رسائل محمد بن سلمان المزدوجة لواشنطن
الاستماع للمقال صوتياً
|
واشنطن – وايتهاوس إن أرابيك
بقلم فريدا غيتيس*
مقال رأي نقلته إلى العربية مرح البقاعي
جاءت الأخبار التي تفيد بأن السعودية وإيران قررتا إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وفي حفل توقيع استضافته الصين، وكأنها الصاعقة التي أذهلت المراقبين وصناع القرار حول العالم.
من المؤكد أن الخصمين القدامى كانا على مدى السنوات العديدة الماضية منخرطين في محادثات مبدأية اكتسبت زخماً قبل بضعة أشهر. لكن توقيت الإعلان عن هكذا اتفاق، لم يكن متوقعاً البتة.
قبل 24 ساعة فقط من إعلان التقارب بين طهران والرياض رسمياً، ذكرت صحيفتا وول ستريت جورنال ونيويورك تايمز أن المملكة العربية السعودية عرضت تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تنازلات من الولايات المتحدة.
مثل هذه الصفقة، كما أعلنت صحيفة التايمز، وبدون مبالغة، “يمكن أن تؤدي إلى إعادة تنظيم خارطة الشرق الأوسط”، وستمنح الرئيس الأمريكي جو بايدن “فرصة للتوسط في اتفاق دراماتيكي”.
في صباح اليوم التالي، تبين أن عملية إعادة ترتيب الخارطة تنهج مساراً مختلفاً تماماً، حيث لعبت الصين بدلاً من الولايات المتحدة دور الوسيط المحوري. وبذلك، ظهرت بيجين لاعباً مهماً في منطقة مارست فيها واشنطن أسبقية دبلوماسية لا جدال فيها منذ نهاية الحرب الباردة.
وبعيداً عن السؤال حول ما إذا كان اتفاق طهران والرياض سيحسّن من شروط الخصومة المتجذر بين العاصمتين، أو سيساعد في تهدئة الصراعات المتعددة التي تغذيها العداءات في الشرق الأوسط، هناك سؤال مهم آخر حول أهمية هذا الحدث الدبلوماسي: فهل هو يشي بتحول من طرف المملكة العربية السعودية يبعدها عن تحالفها الطويل الأمد مع الولايات المتحدة إلى تحالف مع الصين، ذاك المنافس الأكثر إثارة لقلق واشنطن اليوم؟
الجواب: ليس بالضرورة!
فعندما وافق ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان ، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران والسماح للصين بتسهيل الصفقة، كان يتبنى تكتيكاً ساد خلال الحرب الباردة، عندما تنافس الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة على كسب ولاءات الدول في العالم.
لكن، عندما يقترن الاتفاق السعودي الإيراني بالتسريبات حول رغبة لدى الرياض بإعادة العلاقات مع إسرائيل، فإنه يحتوي على رسالة – تحذير ، حتى – لواشنطن.
من المؤكد أن العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة قد تدهورت بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية. وقد دخلت في أزمة بعد قيام فريق سعودي من القتلة بإنهاء حياة أحد أشد منتقدي الرياض ومحمد بن سلمان، الصحافي المعارض جمال خاشقجي. لكن حتى في الوقت الذي طالب فيه بعض أعضاء الكونغرس بخفض مستوى العلاقات مع الرياض، رفض الرئيس (آنذاك)، دونالد ترامب، الانتقادات الموجهة للأمير، مشككاً في تقييم المخابرات الأميركية بشأن تورط الأخير في اغتيال خاشقجي. وبدلاً من خفض مستوى العلاقات، ضاعف ترامب من زخمها بل وطوّرها بقوة منذ الأيام الأولى لرئاسته.
هدأت العلاقات بشكل كبير بعد أن أصبح بايدن رئيساّ. فعندما كان مرشحاً، انتقد بايدن المملكة العربية السعودية بشدة، وتعهد بمعاملتها على أنها دولة “منبوذة”، وهو تعهد ساير أهواء جناح أقصى اليسار للحزب الديمقراطي خلال الانتخابات التمهيدية الرئاسية. وعندما تم استهداف السعوديين بضربات صاروخية من قبل الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران في مارس 2022، كان رد الولايات المتحدة بطيئاً وبارداً بشكل مخيب للآمال في الرياض.
لطالما كانت العلاقة بين واشنطن والرياض علاقة تبادلية، مبنية على اتفاقية متبادلة حيث وفرت الولايات المتحدة للسعوديين الأمن، وفي المقابل، ضمنت المملكة العربية السعودية إمدادات ثابتة من النفط بأسعار معقولة. ولكن بعد أشهر فقط من الهجمات الصاروخية في العام الماضي، طلب بايدن من محمد بن سلمان “فتح الصنابير” في محاولة لخفض أسعار الغاز الباهظة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وفيما بدا على أنه توبيخ سعودي واضح، رفض الأمير طلب بايدن.
اليوم، يضغط محمد بن سلمان على الولايات المتحدة لاتخاذ قرارها، فهل ستلتزم بالضمانات الأمنية التي كانت في صميم العلاقات الأميركية السعودية منذ عهد الرئيس فرانكلين روزفلت، أم ستحتاج الرياض للبحث عن أصدقاء في مكان آخر؟
مما لا شك فيه أن محمد بن سلمان يجد بعض المزايا في العلاقة مع بيجين، ومن الواضح أنه يحبذ فكرة وجود اختيارات مختلفة أمامه. ولكنه قد يفضّل راحة البال في تعهد موثوق بالحماية من الولايات المتحدة، بدلاً من ضمانات من أصدقائه الصينيين الجدد وغير المختبرين.
أما بالنسبة لبايدن، فتمثل المناورة السعودية معضلة موجعة، خاصة إذا كان الرئيس – كما هو متوقع – سيرشح نفسه لإعادة انتخابه رئيساً لدورة ثانية.
لا تزال العلاقات مع المملكة العربية السعودية مثيرة للجدل، ولا يزال الكثيرون في الحزب الديمقراطي يرغبون في خفض مستواها.
أما عن الطرف السعودي، فإن محمد بن سلمان لن يكتفي بالضمانات الأمنية من واشنطن، بل يطالب الولايات المتحدة بتطوير برنامج نووي مدني للمملكة بالإضافة إلى تخفيف قيودها على مبيعات الأسلحة للرياض.
من نافلة القول أن المراقب يشعر بالقلق من أن برنامجاً نووياً سعودياً مدنياً يمكن أن يكون الخطوة الأولى نحو تطوير أسلحة نووية، وإطلاق العنان لسباق تسلح نووي محموم في الشرق الأوسط، ما يؤدي إلى تصعيد مخاطر العديد من الصراعات في المنطقة.
أما عن الاتفاق الدبلوماسي بين المملكة وإيران، فيبدو للمراقب عينه بعيداً كل البعد عن ضمانات حقيقية لتحقيق السلام، والأحداث في الشرق الأوسط – كما يبدو جلياً – تميل إلى اتخاذ منعطفات مفاجئة في اتجاهات غير متوقعة.
WPR
*فريدا غيتيس كاتبة عمود في الشؤون العالمية في سي إن إن وواشنطن بوست. يظهر عمود WPR الخاص بها كل يوم خميس.