الأسد وحيداً بعد انكفاء المبادرة العربية
الاستماع للمقال صوتياً
|
مكّة المكرّمة – وايتهاوس
مقال الرأي بقلم د. عبد الحفيظ محبوب
استياء عربي من دمشق ومطالبات بوقف الحراك السياسي تجاه سوريا غير المكترثة، ما جعل السعودية التي استقبلت بشار الأسد في القمة العربية في جدة الأخيرة تتراجع عن موقفها، مع ارتفاع عمليات التسلل وإسقاط الأردن مسيرة ثالثة قادمة من الأراضي السورية خلال الشهر الحالي أغسطس 2023 وعودة نشاط تهريب المخدرات والأسلحة. فلم تعد المبادرة الأردنية لحل الأزمة السورية ضمن مستوياتها الثلاثة الأمني والإنساني والسياسي قائمة، بسبب عدم الجدية والالتزام بمخرجات اجتماعات لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا والتي اجتمعت في الرياض وعمان والقاهرة بحضور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد لإطلاق سراح المعتقلين وصولا إلى حكم انتقالي يؤسس لدولة ديموقراطية غير طائفية. لكن شيئا لم يتغير بشكل جذري، بل إن دمشق تعيد التموضع في المنطقة العربية دون استيعاب المتغيرات الجديدة، خصوصا مع رضوخ أيران للسعودية بعدما ضربتها الاحتجاجات الداخلية ولإنقاذ نفسها وافقت على المصالحة مع السعودية برعاية بكين، ورغم الصدمة الأمريكية الإسرائيلية إلا أنهما بدا يبنيان على هذا الاتفاق للتقرب من السعودية وتحقيق ما تريده من أجل أن تقبل التطبيع مع إسرائيل لتبقى المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، خصوصا بعد انضمام إيران والسعودية المحتمل لبريكس، ما يجعل المنطقة ساحة حيوية للصين.
رغم كل المحاولات على حض نظام بشار الأسد على وقف تهريب السلاح والمخدرات والمتفجرات عبر الحدود إلى الدول المجاورة، علاوة على تموضع تنظيمات ومليشيات قرب الحدود مع الأردن، لاحظت لجنة الاتصال العربية أن النظام السوري راهن فقط على التموضع في المنطقة العربية بعد دعوتها لحضور القمة العربية دون أن تتجاوب مع لجنة الاتصال العربية، فبات ضروريا تغيير الأولويات بعدما فشل مبدأ المسارات المتوازية أمنيا وسياسيا في العلاقة مع النظام السوري، خصوصا بعدما وجدت لجنة الاتصال العربية أن عصابات المخدرات تستعمل تقنيات عسكرية متطورة جدا، وتمتلك مدافع ضد الطيران، ولديها طائرات درونز.
الخطير أن تجار المخدرات تحولوا إلى كارتيلات تصنيع وتجارة المخدرات في العالم، ولم تنظر لجنة الاتصال العربية إلى تلك التحركات بمنأى عن التحركات السياسية والأمنية برعاية وانخراط الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التي تتبع له من حزب الله اللبناني وغيرها من المليشيات التي تتواجد في سوريا ويقدر عددها بنحو 35 مجموعة تشارك في عمليات التهريب، خصوصا وأن الحرس الثوري الإيراني منزعج من عدم قدرتها على اختراق الساحة الأردنية التي هي أيضا بوابة للسعودية ومصر.
لليوم التاسع خرجت مظاهرات في جنوب سوريا في مدينة السويداء بقيادة رجال الدين تطالب بإسقاط النظام السوري، مستثمرين في تغير الخارطة الدولية والإقليمية بعد مرحلة انكفاء روسي في الحرب الروسية في أوكرانيا، وبعد مرحلة مصالحة إيران مع السعودية برعاية بكين لا تستطيع أن تقوم بمواجهة عسكرية كما كانت من قبل، هذا بالإضافة إلى تواجد قوات أمريكية في شرق سوريا لمنع تمدد الطريق الإيراني العابر من إيران إلى العراق فسوريا فالبحر البيض المتوسط.
تطالب هذه الاحتجاجات بتطبيق القرار 2254 والانتقال السياسي في سوريا مع الحرص على سلمية الاحتجاجات من خلال وضع حاجز يدقق في هويات المارة والسماح لهم بالمرور وتفتيش السيارات التي يشتبهون فيها، مع تصاعد المعارضة في المناطق الموالية للنظام التي وقفت ذات يوم إلى جانب النظام وهي التحدي الأكبر لقبضة الأسد على السلطة بمساعدة حاسمة من روسيا وإيران لكنهما اليوم لن يستطيعا القيام بنفس الدور، خصوصا مع عصيان مدني لم يحدث من قبل ويحظى بدعم مجتمعي وإقليمي ودولي وتمنع روسي إيراني نتيجة تغير الظروف الإقليمية والدولية، ما جعل السلطات تلتزم الصمت إزاء اتساع نطاق الاحتجاجات، لكنها أصدرت تعليمات للأجهزة الأمنية بالابتعاد عن الأنظار، بل أخلت بعض نقاط التفتيش لتجنب الاحتكاك.
هذه الثورة هي ثورة وطنية مستمرة ضد سياسة نظام بشار الأسد التي حرقت البلد وسارت به إلى تأزيم مشكلاته الداخلية والخارجية، ويبدو على عكس ما تأمله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته في قمة جدة 19 مايو 2023 أن تشكل عودة سوريا إلى الجامعة العربية إنهاء لأزمتها، يبدو أنه عاد ووضع نظام الأسد أمام استحقاقات ما بعد الحرب رغم إصرار نظام بشار الأسد على الإبقاء على فتيلها مشتعلا لضرورات قمع البلاد تحت شعار الحرب المستمرة، وأن إمكانات البلد كلها لخدمة تلك الحرب المفتعلة.
بشار الأسد أدرك أن قيادة تحول سياسي هي أيضا تحمل معها نهايته، ما جعله يتراجع عن تلك الاستحقاقات. لكن أيضا استحقاقات تراجعه ستكون أيضا نهايته المحتمومة والذهاب نحو الحلول الضامنة لإحياء سوريا ومنها الحل السياسي الذي ينهي الصراع ويحقق العدالة للسوريين ويفتح الباب على الحلول الحقيقية للواقعين الاقتصادي والسياسي.
وفي نفس الوقت بسبب عدم تحقيق نظام بشار الأسد الاستحقاقات العربية لا يزال القصف الإسرائيلي مستمرا على مطارات سوريا ومخازن الأسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله في سوريا، كان آخرها إخراج مطار حلب عن الخدمة للمرة الرابعة وتحويل الرحلات لمطاري دمشق واللاذقية.
تشن إسرائيل منذ أعوام مئات الضربات الجوية في سوريا طالت مواقع للجيش السوري وأهداف إيرانية وأخرى لحزب الله اللبناني بينها مستودعات أسلحة وذخائر في مناطق متفرقة. ومؤخراَ، أخرجت الضربات مطاري حلب ودمشق عن الخدمة إثر استهدافهما، واستهدفت إسرائيل مستودعات أسلحة في مطار النيرب العسكري المحاذي لمطار حلب ومستودع أسلحة في منطقة السفيرة الواقعة ضمن نفوذ مجموعات موالية لطهران. وطالما نظام بشار الأسد لم يحقق الاستحقاقات العربية في التوقف عن ترك الساحة السورية نهباً لمليشيات طهران، ستبقى منشآته هدفا لضربات إسرائيلية مهمتها نزع جذور إيران العسكرية في سوريا.