آخر التحديثات

هل تتحمّل واشنطن مسؤولية تدهور الدينار العراقي؟

الاستماع للمقال صوتياً

بقلم ريهام الحكيم

خاص WHIA -بغداد

شهدت العاصمة العراقية بغداد هذا الأسبوع تظاهرة ضمت حوالي ألف متظاهر أمام البنك المركزي العراقي للضغط على الحكومة والمطالبة بحل مشكلة سعر الصرف بعد تراجع ملحوظ للدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي (ليفقد نحو 10% من قيمته خلال الأيام القليلة الماضية)، ما تسبب بالإطاحة بمحافظ البنك المركزي العراقي مصطفى غالب مخيف بعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إعفاءه من منصبه بناء على طلبه، وتكليف المحافظ السابق علي محسن العلاق بدلا منه.

وتم إحالة مدير المصرف العراقي للتجارة سالم شلبي وتكليف بلال الحمداني مكانه، ومداهمة عدد من مكاتب بيع العملات الأجنبية واعتقال عددا أخرمن التجار.

الجدل بين الأوساط السياسية والشعبية العراقية ينتقد إرتفاع سعر الدولار بشكل كبير، فبينما كان مستقرا لسنوات بـ 1225 دينار مقابل الدولار، في عام 2021 اتخذ البنك المركزي قرارا برفع سعره لـ 1500 دينار مقابل الدولار.

وعلى عكس ما كانت الحكومة الجديدة برئاسة السوداني قد تعهدت بأنها ستعمل على تخفيض السعر، إلا أنه ارتفع بطفرات مفاجئة ووصل إلى 1600 دينار مقابل الدولار في يناير/كانون الثاني الحالي 2023.

ويرجع تراجع سعر الصرف إلى بدء العراق بالإمتثال لقواعد دولية في التحويلات المالية، نظام التحويلات الدولية (SWIFT code)، ما اثر في حجم عرض الدولار في السوق وانعكس بصورة مباشرة على أسعار المواد والسلع التي شهدت ارتفاعات وهو ما أثار سخط الشارع.

وفي سبيل الحد من تراجع سعر الصرف، قرر السوداني جملة من التدابير الإضافية، كفتح نافذة جديدة لبيع العملة الأجنبية لصغار التجار وتمويل البنك المركزي للمصرف العراقي للتجارة بمبلغ إضافي يقدر بـ 500 مليون دولار أمريكي لغرض فتح اعتمادات مستندية لصغار التجار.

بداية الأزمة
في نهاية عام 2020 بدء التدني في قيمة الدينار، وانخفضت قيمة العملة العراقية بقدار 20%، ثم واصل الانخفاض في السوق. وقبل نهاية عام 2022، بدء انخفاض قيمة الدينار ما يقارب 10% من قيمته، أى بإجمالي نسبة إنخفاض 30 % في قيمة الشراء في أقل من عامين.

ينعكس هذا التراجع للدينار مباشرة على القوة الشرائية لذي الدخل المحدود ولا سيما أن عدد الذين يعيشون في العراق على رواتب شهرية ثابتة يصل إلى ما يقارب 7 مليون عراقي من عدد 40 مليون نسمة موزعة في صورة موظفين ورواتب للمتقاعدين والرعاية الاجتماعية.

أما خطوة تغيير المحافظ فهى خطوة لتغيير سياسات أكثر منها تغيير أشخاص، فالمحافظ الجديد علي العلاق، كان محافظا للبنك المركزي العراقي منذ العام 2014 حتى منتصف عام 2020. وفي عهده شهدت الفترة من 2017 حتى عام 2020 استقرارا في قيمة الدينار العراقي.

ولأن الاقتصاد العراقي، اقتصاد ريعي بالأساس، فهو يعتمد بشكل كبير على الاستيراد في تغطية الطلب الكلي على السلع والخدمات سواء كانت استهلاكية أم وسيطة أم إنتاجية، ما يشكل طلبا على العملة الأجنبية لإشباع رغبة السوق المحلية من العملة لتمويل الاستيرادات.

وهو ما يشكل ضغطا على أي حكومة ويجعل من السياسة النقدية للبلاد عرضة للصدمات الخارجية بسبب تقلب أسعار النفط أو ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق الدولية.

تردي قيمة الدينار العراقي ازاء الدولار، تسبب في مشاكل خاصة للطبقات الفقيرة، زائدا أن الأزمة تزامنت مع بدء السوداني بإستلام ادارة الدولة وهو ما أثر على مسار الحكومة الجديدة، حيث ان سعر الصرف مهم ومحدد لمسار الإقتصاد العراقي، ولانه مستورد صافي وبالتالي يصعب قبول تدني قيمة الدينار.

البنك الفيدرالي الأميركي
اتجهت بعض الانتقادات في الساحة العراقية لتحميل البنك الفيدرالي الأميركي المسؤولية عما وصل إليه سعر الصرف الخاص بالدينار العراقي وانخفاض قيمته بنسبة 10 %، ولعل الموضوع يتعلق بالترتيبات المالية أو ما يسمى بـ Financial arrangement وفق قواعد التحويل المالي الدولي، وحيت أن العراق قد ربط عملته بالدولار، وبعد قرار البنك الفيدرالي الأميركي وضع شروطا رقابية مشددة تلزم نافذة بيع العملة (أي المصارف) بعرض قوائم بالدولار المباع تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة لبيان سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، وعدم ارتباطه بجهات خاضعة للحظر أو العقوبات الدولية من قبل الفيدرالي الأميركي. بمعنى آخر، أصبحت عملية التحويل تشمل مراجعة 3 أطراف رئيسية ألا وهى البنك المركزي العراقي، البنك الفيدرالي الأميركي، والمصرف المراسل.

وجدير بالذكر أن جميع الأموال التي يديرها البنك المركزي لمصلحة الحكومة العراقية بشكل عام موجودة في البنك الفيدرالي الأميركي الذي يوفر الحماية لهذه الأموال.

اتخذ البنك الفيدرالي الأميركي تلك الخطوات التي تشدد على عملية التدقيق بعد عدد من القضايا والاتهامات التي شابت عمليات تحويل العملة داخل المصارف العراقية لصالح دول أخرى أو شابها فساد، كان اخرها الفضيحة التي عرفت باسم “سرقة القرن” واتهم فيها أربعة مصارف عراقية ساهمت في تحويل اموال لفاسدين وهو ما خلق أزمة ثقة، دفعت البنك الفيدرالي الأمريكي إلى التشدد في البدء بفرض قواعد جديدة للإفصاح وتغيير طريقة و أسلوب التحويل الخارجي إلى بيع مباشر عبر نظام الـ SWIFT، وهذا ما لم تألفه المصارف العراقية ولا التجار العراقيين، وتسبب في إرجاع عدد كبير من الحولات وبناء على هذا الإرجاع الكبير، نشاءت أزمة عرض الدولار لأغراض الإستيراد في القطاع المصرفي.

تحدث المحافظ الجديد عن التوجه لتخفيض قيمة الدولار خلال مدة قصيرة، وتم فتح اعتماد 500 مليون دولار للمصرف العراقي للتجارة، وتم تغيير البنك من أجل دعم صغار التجار وفتح الاعتمادية المستندية التي يمكن من خلالها أن يقلل من أضرار عملية التدقيق.

يحتاج الاقتصاد العراقي حاليا إلى تعديلات حاسمة على المستوى التقني والإجرائي، تؤتي نتائجها، وتؤدي إلى إصلاحات جزرية ترفع من القدرة الشرائية للمواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى