آخر التحديثاتأبرز العناوينمقال الرأي

الأوكرانيات على خطوط النار

الاستماع للمقال صوتياً

NYT/WHIA

بقلم نيكولاس كريستوف – نيويورك تايمز
نقلها إلى العربية بسام أبوطوق

دخل المجتمع الأوكراني وهو تقليدي ومتحيز للرجل عموماً، في خضم حرب مضنية مع روسيا. لكن ماريا ستالينسكا، 41 عاما، وهي موظفة حسابات رزقت بحفيدها الأول قبل عام، التحقت بالجيش بعد أن غزت روسيا بلادها في فبراير. قالت لي: “نحن بحاجة للدفاع عن أطفالنا”. “إن لم نكن نحن، فمن سيكون”؟

فيما يعتبر التسجيل في الخدمة العسكرية إلزامي للرجل، يمكن للمرأة أن تختار التطوع. بعد الغزو، الكثيرات فعلن ذلك، وهناك ما يقرب من 60 ألف امرأة الآن في القوات المسلحة الأوكرانية، وفي بعض الأحيان يقمن بأدوار قتالية.

“لن أكون في مكتب في مكان ما”، قالت ليليا فيدورنكو، 45 سنة، التي سجلت في صباح يوم الغزو. “سأكون في الخنادق، وأطلق النار، وأقوم بالاستطلاع.” وأضافت: “أنا أسدد جيداً”.

إن تصميم النساء الأوكرانيات على محاربة الروس، أو التجسس عليهم من وراء خطوط العدو، أو جمع الأموال للقوات، يعكس تصميما لا يتزعزع لدى الأوكرانيين، ذكوراً وإناثاً على حد سواء، للتضحية من أجل بلدهم. في الوقت الذي تنقسم فيه روسيا إلى هذا الحد، تشعر أوكرانيا بالعكس: هناك وحدة وجدانية، وراقية، ومتوازنة هنا، وهذا أحد أسباب تعرض فلاديمير بوتين للمتاعب.

قالت الحكومة الأوكرانية إن 151 مجندة قتلت أو هن في عداد المفقودين حتى الآن. فيما حصل حوالي 350 من المجندات على جوائز مثل ((بطل أوكرانيا)).

التمييز على أساس الجنس، وهي صفة شائغة عند القوات الروسية، ربما أضر بهم في حربهم في أوكرانيا، لأنهم لم يدركوا ما تستطيع النساء فعله. فزعيمة مجتمعية لم ترغب في استخدام اسمها في حالة عودة الروس في منطقة خاركوف، تحدت وضللت الروس عندما كانت منطقتها محتلة قالت: “لم يكونوا يشتبهون في النساء”.

مشاركة المرأة هي تذكير بأن نصف الموارد البشرية في أي مجتمع هي من الإناث، حتى لو كانت الدول لا تقدر ذلك دائما،وأي دولة تستغل الإمكانات غير المحققة لنصف السكان ستكتسب هذه الميزة.

يعد انتساب المجندات للجيش الأوكراني أمرا جديدا لدرجة أن هذا الجيش لا يمتلك حتى زيا موحدا للنساء، لذلك كانت النساء ترتدين زيا عسكريا غير ملائم مصمما للرجال. لقد احتججن على أن المحاربين يأتون من جميع الأجناس وأن الزي الرسمي يجب أن يكون مناسبا للاختلافات الجسدية.

إحدى المتطوعات الأوائل، أناستاسيا كوليسنيك، تعمل في التسويق وتبلغ من العمر 25 عاما  وقد اشتركت في اليوم الأول من الحرب، اشتكت إلى أفراد عائلتها الذين سرعلن ما وجدوا زيا مناسبا لها ولصديقاتها.

ويبدو أن المواقف تجاه المجندات تختلف باختلاف القادة. قالت أناستاسيا بالشيك، 26 سنة، التي تم رفضها في البداية عندما تطوعت: “أنت امرأة،  مهمتها إنجاب الأطفال، وعليك العودة إلى المنزل”. وبدلاً من الجلوس على قائمة انتظار طويلة للخدمة، مثل العديد من الأوكرانيين الآخرين، تواصلت بالشيك مع القادة ووجدت شخصا قال إنه يمكنه قبول طلب تطوعها.

وبالمقارنة يمكن للنساء أيضا الخدمة في الجيش الروسي وجهاز المخابرات، ولكن يبدو أن عددا قليلاً من النساء هن طرفا في القوة الغازية الروسية في أوكرانيا.

كما يبدو أن النساء الأوكرانيات كن فاعلات للغاية كجواسيس خلف خطوط العدو، حيث استخدموا هواتفهن للإبلاغ عن مواقع القوات الروسية وتحركاتها.

قالت ألبينا ستريليتس، 33 سنة، “أردت حقا تحرير هذه المنطقة”، موضحة سبب تجسسها على القوات الروسية ونقل المعلومات إلى الجانب الأوكراني. تم القبض عليها وتحدثت معي عبر السجن وغرفة التعذيب حيث احتجزها الروس لمدة 16 يوما في أغسطس الفائت. وأضافت أنها أخبرت محققها، وهو شيشاني، بصراحة أنها دعمت الجانب الأوكراني في الحرب، وكسبت احترامه على مضض، قال لها حسب روايتها: “لديك عزيمة من حديد أكثر من معظم الرجال”. وقالت إنها لم تتضرر جسديا.

التجسس على العدو ليس عملا غريبا على النساء في الحروب. إحدى قريباتي، إيزابيلا كرزيستوفوفيتش جاروزيلسكا، كانت عضوا محلفا في المقاومة البولندية خلال الحرب العالمية الثانية. كانت ناشطة في شبكة بريدية بولندية جمعت معلومات استخبارية عن النازيين، وحملتها عبر ما يعرف الآن بأوكرانيا ونقلتها إلى الحكومة البولندية في المنفى في لندن، ولكن تم القبض عليها وإرسالها إلى أوشفيتز وتوفيت هناك في عام 1943.

السؤال المفتوح هو ما إذا كانت بطولة العديد من النساء في هذه الحرب ستقضي على المواقف التقليدية المتحيزة جنسيا للرجل، لتساهم في خلق مجتمع أكثر مساواة بعد ذلك.

هل من المرجح أن يعامل الرجال الأوكرانيون زوجاتهم على قدم المساواة؟ أحد المؤشرات على التقدم المحتمل هو أن ما يقرب من نصف جميع الأعمال الصغيرة الجديدة منذ الغزو بدأتها النساء.

تجيب آلا كوزنتسوفا التي تجسست على الروس أثناء احتلال إليزيوم على هذا السؤال، إن مساهمة المرأة الأوكرانية في الحرب ضد روسيا “ستغير إلى الأبد دور المرأة في المجتمع”.

بسام أبو طوق

مهندس وكاتب سوري - كندي مقيم في مونتريال
زر الذهاب إلى الأعلى