بوتين في حلف المأزومين
الاستماع للمقال صوتياً
|
مرح البقاعي
وإيران أيضاً دخلت على خط الوعيد والتحذير الشديد اللهجة، وقد وجّهته للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، رفضاً لتصريحاته الأخيرة التي تؤكد المعلومات حول استخدام روسيا لطائرات إيرانية بدون طيار في حربها على أوكرانيا.
ارتفعت شدة اللهجة في طهران إثر زيارة الرئيس زيلينسكي لواشنطن، الزيارة التي حظيت بترحيب بليغ واستثنائي على مستوى البيت الأبيض من جهة، والمستوى النيابي من جهة أخرى، حيث اجتمع الطرفان “المتناقضان” في الحزبين الجمهوري والديمقراطي على الاحتفاء بكلمة زيلينسكي أمام أعضاء الكونغرس، بل والتصفيق له بحرارة شديدة، والوقوف له طويلاً أثناء إلقائه الكلمة.
خلال كلمته تحت قبة الكابيتول، تحدث الرئيس الأوكراني عن موجات متوالية من الهجمات الصاروخية المتكررة لروسيا، وقال إن إيران أصبحت حليفة لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في “سياسة الإبادة الجماعية للمدنيين الأوكرانيين”، وأن “الطائرات بدون طيار الإيرانية القاتلة المرسلة إلى روسيا بالمئات، أصبحت تشكل تهديداً للبنية التحتية الحيوية للبلاد”. وحذّر زيلينسكي من أن موسكو لن تتوانى عن استخدام الطيران الإيراني في أعياد الميلاد ورأس السنة لمزيد من الترهيب ومنع السكان من ممارسة حقهم الطبيعي في استقبال العام الجديد بقليل من الهدوء والسكينة، ولو كانت مؤقتة، كما تفعل شعوب الأرض قاطبة.
وبعيداً عن الصراخ الإيراني الذي جاء متزامناً مع الصراخ الروسي، حيث ظهر الرئيس الروسي بوتين مباشرة بعد انتهاء زيلينسكي من زيارته للولايات المتحدة ليشن هجوماً قاسياُ على واشنطن بسبب تزويدها خصمه بمنظومة الصواريخ المتقدمة باتريوت؛ بعيداً عن التشنج الروسي والإيراني، يستطيع المراقب أن يقرأ اللغة الواثقة والقوية التي أكد بها مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن في يد إدارة بايدن معلومات مؤكدة بأن روسيا تلقت أول شحنة من الطائرات بدون طيار “شاهد” في تاريخ 19 أغسطس/آب الفائت حين غادرت الشحنة إيران متجهة إلى موسكو. وأكّدت معلومات متطابقة مصدرها الاستخبارات البريطانية وصول هذه الشحنة إلى موسكو، وذلك بعد أن نفذت مخازنها من طائرات الدرونز التي تعتمد عليها بشكل متواصل في حربها على أوكرانيا.
ومن المثير للسخرية أن وزارة خارجية حكومة طهران أصدرت بياناً رسمياً في هذا الشأن أنكرت فيه تماماً تزويدها أية معدات عسكرية لموسكو لاستخدامها في الحرب الدائرة. وتحدث الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قائلاً “إن السيد زيلينسكي يعلم أن صبر إيران الاستراتيجي على مثل هذه الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة بدأ ينفذ”، وقدّم النصح للرئيس الأوكراني “باستخلاص الدروس من مصير بعض القادة السياسيين الذين اعتمدوا على الدعم الأميركي”.
من الجلي أن التصريحات الروسية التي جاءت على لسان بوتين، والموازية لنظيرتها الإيرانية الرسمية، بدأت تتحول إلى لهجة عصبية فيها الكثير من “النرفزة” بسبب انفضاح تورط إيران مع روسيا في هذه الحرب القذرة التي تستهدف دولة مستقلة ذات سيادة، إلى جانب استهدافها المبرمج للقيم الديمقراطية العالمية التي يمثلها العالم الغربي الحر والتي تينتها أوكرانيا، وكذا منظومة الأمن الدولي والحق الإنساني للشعوب في الحرية واستقلال القرار.
ومن الجلي أيضاً للمتابع بأن واشنطن مدعومة بحلفائها في “الأطلسي”، مصممة على الاستمرار في دعم الجيش الأوكراني بالقدرات الدفاعية اللازمة طالما لم يتراجع بوتين عن غزوه وحملته الشعواء على مجمل الأراضي الأوكرانية، وطالما استمر في رفض وقف إطلاق النار والجلوس للتفاوض ضمن الرؤية التي وضعها الرئيس بايدن لإنهاء الحرب، والتي رفضها بوتين ووضع شرطاً لقبولها وهو اعتراف الولايات المتحدة بضم الأراضي التي احتلتها موسكو في شرق أوكرانيا خلال المعارك الأخيرة إضافة إلى شبه جزيرة القرم، الأمر الذي ترفضه أميركا والعالم الحر بالمطلق.
إذا كان بوتين يستشعر – ولو على مكابرة – أنه لن يتمكن من كسب هذه الحرب، فلماذا يستمر بها ويتحالف مع قوة متهاوية تقع على رأس قائمة العقوبات الدولية والأميركية، بل وتعاني من اضطراب داخلي عميم على أثر احتجاجات شعبية عارمة، وكذا من انهيار اقتصادي يهدد أركان النظام في طهران؟!
العديد من القياديين في موسكو بدأوا يتململون من “عناد” بوتين وإصراره على المضي في هذه الحرب مهما تعاظمت الخسائر وضاق الأفق. فعسكرياً، بدأ يطفو على سطح العمليات القتالية مشهد التفوق الأوكراني بلا منازع، وقد تم تزويد جيشها بأحدث الأسلحة الدفاعية، وكذا تأمين مقاتليها بأفضل وسائط التدريب الذي يتم في ألمانيا وبولندا على أيدٍ خبيرة، بينما أثبت أفراد الجيش الأوكراني والمجندين الطوعيين فيه كفاءة هائلة في استخدام أسلحة غربية هي جديدة تقنياً تماماً عليهم، ولم يستخدموها أبداً من قبل.
وفي ظل التفوق الأوكراني العسكري الذي أصبح أمراً واقعاً، والتذمّر الشعبي الروسي – وبعض منه يأتي من الدائرة الضيقة المحيطة ببوتين -، وبدخول هذه الحرب شهرها العاشر بعد أن ظن بوتين أنه سيحسمها في “عملية عسكرية” خاطفة تستمر لأسابيع وينقضي الأمر، يقف العالم مشدوهاً ليتساءل ما إذا كان بوتين يعي تمام الوعي أنه يزج العالم بأسره في ضائقة مصيرية كبرى طالت الأمن والغذاء واستقرار البشرية جمعاء، البشرية الخارجة للتو من أزمة وبائية عانت منها على امتداد سنتين، وهي بأشد الحاجة إلى دورة نقاهة مشدّدة لتستعيد أنفاسها، لا إلى الدخول من جديد إلى غرفة العمليات.