معادلات السوداني في مواجهة الطبقة السياسية الصلبة
الاستماع للمقال صوتياً
|
بغداد -WHIA
ريهام الحكيم
على خلفية الصراعات السياسية في العراق، الشيعية-الشيعية بين كل من “التيار الصدري” بقيادة الزعيم الديني مقتدى الصدر وتحالف الأحزاب الشيعية المعروف باسم “الإطار التنسيقي”، وبين تكتلات سنية متصارعة وأحزاب كردية متنافسة، تشكلت حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني، وسط مجموعة معقدة من العلاقات السياسية التي توجب على رئيس الحكومة الجديد إجراء موازنات في ما بينها للمحافظة على استقرار حكومته.
محور الخلافات حول سياسة الحكومات العراقية السابقة عادة ما تبدأ من أسلوب التعاطي حول إقتصار منصب رئيس الوزراء على تنفيذ الأجندات السياسية للمتحالفين في تشكيل الحكومة، بينما من يسعى لتوسع تلك المساحة لتشمل رسم سياسة البلد واعطاء مساحة أوسع في الأداء الوظيفي للحكومات يجد اعتراضا برلمانيا من الأحزاب المتنفذة.
فهل ينجح السوداني وحكومته الجديدة، في إصدار قرارات جريئة تتعلق بمكافحة الفساد وتعقب الفاسدين وتفكيك الشبكة الاقتصادية للأحزاب السياسية؟ هل ينجح في مواجهة معظم أو كل الطبقة السياسية التي تورطت بالفساد؟ أم يكتفى بتشكيل لجان شكلية وإطلاق وعود غير قابلة للتنفيذ على حساب طموح المجتمع في مقابل طموحات الأحزاب الفاعلة، ليسجل رقما إضافيا في سجل الفشل الحكومي؟
اتجه السوداني كسابقيه من رؤساء الوزراء العراقيين، لعقد سلسلة من الاتفاقات السياسية موقعة بين المكونات الثلاثة (القوى السنية والشيعية والكردية) واعتمد السوداني في تشكيلة الجديدة، بشكل رئيسي، على تحالف “الإطار التنسيقي” والذي يملك عدد 140 عضوا في البرلمان العراقي من أصل 329. وهو ”الإطار” الذي يضم عددا من الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية مختلفة التوجهات، والتي اعتادت على تفضيل مصالحها الحزبية على مصالح المجتمع.
واجه السوداني (كغيره ممن سبقه) معضلة في رسم سياساته الحكومة الخاصة بالتعيينات في الدرجات الخاصة، وإعفاء ذوى المناصب السابقين، كما هو الحال في عدد من المناصب الأمنية العليا والتي تم إعطاؤها إلى مسؤولين مقربين من الأحزاب المدعومة من إيران بما في ذلك منصب مدير جهاز المخابرات، والذي كان يشغله سابقا مسؤول غير محسوب على الجانب الإيراني.
عملية توزيع المناصب للدرجات الخاصة المسؤولة عن إدارة المؤسسات والشركات العامة بالدولة، بدءا من وكلاء الوزارات، حتى المدراء العامين ومعاونيهم، دائما ما كانت مصدرا للاختلاف والتصارع، فهي تمر بسلسلة معقدة من المعادلات التي تتطلب المحافظة على التوازن في توزيع المناصب بين المكونات الاجتماعية وعامل الاستحقاق الانتخابي، لتُفقد رئيس الجكومة جزءا كبيرا من سلطته باختيار أشخاص غير كفء ترضيا للأحزاب التي أوصلته للحكم.
وليست المناصب العليا فحسب، بل جدية الوزراء أنفسهم في تطبيق توجيهات رئيس الحكومة، و قدرتهم على الثبات عليها، في حال تعارضت الخطة الحكومية مع مصالح كتلهم وأحزابهم التي وضعتهم في التشكيلة الوزراية.
تسربت للصحف العراقية أنباء عن خلافات داخل أحزاب “الإطار التنسيقي” – الذي دعم السوداني للوصول للحكم- مؤخرا بسبب قرارات متخذة من قبل الأخير بدون الرجوع لقوى “الإطار”، ولعل انشغال أحزاب “الإطار” وحركاته السياسية والمسلحة والكتل السنية والكردية بحجز المناصب الحكومية ليس بالجديد، وبالرغم من الإخفاقات الحكومية التي كانت واضحة وملموسة إثر فرض وزراء بعينهم من قبل الأحزاب، هذه المرة صدرت تهديدات وأصوات ضد السوداني نفسه بجمع تواقيع لسحب الثقة منه داخل البرلمان.
رسمت الصراعات السياسية تداعياتها على الجانب الافتصادي، وتقدر وزارة التخطيط العراقية عدد 9 مليون عراقي بنسبة 23% من سكان العراق – البالغ عددهم 40 مليون نسمة – يعتمدون في معيشتهم على الدولة بصورة مباشرة، ويتقاضون رواتب شهرية ورعاية إجتماعية. ملف البطالة والعاطلين عن العمل يمثل تحديا كبيرا للاقتصاد العراقي وللحكومات العراقية. وإعتادت الحكومات السابقة إختيار الحل الأسهل وهو تثبيت المتعاقدين وتحميل الموازنة العامة للبلاد أعباء أكبر.
ويشهد الاقتصاد العراقي حاليا وفرة مالية بسبب ارتفاع أسعار النفط عالميا، ولكن تحقيق التنمية الاقتصادية، يحتاج منهجية علمية في تحديد الأولويات وكيفية توجيه الموارد نحو المشاريع الاستثمارية المدرة للدخل، التي تعظم القيمة المضافة.
افتقرت حكومات ما بعد 2003 إلى سياسة قوية من الدبلوماسية اللازمة لتحسين علاقاتها الدولية، بالتالي تحسين ظروفها المحلية. وتوسيع آفاق العلاقات بقوى إقليمية ودولية متعددة، نزع فتيل أزمات المنطقة وتطويق المشكلات والخلافات بين الأطراف الإقليمية المتخاصمة وذلك عبر تهيئة الأجواء والظروف المناسبة لحوارات بناءة.
تحدث السوداني مؤخرا عن تطلعات العراقَ أيضا إلى اقتباس تجربة الصين الناجحة في مكافحة الفقر، وانتشال مئاتِ الملايين من مواطنيها من خط الفقر، ومحاربة التصحّر والتغيير المناخي والانتقال من اقتصاد الدولة إلى اقتصاد السوق.
من الجدير ذكره أن مشكلة العراق الاقتصادية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعامل الأمني والاجتماعي، الأمر الذي عرقل خريطة الإصلاح الاقتصادي وإمكانية إشراك القطاع الخاص في تنفيذ البرنامج الحكومي الخدمي وتوزيع المال العام بشكل يضمن استفادة المواطن.