الاستماع للمقال صوتياً
|
لم يكن مفادجئاً – لي على الأقل – أن يطرح السيد غير بيدرسن، المندوب الأممي المكلّف بإدارة الملف السوري، مقاربته الجديدة والتجاوزية للحل في سوريا والتي أطلق عليها “سياسة الخطوة خطوة”، ولكن ليس كتسريبات ومداولات خلف الكواليس كما وردني في صيف العام 2021، ولا ضمن برامج تلفزيونية كما فعل في أكثر من ظهور إعلامي منذ أشهر، بل هذه المرة رسمياً في مجلس الأمن، وهنا يكمن لبّ المعضلة.
يتسلّح بيدرسن حسب تصريحاته التي تلت الإحاطة التي قدمها للمجلس منذ بضعة أيام بدعم “روسي أميركي” كما يقول، ولا نعلم إن كان مدعوماً من هيئات المعارضة الرسمية أو أنه يهتمّ أصلاً بدعمها للمضي في خطوته الأقرب للنهج “الكيسنجري” في الشرق الأوسط.
وتتلخص سياسية “خطوة خطوة” في أن تقوم واشنطن وحلفاؤها برفع أو تخفيف بعض العقوبات عن النظام مقابل دفع موسكو للأخير للتقدم خطوات في مسار الحل السياسي المتعثر، والتوقّف تماماً عن أي تصعيد عسكري لتوفير بيئة سبه آمنة يمرّ منها نهج بيدرسن الجديد.
في حقيقة الأمر، لم نكن بغافلين عن نوايا بيدرسن منذ بدأ بتسريبها رويداً رويداً في أروقة صانعي القرار الأميركي هنا في واشنطن. ومن أجل قطع الطريق مبكراً على محاولته هذه الخارجة تماماً عن المهمة التي تم تكليفه بها من قبل الأمم المتحدة وهي إيجاد الآليات لتطبيق القرار الأممي 2254 وتنفيذها، اتصلتُ بقيادات هيئات المعارضة وأخبرتهم مبكراً عما يروّج له بيدرسن في واشنطن، فكانت ردود الفعل إما باردة أو متجاهلة لأهمية هذا الطرح.
ولأن لا دخان بلا نار، قرّرت اللجوء إلى الإعلام وكتبت في واحدة من أبرز الصحف العربية مقالاً شاملاً عن هذا الأمرأرفق رابطه هنا لمن يرغب بالاطلاع. بل عدت وطرحتُ ما يتم تداوله عن توجّه بيدرسن الأخير، وبوضوح تام وشفافية، مع الزملاء في مؤسسات الائتلاف والتفاوضية والدستورية حين زاروا واشنطن في شهر أيلول الفائت، وأمام الحضور في مناسبة العشاء التي جمعتنا بهم هنا في العاصمة الأميركية، فما همفاعلون إثر إحاطة بيدرسن الأخيرة!
يقول المسرح اليوناني القديم ما قبل الميلاد بأنه “في الحروب أولى الضحايا التي تسقط هي الحقيقة”. أما في حرب سوريا فإن الحقيقة لم تسقط شهيدة وحسب، بل ضاع دمها بين القبائل كما ضاع دم عثمان وأصبح قميصه عنواناً لغدر القريب قبل العدو.