. لكن الدخول وإخراج المتطرفين – حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب – هو مطلب ضروري”.
من الجدير ذكره أن إسرائيل كانت قد سحبت رسمياً مظاهرها العسكرية وكذلك مستوطناتها من داخل غزة في العام 2005. وكان القطاع خاضعاً لسيطرة السلطة الفلسطينية إثر اتفاقات أوسلو التي قادها الرئيس الراحل ياسر عرفات. وبعد عام من انسحاب إسرائيل من المنطقة، تم “انتخاب” حماس لحكم المنطقة، ولم يتم إجراء أية انتخابات في غزة منذ ذلك الوقت.
هذا وتشن القوات المسلحة الإسرائيلية هجوماً مضاداً ضد حماس – التي تحكم حالياً قطاع غزة – إثر هجماتها ضد إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي. ومنذ ذلك الحين، أودت الحرب بحياة أكثر من 3600 إنسان في إسرائيل وغزة، والرقم في تعاظم كل يوم.
هذا وقد دعت إسرائيل إلى إخلاء مليون شخص من شمال غزة إلى أقصى الجنوب. ولم يتمكن الأجانب المقيمين في القطاع، وهم من جنسيات مختلفة وبينهم أميركيون، من المغادرة عبر معبر رفح الحدودي بعد أن هددت إسرائيل بقصفه من جديد، بل وأنكرت قبولها لاتفاق إجلاء الأجانب والدخول في هدنة كان يسعى إليها الوزير أنتوني بلينكن الذي مازال في الشرق الأوسط يقوم بجولاته المكوكية والإسعافية بين دول الإقليم المؤثرة بالأحداث في غزة وإسرائيل، قبل أن تتمد الكارثة الإنسانية التي من أولى ضحاياها المدنيون العزل من الطرفين.
أصبح من الجلي أن حكومة نتنياهو المتطرّفة والعنصرية لا تمثل معظم الشعب الإسرائيلي الذي كان يخرج عليها يومياً من أجل إسقاطها فيما أُطلق عليه مجازاً بـ “الربيع الإسرائيلي”، كما أن منظمة حماس لا تمثل معظم الشعب الفلسطيني الذي يتوق للعيش الآمن والكريم والمستقر، والذي لا يمكن أن تؤمّنه منظمة غير شرعية كان أولى إنجازاتها حين أطبقت قبضتها على حكم غزة في العام 2007 أن ألقت بممثليه الشرعيين من رفاق السلاح في منظمة ’فتح’ والسلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً، من شرفات مباني غزة.
أما منظمة هيومن رايتس واتش، فقد أوردت في تقرير لها أنه ’حين استولت حماس بالقوة على السلطة في غزة، قامت بممارسة سياسة الاعتقال التعسفي بحق خصومها السياسيين، وتعذيب المحتجزين. وقامت يتقييد حرية التعبير وحرية التجمع وانتهاك حق المحاكمة العادلة المنصوص عليه في القانون الفلسطيني’.