المشهد السوفييتي ومفارقات الحرب الروسية على أوكرانيا
الاستماع للمقال صوتياً
|
رأي بقلم هارلان أولمان
*عن موقع The Hill
نقلته إلى العربية مرح البقاعي
في العام 1939، وصف ونستون تشرشل الاتحاد السوفيتي بأنه “لغز، مغلّف بسر، في قلب أحجية”. ولو كان على قيد الحياة اليوم، فقد يرى الحرب في أوكرانيا “مستنقعا محفوفا بالخطر داخل مفارقة مزدوجة”.
تمثل المفارقة المزدوجة هذه وجهين لنفس العملة الجيوستراتيجية التي تعتمد عليها النتيجة المستقبلية لتلك الحرب.
التناقض واضح ويمكن طرحه عبر هذه التساؤلات: هل يمكن أو ينبغي تحميل روسيا المسؤولية والمساءلة عن غزوها غير المبرر لأوكرانيا؟ وعلى المدى الطويل، هل ينبغي للغرب أن يعاقب روسيا بعزلها تماما؟ وهل التعويضات من روسيا لإعادة الإعمار التي يمكن أن تصل إلى مئات المليارات من اليورو لها ما يبررها؟ وهل ينطبق نفس المنطق على محاكم جرائم الحرب وتقديم المذنبين إلى العدالة؟
أو بقراءة أخرى، هل يمكن إعفاء روسيا من المسؤولية عن تدمير جزء كبير من دولة مستقلة وارتكاب جرائم حرب وفظائع وخرق المعاهدات والقانون الدولي، وذلك على أساس أن المواجهة معها يمكن أن تؤدي إلى نتائج أسوأ؟
من المحتمل أن تنهار روسيا المهزومة من الداخل كما حدث في عامي 1917 و 1991. إلا أن العواقب بالنسبة للغرب هذه المرة يمكن أن تكون أشد خطورة مما حدث في زمن الاتحاد السوفيتي، إذ سحيل انهيارها إلى صراع اقتصادي وسياسي وحتى عسكري أكبر وأشد بأساً.
من منظور قانوني وأخلاقي قائم على القواعد، فإن الفشل في محاسبة موسكو بالكامل أمر خاطئ بشكل مطلق. لكن إجبار روسيا على دفع التعويضات والمحاسبة على جرائم الحرب سيتطلب شكلاً من أشكال الاستسلام أو تغيير كبير في النظام داخل موسكو.
المفارقة الحرجة الثانية تكمن في المعاملة بالمثل أو رد الصاع بصاعين. إذ تعمل روسيا على تدمير البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، أما الغرب، فصامت بشأن أوجه التشابه بين هجمات البنية التحتية هذه وحملات القصف الإستراتيجية للحلفاء ضد ألمانيا النازية واليابان في زمنها. لكن المنطق يقول إن الحلفاء لم يبدأوا الحرب العالمية الثانية!
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا ترد أوكرانيا بالمثل وبهجوم مباشر؟
البيت الأبيض يطالب بالحذر وعدم تصعيد الحرب خارج حدود أوكرانيا. لكن لنفترض أن السبيل الوحيد أمام أوكرانيا لمواجهة حملة القصف الروسية وإنهاء الحرب هو ضرب روسيا في الداخل.
المفارقة بديهية.. السماح لروسيا بمعاقبة المدنيين الأوكرانيين كوسيلة لإجبار كييف على الاستسلام وإنهاء الحرب بشروط موسكو من جهة، أو السماح لأوكرانيا بمهاجمة أهداف داخل روسيا ليس فقط بعدد قليل من الطائرات بدون طيار الموجهة ضد المنشآت العسكرية ولكن ضد بنيتها التحتية، ما سيؤدي حكما إلى التصعيد الكبير.
يؤثر فصل الشتاء على الحرب في أوكرانيا. فالحرمان من الطاقة والمياه والغذاء سيكون له أثره لا شك. وبغض النظر عن مدى شجاعة وحزم الأوكرانيين، في مرحلة ما، ستؤثر ضرورات الحياة على الإرادة السياسية.
التعرف على كلا التناقضين والبدء في معالجتهما هو نقطة البداية. لم تعلن إدارتا بايدن ولا زيلينسكي علناً عن استراتيجية خروج واقعية أو خطة موثوقة لإنهاء الحرب. يبدو أن استعادة جميع الأراضي الأوكرانية التي احتلتها روسيا، بما في ذلك القرم، ربما تكون أمنية بعيدة. أو ربما يجب إلحاق المزيد من الضرر بالجيش الروسي قبل أن ترضى موسكو بالمصالحة.
هل ستتم معالجة هذه المفارقات والأسئلة في الوقت المناسب للتأثير على نتيجة الحرب بشروط مواتية لأوكرانيا والغرب؟ هل كانت الولايات المتحدة حذرة للغاية في الحد من نقل الأسلحة الهجومية القادرة على ضرب روسيا؟ هل التهديد بالتصعيد خطير بما يكفي لاحتواء الحرب داخل أوكرانيا مع استثناءات قليلة؟ أم أن نقل المعركة مباشرة إلى روسيا هو الطريقة الوحيدة الفعالة، إن لم تكن الأكثر خطورة، لإنهاء الحرب؟
إذا تُركت هذه المفارقات لتتفاقم وتم تجاهل هذه الأسئلة، فقد تستمر الحرب مستنقعا لا يمكن أو لن يتم تخليص روسيا وأوكرانيا منه.
وهل يمكن إجراء مراجعة سياسية ملزمة في واشنطن وبروكسل وكييف وموسكو قبل أن يؤدي تدمير أكبر وخسائر أعظم في الأرواح إلى إجبار الطرفين على المفاوضات؟
يمكن أن يحمل العام 2023 مشهد العام 1914! هذه مخاطرة لا تستحق المجازفة.
*هارلان أولمان كبير مستشاري المجلس الأطلسي والمؤلف الرئيسي لكتاب “الصدمة والرعب”.
*الترجمة والتحرير الخبري خدمة يقدمها المحرّر في منصة WHIA نقلاً عن النص الانكليزي الأصل، مع الاحتفاظ بجوهر الخبر ومراعاة دقة نقل المعلومات.