السوريون وإعادة تأهيل الأسد
الاستماع للمقال صوتياً
|
بقلم فايز سارة
لندن – خاص وايتهاوس إن أرابيك
مثل أغلب الأوقات التي مرت على السوريين طوال الاثني عشر عاماً الماضية، يظهر السوريون اليوم، وهم في التباس كبير في موقفهم إزاء ما يقال ويحدث في موضوع إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، وتطبيع العلاقات معه وتسويقه في المحيط العربي، التي وإن كانت خطوة بحد ذاتها، فإنها في الوقت نفسه، مقدمة خطوة أكبر وأكثر أهمية، وهي إعادة نظام الأسد إلى المحيط الدولي مما يعني استعادة نظام الأسد مكانته في العلاقات الدولية بما فيها العربية بعد كل ما ارتكبه من جرائم، وخلفه من كوارث على السوريين والعرب والعالم في الاثني عشر عاماً الماضية.
التباس موقف السوريين أساسه ليس اختلافهم في الموقف من إعادة تأهيل النظام. فهذا بعض من اختلافات، حاضرة ومتكررة تواصلت طوال سنوات العقد الماضي حيال معظم -إن لم نقل كل- القضايا والموضوعات المطروحة، بما فيها القضايا الموضوعات التي وقفت فيها أكثرية السوريين موقف واحد ومنها مناهضة نظام القتل والتدمير والاستبداد، ومثله مساعي إعادة تأهيل وتسويق النظام الذي من الواضح أن الأكثرية السورية تعارضه.
الأهم في الالتباس، يكمن في ردات فعل السوريين إزاء القضايا والموضوعات، التي يعارضونها، والتي تدفعهم سريعاً للدخول في موجات من الغضب الشديد، ويظهرون عبرها ردات فعل يغلب عليها طابع الارتجال والعفوية، ترافقها موجات من الإحباط، دون أن يمنع كله بعض السوريين من تنظيم مظاهرات واعتصامات اعتراضاً وتنديداً لما يحصل، ويتجاوز بعضهم ما سبق إلى إصدار البيانات وعقد الندوات واللقاءات المباشرة أو عبر الفضاء الالكتروني، وفي أغلب ماتقدم من أفعال، يتم إطلاق شعارات، وتصدر تحليلات لاتخلو من اتهامات ومظلوميات، تتجاوز القضية المطروحة والموقف منها، وكله يمكن أن يكون مفهوماً ومبرراً بدرجة ما، إذا كانت الأفعال صادرة في إطار حراك شعبي عام، او من قبل ناشطين شباب، لكنها في أحيان أخرى تتم بإشارات من جماعات وقوى وشخصيات سياسية ومسلحة وبمشاركة قيادات وكوادر في تحالفات معارضة.
ويتجاوز الالتباس السوري ماسبق إلى ماهو أخطر. وبدل أن يتوقف الأشخاص والقوى المنظمة أمام مايجري والتدقيق فيه بصورة موضوعية وتقييمه، فإن المواقف تتكرر، وتتراكم سلبياتها على السوريين وقضيتهم، فيزيد بعدهم عن الوصول الى أهدافهم وانتصار قضيتهم.
لقد خسر السوريون وخسرت قضيتهم الكثير بفعل الالتباسات في المواقف من القضايا والموضوعات التي أحاطت بالقضية السورية، لدرجة أن القضية صارت مهملة من جانب الأصدقاء، وفقدت تعبيراتها السياسية والمسلحة من تنظيمات وشخصيات مكانتها وتأثيرها في المستويات المحلية والخارجية في آن معاً، ولعل بين ابرز الامثلة حالة الائتلاف الوطني الذي كانت تدعمه وتقيم علاقات معه عشرات الدول، ومثله الجماعات المسلحة التي كانت تدعمها دول كثيرة عبر غرف عمليات في تركيا والأردن، قد أصبحت جميعها مركونة في زاوية هامشية من السياسة التركية ليس إلا.
