مصير الانتخابات الرئاسية التركية ما بعد الزلزال
الاستماع للمقال صوتياً
|
بقلم مارك بييريني
في 6 شباط/فبراير، تسبّبت سلسلة من الهزّات الأرضية بالدمار والأسى لسكان سورية وتركيا، إذ لقي آلاف الأشخاص مصرعهم (فبحلول منتصف يوم 7 شباط/فبراير، قُدِّرت حصيلة القتلى بأكثر من 5,000 شخص) وساهم الدمار الواسع والطقس البارد في إحباط معنويات الناجين على نحو متزايد. ليس مفاجئًا إذًا أن ذلك كلّه زاد من احتمالات تقدّم السياسة قريبا إلى الواجهة.
كان ردّ الفعل الأوّل تقييم مدى القوة الهائلة لهذا الزلزال. سُجِّل وقوع أضرار من شمال شرق قبرص وصولًا إلى أرضروم في شمال شرق الأناضول، وطالت الأضرار أيضا شمال غرب سورية. يبلغ مجموع السكان في هذه المنطقة نحو 19 مليون نسمة. ومع خروج بعض المطارات من الخدمة، وتضرّر عدد كبير من الطرقات، ودمار خطوط التيار الكهربائي، وتدفّق الطلبات على خدمات الدولة والمنظمات المدنية، ووصول المساعدات الخارجية على وجه السرعة، كان محتومًا أن تتبع الكارثة فترةٌ تسودها حالةٌ قريبة من الفوضى، تفاقم أسى السكان المنكوبين ومعاناتهم. كان أمرًا جيّدا مع ذلك أن تركيا وسورية طلبتا مساعدات خارجية، وكان من المريح رؤية الأعداد الكبيرة من فرق الإنقاذ التي وصلت للمساعدة أو هي في طريقها إلى هناك. ولكن، للأسف، سيعيش السكان على جانبَي الحدود التركية السورية مرحلةً من المشقّات المستمرة خلال الأشهر المقبلة.
مما لا شكّ فيه أن الصعوبة مضاعفةٌ في مواجهة زلزال ضرب منطقة ترزح أصلًا تحت وطأة النزاعات العسكرية. لذلك يُتوقَّع من جميع القوات العسكرية في المنطقة – الجيوش الروسية والسورية والتركية، بالإضافة إلى القوات الكردية والمناهضة للأسد – تطبيق وقف فوري لإطلاق النار بحكم الأمر الواقع، على أن يستمر طوال المدّة التي تستغرقها عمليات الإنقاذ. وينبغي أيضا تكثيف العمليات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى سورية، والتي يُسمَح بها أساسا بموجب تفاهم برعاية الأمم المتحدة. وينبغي فتح ميناء اللاذقية ومطارها أمام العمليات الإنسانية تحت إشراف الأمم المتحدة. ولكن ذلك يتطلب مرونة من جهة الحكومتَين في دمشق وموسكو.
يقود ذلك إلى ملاحظة ثالثة عن الغُبن المحتمل في معاملة الجهات المانحة الدولية لسورية مقارنةً مع معاملتها لتركيا. فالمخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية التي يشنّها الكثير من الأفرقاء، والأضرار التي سبق أن لحقت بالبنى التحتية الخاصة بالمواصلات وأنظمة الصرف الصحي في شمال سورية، وممارسات النظام السوري بحق شعبه على مدى اثنَي عشر عامًا من النزاع، قد تؤدّي مجتمعةً إلى تدفّق المساعدات إلى البلاد بكميات أقل من المطلوب. التمست السلطات السورية المساعدة فور وقوع الزلزال، ولكن عليها أن تتعهد الآن رسميا بالتعاون الكامل والشفّاف مع الجهات المانحة للمساعدات، فيما ينبغي على الأمم المتحدة أن تؤدّي دور الضامن لمرور المساعدات الإنسانية بشكل آمن وتوزيعها بطريقة فعّالة.
ثمة قاسمٌ مشترك بين الدمار في سورية وتركيا. فالقواعد والمعايير المضادة للزلازل، سواءً كانت موضوعة أم لا، والتي تفرض التقيّد بمقتضيات معيّنة للحصول على تراخيص البناء، لا تُطبَّق في معظم الأحيان بسبب الفساد المستشري، والمصالح الشخصية، والمضاربات العقارية. لقد تسبب انهيار آلاف المباني، ومنها مستشفى حكومي في تركيا، بنشوب خلافٍ سياسي. وسيستغرق صنّاع السياسات وقتًا لاستخلاص العبَر وصياغة توصيات ناجعة، لكن في المدى المتوسط لن تنجو القيادة التركية على الأرجح من وابل الانتقادات الشديدة من المعارضة السياسية في البلاد ومن الجمهور العريض.
يُشار إلى أن التوسّع السريع في مشاريع البنى التحتية كان في صُلب أولويات حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان طوال عشرين عامًا، وشملت هذه المشاريع بناء الكثير من الطرقات السريعة الجديدة والمطارات والمستشفيات، وترافق ذلك مع طفرة في المشاريع السكنية في المدن. لكن قد يؤدّي ذلك إلى ارتدادات عكسية تلقي بظلالها على الحزب، إذ ستُثار تساؤلات حول مدى تطبيق معايير البناء المضادة للزلازل، أو سيُشتبه بأن العقود العامة قد مُنحت إلى شبكات المحسوبية السياسية التابعة للنظام، فشيّدت مشاريع إسكان اجتماعية لا ترقى إلى المستوى المطلوب.
على ضوء ذلك، بات موعد الانتخابات التركية موضع تكهّن قد يرسم معالم المشهد السياسي التركي في الأيام المقبلة. نظرا إلى أن الزلزال ألحق الضرر بنحو 16 مليون نسمة من أصل مجموع السكان البالغ عددهم 86 مليون نسمة، ويُرجَّح أن عشرات الآلاف باتوا الآن من دون مأوى وتبعثرت ممتلكاتهم تحت الأنقاض، بما في ذلك أوراقهم الثبوتية، فيما طال الدمار الكثير من المباني الإدارية، فهل سيكون من الممكن تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية عادلة في 14 أيار/مايو المقبل، كما هو متوقع؟
يبقى هذا السؤال مطروحًا. والأولوية هي الآن للتضامن الدولي والاستجابة الإنسانية الطارئة. لكن الهزات الارتدادية الناجمة عن الزلزال ستواصل التأثير في المشهد السياسي التركي على مدى الأشهر المقبلة.
المصدر: مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط