شبكة نيتفلكس الأميركية تحمل مشاهد اللجوء السوري إلى العالم
الاستماع للمقال صوتياً
|
بقلم بسام أبوطوق
مؤخرا، أطلقت شبكة نتفلكس فيلما بعنوان (The Swimmers) يروي القصة الملهمة للشقيقتين السوريتين، يسرى وسارة مارديني، اللتين انطلقتا في رحلة هروب من الحرب المحتدمة في سوريا سباحة عبر البحر المتوسط، وثابرتا بشجاعة لتخطي تعقيدات وإشكالات إجراءات الهجرة، وصولا إلى التنافس في أولمبياد ريو 2016 ضمن فريق مخصص للاجئين.
أشادت المسؤولة الأممية، ميليسا فليمنغ، بالفيلم ووصفته بأنه”دليل قوة وشجاعة ومثابرة أكثر من مائة مليون شخص نزحوا قسرا حول العالم”. وأضافت: “إنه لا يسمح للجمهور بالتعاطف مع أولئك النازحين قسراً وحسب، ولكن يتيح أيضا أن يتخيلوا أنهم في مكانهم”.
في العام 2021 تم عرض فيلم بعنوان(Peace by chocolate) من إنتاج كندي، يستند أيضا إلى قصة حقيقية من قصص اللجوء، فبعدما دمر جنون الحرب مصنع عائلته في دمشق، لجأ طارق حداد إلى لبنان، حيث قدم أوراقه إلى السفارة الكندية ببيروت وحصل على حق اللجوء من خلال نظام رعاية المجتمع الكندي. وعلى شاطئ نوفا سكوشا بكندا انضمت عائلته إليه وأعاد افتتاح مصنعه للشوكولا، مقدما إضافةً جديدةً لبلده الجديد، مما أكسبه ثناء المجتمع المحلي الكندي وقادة العالم بما فيهم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
مثل هذه الأفلام تسلط الضوء على أزمة إنسانية عالمية تبدأ من المجتمعات المحلية في العالم الثالث وتتصاعد إلى منظومة المجتمعات العالمية ككل، ولها تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية تصل إلى المستوى الكارثي. فضمور مصادر العيش والحياة، وتضاؤل فرص العمل والتعليم والحصول على الحقوق الإنسانية، والاستقطاب بين نموذج عالم أول يحظى بالتقدم والعلم وفرص العمل والتعلم، وعالم ثالث تمزقه الاضطرابات والنزاعات والحروب الأهلية، يؤدي إلى الهروب الكبير فرديا وجماعيا، من المناطق المتأججة إلى المناطق الدافئة، ويحصل هذا الهروب بشتى الطرق، هجرة شرعية وغير شرعية ولجوء وتسلل إلخ..
وفي الأسباب، فالدول المتقدمة المستهدفة بالهجرة تتحمل تاريخياً الجزء الأكبر من المسؤولية، فالاستعمار القديم ونهب الثروات وزرع وتنشيط الفتن والخلافات أدت إلى نمو غير متكافئ بين المركز الغربي والأطراف المستعمَرة (بفتح الراء) وتزداد الهوَة عمقاً وتوسعا بين عالم أول وعالم ثالث.
وقد توجهت المركزية الأوروبية مدعومة بالاكتشافات الجديدة في عصر الثورة الصناعية إلى إعلاء قيم ومفاهيم الثقافة الغربية على ثقافات الحضارات الأخرى وإلحاقها بها، ما أدى الى تقديس النموذج الفكري الغربي، وتبخيس النماذج الأخرى بكونها مجرد مصدر للفولكلور والتراث رغم عراقتها ودورها التاريخي في بناء الحضارة الإنسانية.
تعّرف ظاهرة اللجوء اصطلاحاً، بتلك الصفة القانونية التي تمنح الحماية لفرد غادر وطنه الأصلي للإقامة في بلد آخر خشية اضطهاد أو تنكيل أو قتل لسبب من الأسباب، فاللجوء يمكن أن يكون سياسياً أو دينياً أو إنسانياً، بسبب الحروب أو النزاعات الإثنية والعرقية.
قانونياً تم التنصيص على منح “حق اللجوء” ضمن بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، قبل أن تتولى معاهدة جنيف بعد ثلاث سنوات تفعيل مقتضيات هذا الحق وحيثيات صفة اللاجئ، والتي دخلت حيز التنفيذ في 22 أبريل 1954. ولكن هذه المعاهدة قصرت عن تغطية مختلف أشكال اللجوء حيث ظهرت أصناف جديدة منه في العقود اللاحقة، منها اللجوء الاقتصادي الذي ارتبط بظاهرة الهجرة غير النظامية، واللجوء المناخي ذي الصلة بالتغيرات المناخية على كوكب الأرض.
في المزايا التي يعرفها جيداً القائمون على إدارة التحولات الاجتماعية في الدول الغربية، يراهن هؤلاء أولاً على تحول لاجئو آسيا وأفريقيا إلى مشروع مواطنين كحل جزئي لمشكلات شيخوخة الهرم السكاني والشغل في الكثير من القطاعات المنتجة، وثانياً فيما يتعلق بالتغييرات النوعية اللاحقة بالتركيبة السكانية للدول المتقدمة على المدى المتوسط في ظل سياسات تحديد النسل واتساع دوائر مناهضي فكرة الأسرة.
اتفاقية جنيف منحت حقوقا محددة للّاجئين، وحظرت إعادتهم قسرياً من بلدان اللجوء، ولكن مازالت بعض حكومات الدول المتقدمة تبذل أقصى جهودها للالتفاف على هذه الحقوق، وتسيطر المصالح الانتخابية على هذه التوجهات. ويتجاهل السياسيون الشعبويون هذه المزايا لأسباب انتخابية، ويركزون في خطاباتهم التحريضية على شيطنة الوافد الجديد و ضرره على المجتمع والاقتصاد.
في ظل هذا التحريض الشعبوي، وصل اليمين الفاشي الجديد إلى الحكم في إيطاليا ويتعاظم مستوى الوزن الانتخابي لليمين المتطرف في فرنسا، ومؤخراً شهدنا حدثاً مأساوياً ليس جديرأً بمستوى التقدم الإنساني والحضاري لدى هاتين الدولتين، حيث رفضت كلتاهما استقبال السفينة أوشين فايكنغ التي تقل 230 مهاجراً وتقاذفتاها ككرة البينغ بونغ. وبعد 15 يوم من عض الأصابع وافقت فرنسا على استقبال السفينة “على أساس استثنائي” مدينةً الخيار غير المقبول لإيطاليا، وهكذا انتصر اليمين الفاشي الجديد بزعامة جورجيا ميلوني وتراجع اليمين الوسطي برئاسة ايمانويل ماكرون ولكن زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان تتربص به.
قصص اللاجئين الهاربين من أهوال الحروب في بلادهم ومراكب الموت التي عبروا بها ومسيرهم في الغابات وملاحقة الشرطة والمتطرفين لهم واسترزاق المهربين والنصابين على بقايا مدخراتهم سمعناها وقرأناها، وتواترت تفاصيلها من أصدقائنا وعائلاتنا، ولكن السماع ليس كالمشاهدة.
هذه الأفلام بنبضها الواقعي تحفز الوجدان وتثير شجون وتشحن التضامن الإنساني، وتستدعي رفع الصوت عالياً والعمل والنشاط لتطبيق قوانين الأمم المتحدة بل وتحسينها وتوسيعها لتشمل كل ما يستجد من حالات اللجوء وتوصيفها.