إن الاشارات السابقة، تبدو ضرورة لفهم مايدور حول موضوع تأهيل نظام الأسد وتسويقه، وما يبذل بصدده من جهد أوساط دبلوماسية وإعلامية عربية ودولية، وهو أمر ليس بجديد. إذ هو مستمر منذ سنوات، ويتواصل متحركاً ببطء وبشكل متقطع نتيجة عوامل متعددة بينها مساع روسية وعربية، أدت الى استعادة بعض البلدان العربية لعلاقاتها مع النظام، وحصول زيارات عربية لدمشق، وجاء تحركه الأخير في ضوء توجه تركيا للانفتاح على النظام، وتصاعد الحديث بصدده في أعقاب كارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا، والتي دفعت دولاً عربية لكسر مقاطعتها للنظام وإرسال مساعدات إنسانية إلى سوريين مقيمين في مناطق سيطرته، وقد استغل النظام وبعض الأطراف الراغبة في إعادة تأهيله المستجدات الأخيرة لتصعيد القول والذهاب إلى الأبعد في تحليل الوقائع وتفسيرها في إطار الترويج للفكرة، بل ان ذلك دفع الاطراف الى نسيان وتجاهل وقائع ومعطيات صلبة، كرستها سياسات وسلوكيات نظام الأسد منذ العام 2011، ليس إزاء السوريين وما ما وقع عليهم من جرائم كبرى، بل ضد المحيط العربي والدولي الذي يضم دولاً تسعى إلى إعادة تأهيل النظام، وقد اتهم بعضها بالمشاركة بالمؤامرة الدولية ضده، وتحالف مع إيران وسلمها سوريا لدعم وتعزيز مساعيها في السيطرة على المنطقة.
ومما لاشك فيه، أن مساعي تأهيل نظام الأسد الذي تسعى إليه دول عربية أهمها دول خليجية، لاتتم بعيداً عن مصالح الأطراف الساعية إليها، وهي مصالح تكاد تكون محصورة في الجوانب السياسية، لأنه الوضع في الجوانب الاقتصادية أكثر من سيئ، ليس هناك مايغري في بلد مدمر وشعب مشتت ومفقر، ووسط ممانعة اميركية لأية مشاركة في إعادة إعمار سوريا قبل انخراط نظام الأسد في الحل السياسي للصراع في سوريا وعليها.
إن الأهم في المصالح السياسية للساعين هو وجود إيران في سوريا، التي تمثل نقطة ارتكاز في تمدد إيران الإقليمي وتهديدها للخليج وعموم شرق المتوسط، مما يتطلب إخراجها من سوريا، وهو أمر لا يمكن المضي فيه، دون إطلاق حل سياسي للصراع السوري وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، يفقد إيران المبرر السياسي لوجودها في هذا البلد.
ولايحتاج الى تأكيد، أن إخراج إيران من سوريا والذهاب إلى حل سياسي بين الأهم في مطالب وأهداف السوريين المعارضين لنظام الأسد، ولاشك أن السير العملي والجدي بهما، سيكون أول مؤشرات تغيير النظام في سوريا، وأن إنجازهما سوف يؤدي إلى تغيير النظام، حتى لو لم يتم الإعلان عن التغيير.
ليس مطلوب من السوريين، أن يعلنوا موافقة وتأييداً لمساعي تأهيل النظام، ولا السكوت عن ذلك، بل ان عليهما وعلى نخبتهم السياسية خاصة الخروج من نمطها القديم الذي مازال يسيطر على تفكيرها وسلوكها، ووقف غضبها الجامح وعقلانيته والتوقف عن الهجوم على أي كان وفي كل مكان وزمان وكيفما كان، والتحول إلى خلق سياسات تجعل السوريين قادرين على الاستفادة من اي سياسات اقليمية او دولية تتعلق بقضيتهم، وتحويلها الى مايخدم القضية بدل تحويل اصحاب تلك السياسات الى اعداء، يمكن وصفهم بأنهم “أسوأ من بشار ونظامه”.