الاستماع للمقال صوتياً
|
رسالة المحرّر – خاص وايتهاوس
ماهو المراد بمصطلح الإسلام المعاصر؟ وهل هو تصنيف نقيض للإسلام السلفي أم هو وجه فقهي آخر ذو دلالة حداثوية؟ وهل هناك تبويبان أكاديميان للدين: الأول معاصر ينتمي لشرط الزمان المعاش والآخر ماضوي يوغل في التاريخ والأصولية؟
الجواب مبدئياً يأتي بالنفي: لا، لايوجد إسلامان، هو إسلام واحد وقرآن واحد؛ لكن هناك زمنان، لا بل أزمنة ممتدة في التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه. وهذا يعني أننا سنكون بصدد القراءة الزمنية والمكانية للنص محكومة بالتغيّرات التي تطرأ على تأويلاته عبر العصور، ووفق اتساع رقعة انتشار الإسلام في العالم؛ أعني قراءة النص الديني (الإسلامي) في ظل شرطيّ الجغرافيا والعصر في آن.
فالإسلام المعاصر، بمعناه الإصطلاحي، يشير إلى الشكل الحالي للإسلام والتطورات التي تحدث فيه في العصر الحديث، إذ يتأثر كمادة حية وحيوية في نسيج المجتمعات المسلمة، بالعوامل السياسية والتكنولوجية والثقافية التي تحدث في العالم اليوم.
وفي الإسلام المعاصر، يمكن رؤية تنوعًا كبيرًا في الممارسات والتفسيرات الدينية. هناك تيارات مختلفة في الإسلام، مثل السنية والشيعة والسلفية والصوفية وغيرها، ولكل تيار عقائد وممارسات خاصة به.
تأثّر الإسلام المعاصر بالتحولات السياسية والاجتماعية في العالم الإسلامي، بما يشمل التغيرات الديمغرافية والهجرة والعولمة والحركة المتنامية لوسائط التواصل العابرة للحدود والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية العالمية. تلك التحولات ستؤثر على ممارسات الإسلام والتفسيرات المعاصرة للقرآن والسنة.
واحدة من الجدليات المتواصلة في فهم وتفسير الإسلام المعاصر، هي التواصل بين القيم الإسلامية التقليدية والقضايا الحديثة.
وبينما يحاول العديد من المسلمين المعاصرين تطبيق قيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان في إطار الإسلام، يستخدمون الاجتهاد والتفكير النقدي لتطوير فهمهم للإسلام وتطبيقه على الواقع الحديث.
فمن القراءة الفقهية للنص الديني اشتُقّت الأحكام الشرعية من القرآن والسنة. وكانت مهمة الاشتقاق هذه واقعة على عاتق علماء الاجتهاد قبل أن يتوقف العمل الاجتهادي في النص الإسلامي في القرن الرابع الهجري، وإثر رحيل الأئمة الأربعة . كما كان هناك التفسير/ التأويل للقرآن وللحديث النبوي، وهذا التفسير كان منه ما يقرأ باطن النص وماورائياته بواسطة العلماء الذين أسّسوا لحركة دينية في الإسلام هي وحدها القابضة على البعد الروحي اللا أرضي في اتصال الإنسان بخالقه، أقصد جماعة المتصوّفة. وليس خطاب رابعة العدوية “أن نحب من أحبنا أولاً وهو الله” إلا قمة التصوّف والتوحّد في العشق الإلهي الخالص.
كلا النهجان، التأويلي والاجتهادي، يعتمدان على المعرفة والتجديد في قراءة النص الديني. فالاجتهاد يعتمد على المعارف الفقهية والشرعية في استنباط الأحكام والأصول الدينية، أما التأويل فيعتمد على الكشف المعرفي الذي عادة ما يرتبط بالإبداع الحسّي الفردي في تقصي الحقائق الدينية/ الإلهية مما هو دنيوي بشري ومحسوس. ورغم أن التأويل ظهر مبكرا في الإسلام الأول بين الجماعات الإسلامية بعد وفاة النبي محمد، وكانت أولى إشاراته موقف الخليفة الأول أبي بكر الصديق من مانعي الزكاة فرأى بعضهم عدم محاربتهم، وكان على رأسهم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب والخليفة الرابع علي بن أبي طالب، بينما تفرّد الخليفة الأول برأيه إذ رأى أن حربهم هي في مقام “التأويل” السليم. ورغم أن القرآن حض على التأويل في قول الله تعالى في سورة يوسف (الآية 101) “ربي قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث”.
ولأن النص لا يعيش إلا في ظل التأويل، فقد ظهرت في العصر الحديث حركات إسلامية فردية عديدة تبنت مفهوما جديدا للنص القرآني، كما ظهر مفكرون أصحاب وجهات نظر مغايرة للمتعارف عليه في التراث الإسلامي. ولعل تاريخ هذه الحركة الفكرية الجديدة قد استهله الإمام محمد عبده الذي قاد هجمة شرسة على مؤسسة الدين الرسمية في (الأزهر). وترجع هذه القطيعة الفقهية بين شيخ أزهري والأزهر إلى تأويلاته الحداثوية التي لاقت اعتراضا شرسا من أصحاب العمامات. يقاسم الشيخ محمد عبده ريادته الدكتور طه حسين الذي أحدث ثورة في عالم الفكر الديني ومن أشهر مظاهر ثورته كتابه (في الشعر الجاهلي) الذي رفض فيه ما نحل للشعراء الجاهليين من أشعار على أيدي المفسرين وكتّاب السيرة.
هكذا، ومع غلق باب الاجتهاد الفقهي، وملاحقة أصحاب التأويل والتفسير، توقفت القراءات التي تجاري العصر، وأصبحت الساحة خالية للسلطات السياسية لتتحالف مع أصوات وصولية من خدام البلاط من أجل إحكام القبضة على السلطة من خلال استحداث جناح من أصحاب الفتاوى الجاهزة التي تحيك الفتاوى والأحكام بمقاس أهل الحكم.